لم تسلم منها بيوت محروسة بالحديد والنار سرقة بيوت المسؤولين.. مغامرون يتجاسرون على طوق التأمين

تشكل بيوت المسؤولين وسط الأحياء السكنية علامة واضحة بالسياج الأمني المضروب عليها بداية من كشك الحراسة وأفراد التأمين من القوات النظامية وشركات التأمين تساعدهم في أداء مهمتهم كاميرات المراقبة المحيطة بالمنزل، ما يجعل هذه المنازل كما أصحابها داخل دائرة تأمينية ضيقة، يصعب اختراقها من قبل اللصوص بما يجعل أي محاولة اختراق مغامرة محفوفة بالمخاطر التي تكون نهايتها الفشل أو الموت بإطلاق الرصاص وإرداء هذا المغامر قتيلاً لا محالة.

سياج امني

رغم هذا السياج الأمني المحكم تكررت ظاهرة حوادث السطو على منازل مسؤولين كبار في الدولة والحزب الحاكم أسفرت عن سرقة أموال طائلة من العملات الأجنبية والمحلية والحلي الذهبية أوزانها بالكيلو، وليس الأوقية.

واللافت أن البلاغات المدونة في كل عمليات السطو على منازل المسؤولين التي سجلتها أقسام الشرطة تكون في البداية ضد مجهول، وسرعان ما تظهر عمليات التحري أن غالبيتها إن لم تكن كلها أنها تمت بواسطة أحد أفراد الحراسة المكلفين بحماية هذه المنازل الذي يكون دائماً في خانة المتهم الأول والعقل المدبر بمساعدة إحدى عصابات لصوص سرقة المنازل المحترفين وتتوسع دائرة الاتهام لتشمل آخرين .

اول حالة

كانت أول حالة سطو على منزل مسؤول سجلتها مضابط الشرطة تحت المادة (174) من القانون الجنائي لمنزل القيادي بالمؤتمر الوطني ورئيس جهاز الأمن الأسبق الدكتور قطبي المهدي بحي الصافية في العام (2011)، المتهمون مجموعة مكونة من (9) متهمين استولوا على مبلغ “40310” يورو و “11,336” فرنكاً سويسرياً و”9″ آلاف ريال سعودي و”5″ آلاف جنيه استرليني و(645) ألف ليرة لبنانية، و(420) ألف ليرة سورية، و(20) ألف جنيه مصري، و(26) ألف دولار و(91) ألف جنيه سوداني وموبايل.

وأظهرت التحريات أن العقل المُدبِّر لعملية سرقة منزل د. قطبي المهدي هو سائقه الخاص الذي برر فعلته أمام المحكمة أنه أقدم على السرقة بعد رفض مخدمه الاستجابة لمطالبته المستمرة بزيادة راتبه الذي قال لا يتجاوز الـ(ثلاثمائة وخمسين جنيهاً) الذي لا يغطي نفقات أسرته مما اضطره إلى تدبير حادثة السرقة مع آخرين .

وفي العام 2014 سطت مجموعة من لصوص الليل على منزل زعيم حزب المؤتمر الشعبي السابق المرحوم د. حسن عبد الله الترابي، وتم توقيف اللصوص قبل أن يتمكنوا من الاستيلاء على أي مقتنيات.

وفي حادثة سرقة مماثلة في كل تفاصيلها لسرقة منزل د. قطبي تسللت مجموعة في أغسطس من العام 2016 إلى شقة بمنطقة امتداد ناصر شرقي الخرطوم خاصة برئيس القطاع الاقتصادي بحزب المؤتمر الوطني محافظ بنك السودان الأسبق الذي يلقب بامبراطور البنوك صابر محمد الحسن يستخدمها كمكتب تجاري خاص يباشر منه إدارة أعماله، وتمكنت من سرقة (28) ألف يورو و(32) ألف دولار، بجانب بعض المبالغ بالعملة المحلية والعملات الأجنبية، وأشارت التحريات إلى أن العقل المدبر كان ضمن معاونيه، وقام بالسرقة بدافع إتمام مراسم زواجه واستغل فرصة وجود صابر خارج السودان كما هو الحال عند سرقة منزل قطبي كان خارج السودان، دُوِّن بلاغ في قسم الشرطة تحت المادة (174) من القانون الجنائي.

منازل الولاة والبرلمانيين

وبذات السيناريو تلفت (الصيحة) إلى أن حوادث السطو طالت منازل الولاة إذ أبلغ والي النيل الأبيض السابق العام الماضي يوسف الشنبلي بأن لصوصاً قاموا بالسطو على غرفته الخاصة بمنزله بمنطقة الأزهري جنوبي الخرطوم، وتمكنوا من سرقة (3) كيلو من الذهب، إذ أنهم قاموا بسرقة الخزانة بأكملها، وقدر الشنبلي قيمة المسروقات بنحو مليار و(800) ألف جنيه.

في أكتوبر من العام (2014) قيد النائب البرلماني السابق المثير للجدل دفع الله حسب الرسول، بلاغًا في قسم شرطة الصالحة الريف الجنوبي لأمدرمان بأن منزله تعرض لعملية سطو ليلية من قبل مجهولين استولوا على ذهب قدرت قيمته وقتها بأكثر من 300 ألف جنيه وهواتف نقالة.

بعدها دونت عضو البرلمان حليمة تبن بلاغاً ضد مجهول بقسم شرطة أبو سعد غرب بسرقة مصوغات ذهبية بزنة (400) جرام وهواتف قيم ، وأموال من منزلها بحي المنصورة بأم درمان.

