تعرف على المفكر السوداني الذي حوكم بالردة قبل 32 عاماً

في صباح يوم الجمعة 18 من يناير/كانون الثاني 1985 تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً على المفكر الإسلامي السوداني #محمود_محمد_طه، وقد كان شيخاً في الـ 76 من عمره، إذ إنه من مواليد عام 1909. وفي يوم الخميس 18 يناير/كانون الثاني 2018 تكون قد مرت 23 سنة على هذا الحدث.

اشتهر المهندس محمود، الذي درس هندسة المساحة في كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم حالياً)، بلقب “الأستاذ” بين تلامذته ومحبيه، وبقي مصدراً إلى اليوم للفكر الإسلامي المنفتح على التنوير والمتحرر من التطرف.

وكانت التهمة التي حكم بها على “الأستاذ” هي #الردة، بعد العديد من مؤلفاته الجريئة، التي أكد فيها على إعادة النظر في الكثير من موضوعات التراث الإسلامي والعودة إلى الأصول بوعي تاريخي جديد.

ومن أبرز مؤلفاته “الرسالة الثانية من الإسلام” الذي يُعتبر كتابه الأم لفكرته المركزية حول “التجديد” في الدين وفق روح التسامح والمحبة بين الناس، بناءً على المجتمع المكي الأول الذي أسس له النبي محمد عليه السلام في مكة المكرمة قبل قيام الدولة في المدينة.
مناظير التجديد

وقد أخذ محمود محمد طه هذا الفكر ومزجه مع أفكاره الشخصية، واتخذ للإسلام في إطار الحياة الحديثة موقعاً وسطاً، معتبرا أن فضيلة الإسلام تقوم على الوسطية في السياسة والاقتصاد والنظر لقضايا المجتمع.

وكان طه يقوم بالتجول في أنحاء #السودان ليوصل أفكاره إلى الناس، وهو يلبس الزي المحلي ويخاطب المواطنين بلغتهم الدارجة. واستطاع أن يحشد حوله المئات من الشباب من الرجال والنساء معا، لاسيما الطبقة المتعلمة.

وعُرف تلاميذه بـ”الجمهوريين” نسبة إلى الحزب الجمهوري الذي أنشأه مع آخرين عام 1945 ودعا إلى استقلال البلاد وتأسيس نظام جمهوري بها، وتميز هؤلاء التلاميذ بروح السماحة، وهو ما اكتسبوه من أستاذهم الذي كان يميل لمقارعة الحجج وينأى عن العنف والتجريح.

في أكتوبر/تشيرن الأول من عام 1951 وقبيل فجر الاستقلال في 1956 كان “الأستاذ” قد خرج بعد اعتكاف طويل إلى الناس بفكرته التجديدية التي أسماها “الفكرة الجمهورية” والتي عبرت عن رغبته في بناء تصور جديد للحياة السياسية والاجتماعية بتغيير النظرة إلى الدين ومناظيره في الراهن الإنساني.

كان محمود محمد طه قارئاً ومتنوراً ويقوم على عقل تحليلي يأخذ من الأفكار الفلسفية المختلفة شرقاً وغرباً، ثم يعمل على إعادة بنائها وصياغتها وفق أسلوبه الشخصي بما يماشى وحاجة المجتمع السوداني والراهن البشري عامة.

وقد أحدث نقلة في النظرة إلى أنسجة العلاقات داخل المجتمع من خلال إعادة النظر في “شريعة الأحوال الشخصية”، الأمر الذي أفضى به إلى مناظير جديدة لفقه الزواج والميراث وعلاقة الذكر بالأنثى، وغيرها من الأفكار التي خرج بها لمواكبة الحاضر ورآها البعض مخالفة للإرث الديني، فيما أخذها مناصروه على أنها تغيير حقيقي يحترم كينونة الإنسان المسلم ويحقق له جدارته ومعناه.
تراث كبير

ترك “الأستاذ محمود” تراثاً كبيراً من الكتب والمنشورات التي كان يصدرها هو أو حزبه في المناسبات المختلفة، للتعبير عن فكرة أو رأي معين باتجاه القضايا المستجدة، أو لتوضيح الموقف من قضية معينة.

لكن فكر الأستاذ حورب لفترة طويلة من قبل المتطرفين والجماعات التي رأت فيه خصماً سياسياً أو يهدد مصالحها، وثمة من يرى أن إعدامه كان نتاج صراع سياسي مع تيارات “الإخوان المسلمين” ولم تكن له صلة بطبيعة الأفكار التي كان يدعو لها.

ورغم أن طه عمل لفترة بعد تخرجه من الجامعة سنة 1936 بمهنة الهندسة في مدن عطبرة وكسلا، إلا أنه وجد نفسه في الفكر والتنوير الذي تفرع له تماما منذ مطلع الستينيات، وترك العمل كمهندس.

لكن عمله بالهندسة وفي مدينة مثل عطبرة، التي تشكل معقلاً لعمال السكك الحديدية، أتاح له الاحتكاك بالطبقة الاجتماعية الكادحة، ومكّنه من تلمس قضاياها، وساعده ذلك في بلورة العديد من أفكاره ورؤيته لتجديد “روح” الدين.

قبل أن يحكم عليه بالردة الثانية التي انتهت بإعدامه، فقد حكم على الأستاذ طه سنة 1968 بالردة أمام محكمة الاستئناف العليا الشرعية، لكنه رفض الامتثال لأمرالحضور للمحكمة التي حكمت عليه غيابياً بالردة عن الإسلام.

وجاء إعدام محمود محمد طه قبل أقل من ثلاثة أشهر من الإطاحة بنظام جعفر النميري في انتفاضة شعبية في 6 أبريل/نيسان 1985. وكان حزبه الجمهوري قد أصدر في نهاية 1984 منشوراً شهيراً باسم “هذا أو الطوفان” في مقاومة قوانين سبتمبر/ايلول 1983 التي أعلنها النميري، ورأى فيها الجمهوريون أنها ليست ذات صلة بـ”حقيقة” الإسلام.

واعتقل محمود في 5 يناير/كانون الثاني 1985 ليحاكَم على وجه السرعة وينتهي سجل حياته الفكرية الحافل بالإعدام بساحة سجن كوبر في #الخرطوم.

ولم تكتف المحكمة بقرار الإعدام وعدم الدفن في مقابر المسلمين، بل قررت مصادرة جميع كتبه من المكتبات ومنع تداولها وحظر نشاط حزبه في كافة أنحاء البلاد.

العربية

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.