“جبل الموت” انهيار بئر أدى لوفاة ما يزيد عن الثلاثين معدناً أهلياً في فصل جديد من مأساة “لعنة الذهب”

يقول محمد إسماعيل آدم، معتمد محلية (السريف) في شمال دارفور، إنهم لا يملكون حتى الآن إحصائية بعدد الضحايا في انهيار بئر بمعدنين في منطقة جبل عامر في ولاية شمال دارفور. يكمل الرجل في تصريحات صحفية أنهم حتى يوم الجمعة قاموا بانتشال ثماني جثث في انهيار البئر، لكن بحسب معدنين من الموقع أن الانهيار تسبب في فقدان وموت ما يتجاوز الثلاثين شخصاً، وهو ما دفع بالسلطات في محلية السريف، وفي ولاية شمال دارفور للوصول من أجل نبش المنجم المنهار.
ما حدث في (جبل عامر) مؤخراً يعيد المنطقة مرة أخرى لذاكرة (الموت)، التي ارتبطت بالجبل الذي يحمل اسم أحد أفراد قبيلة الرزيقات (عامر)، ويبعد عن مدينة الفاشر نحو (210) كيلومترات، ويتوسط أربع محليات، كبكابية شرقاً، الواحة- مستريحة جنوباً، سرف عمرة غرباً، والسريف بني حسين شمالاً. ذهب الجبل كان سبباً رئيساً في جعل الكثيرين يحملون حقائب حلمهم في الثراء ليهبطوا هناك، وصل وقتها عدد العاملين في الجبل إلى حوالى (70) ألف شخص قبل أن يتراجع إلى (10) ألف شخص عقب الأحداث المتتابعة للموت، ويطلق المنجمون في الجبل توصيف (الدوام لله) على إحدى الآبار الغنية بالذهب داخل الجبل، وهي العبارة التي تؤكد على قيمة أن الجبل مسكون بالموت، وهو الأمر الذي لا يبدو استثناء حين يتعلق ذلك بمعايير السلامة لدى المشتغلين في مشروعات التنقيب التقليدي عن الذهب في السودان، حيث يقول أحد الشباب العائدين من مناطق التنقيب بالولاية الشمالية، تعليقاً على مدى توفر معايير السلامة: “هناك الساتر والحامي الله”.
كان جبل عامر هو المساحة التي خاض فيها زعيم المحاميد موسى هلال ووالي شمال دارفور السابق محمد يوسف كبر معركة تكسير العظام، ومحاولة كل منهما إثبات مدى تأثيره في الحراك العام في المنطقة قبل أن يغادر الرجلان المنطقة وتنتهي معركتهما التي فتحت الباب أمام معارك أخرى، ربما أشدها تلك التي اندلعت في الجبل في عام 2013، وقتها غادر جدلية كونه مؤثراً في شمال دارفور ليتحول إلى قضية ذات اهتمام قومي، وانبرى نواب برلمانيون لترديد أن المنطقة خارج سياق سيطرة الحكومة السودانية، ويوجد فيها حوالى ثلاثة آلاف أجنبي مدججين بالسلاح، وهو الأمر الذي قال به أيضاً وزير الداخلية السابق.
يطلق البعض على جبل عامر (جبل التوترات)، ففي سبتمبر الماضي كانت الأخبار تقول إن ثمة توترات بين بطون الرزيقات في المنطقة بسبب اغتيال أحد الأشخاص المقربين من الزعيم القبلي موسى هلال، بواسطة قوات الدعم السريع. قائمة من سقطوا موتى في جبل عامر تؤكد على فرضية (لعنة الذهب)، اللعنة التي تعبر عن نفسها في أرقام الضحايا بانهيارات آبار التعدين أو بانهيارات التحالفات السياسية، وفي كثير من الأحيان تعبر عن نفسها في معادلة تباين مصالح المجموعات المختلفة.
لم يكن الانهيار الذي راح ضحيته ما يزيد عن الثلاثين شخصاً هو الأول، فقبل فترة ليست بالقليلة كانت الأخبار تترى عن انهيار آخر في ذات الجبل، في سياق انهيارات مناجم أخرى في مناطق التعدين التقليدي في بقية أجزاء السودان، ورغم أن الموت يظل هو أقرب الخيارات أمام (المعدنين)، لكن تبدو الرغبة في المغامرة حاضرة، خصوصاً وأن الحصول على المعدن النفيس يمكنه أن يقود صاحبه إلى عوالم أخرى في الحياة، وهم يتبنون المثل القائل: “هنا سعادة بوزن الذهب أو شقاء بوزن التراب”.
من انهارت فوق رؤوسهم بئر التعدين، أمس الأول، كانوا يحلمون بتحقيق تطلعاتهم المباحة من رفاهية الحياة، الأمر الذي دفع بهم لخوض المصاعب التي قد تنتهي بإهالة التراب على الجثث التي تم انتشالها بإحدى المقابر أو بإغلاق البئر على الذين لم تصل إليهم فرق الإنقاذ، فثمة آبار أخرى ستعمل فيها أدوات الحفر دون أن يهتم أصحابها بمعايير السلامة، (سيعمقونها) أكثر مما ينبغي وسيهبطون في داخلها في انتظار الخروج بصيد ثمين، لا يهمهم ساعتها أن يكونوا هم أنفسهم (الفريسة). وبحسب تقارير رسمية فإن مسؤولية الانهيار لآبار التعدين تعود بشكل رئيس إلى سلوك المعدنين أنفسهم، وطريقتهم في التعامل مع العمليات المتعلقة بالتنقيب التقليدي.
الزين عثمان
اليوم التالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.