وكانت آخر حالات السطو على منازل المسؤولين سجلها والي كسلا آدم جماع الأسبوع الماضي ضد مجهول تسلل إلى منزله بالفتيحاب وقام بسرقة (8) آلاف يورو ومبلغ (500) ألف جنيه سوداني.

ورأى مراقبون تحدثوا لـ(الصيحة) عن أن وجود مثل هذه الأموال والثروات الكبيرة في منازل المسؤولين يساهم في انتعاش السوق الأسود للعملات مشيرين إلى أن وجود مثل هذه المبالغ الكبيرة سبب رئيسي في أن تراجع الجنيه السوداني مقابل النقد الأجنبي.

مضاربات

ويرى الخبير الاقتصادي د. محمد الناير أن وجود الكتلة النقدية بهذه النسبة الكبيرة خارج النظام المصرفي تؤثر سلباً على اقتصاد أي دولة، وهذا ما يوجب أن توجه كل السياسات لإدخال التعاملات النقدية الجهاز المصرفي والاعتماد على استخدام التقنيات المصرفية، ونبه د. الناير إلى أن وجود مثل هذه الكتلة النقدية الكبيرة خارج الجهاز المصرفي باعتبار أنها أموال غير المستغلة في الدورة الاقتصادية ما يؤدي إلى زيادة التضخم،

وأضاف الناير للصيحة أن وجود هذه الكتلة خارج النظام المصرفي قد يجعلها تستغل من المسيطرين على هذه الأموال وإدخالها في مضاربات شراء العملات الأجنبية وتؤدي لارتفاعها أمام الجنيه.

مؤشر سالب

يقول النائب البرلماني المستقل أبو القاسم برطم إن احتفاظ مسؤول كبير بمبالغ ضخمة مثل هذه خارج نظام الدورة المصرفية يعتبر مؤشراً على أن مورد هذه الأموال غير منظم، وأي مسؤول يقدم على هذا النوع من التصرف الذي أقل ما يوصف به أنه خرق للقانون المنظم للتعامل في النقد الأجنبي تجب محاسبته لأن أي أموال يتم تدويرها وتخزينها بهذه الصورة تكون خارج المصارف بالتأكيد تكون غير خاضعة للنظام الضريبي فهي تشكل مهدداً للاقتصاد الوطني

اموالناحقوقنا

من جانبه أشار الأمين العام لجمعية حماية المستهلك غير الحكومية دـ ياسر ميرغني في حديثه للصيحة، الى الشعار الذي رفعته المنظمة الدولية لحماية المستهلك قبل خمسة أعوام (أموالنا حقوقنا)، وطالبتهم كجمعيات حماية مستهلك برفع الكرت الأصفر للبنوك لذلك يجب إعادة الثقة للنظام المصرفي لأن مثل هذه الممارسات باحتفاظ المسؤولين بأموالهم تزيد من هزة الثقة في النظام المصرفي، وتساءل إن كان محافظ بنك السودان السابق لا يثق في النظام المصرفي فما بالك بالراعي الذي في الخلاء وتاجر التجزئة الذي في الأحياء والقرى كيف يتعامل مع البنوك التي تملأ الشوارع بإعلاناتها للتوعية بأهمية التعامل معها، وتقدم عروض التنازلات في التحويل المجاني وفتح الحساب وشحن الرصيد والكهرباء مجاناً، عليها أولاً أن تعيد الثقة في النظام المصرفي، وعلى هؤلاء المسؤولين حفظ أموالهم في خزائن البنوك الخاصة بدلاً مخزن المنازل.

محل الحفظ

من جانبه عاب د. الناير على المسؤولين الاحتفاظ بهذه الأموال خارج الجهاز المصرفي قائلاً: إن كان المسؤولون يقدمون على هكذا تعامل فما بالك بعامة الشعب مضيفاً يجب على المسؤولين النأي بأنفسهم عن مثل هذه الممارسات باعتبارهم الجهة الحاكمة التي تسن وتصدر القوانين والسياسات التي تهدف لاستقرار الاقتصاد وعليها أن تحفظ أموالها ومقتنياتها في منازلها لأن محل حفظها البنوك وعلى الدولة أن تسهم في نشر ثقافة التأمين حتى تصل لمبتغاها.

شئ مهم

ولفت برطم في حديثه للصيحة إلى أن المسؤول الذي يحتفظ بهذه المبالغ والسيولة بهذا الكم هو ضمن الذين أصدروا قانون محاكمة أي مواطن يمتلك عملة أجنبية مهما كانت قليلة أو كثيرة، فإن كانت هناك جدية من الدولة في ضبط التعامل النقدي يكون أول إجراء يتخذ ضد هذا المسؤول المبلغ بسرقة إيداعه في حراسة القسم المبلغ فيه كغيره من المضاربين في الدولار والعملات الأجنبية وتتم المحاسبة.

وعن السرقة التي تتم من قبل الأفراد المنوط بهم تأمين هؤلاء المسؤولين، قال هذا يعني أن العلاقة بين فرد التأمين والمسؤول غير مؤسسة ومرتبة، وهذا نوع من التعامل السوداني البسيط الذي يجعل الموظف يكون مطلعاً على كل تفاصيل حياة المسؤول، وهذا خلل في تركيبة المسؤول.

وختم برطم بقوله إن أي مال يكون مدوراً خارج النظام المصرفي تكون فيه شبهة تهرب ضريبي وجمركي، لأن هذا المال عليه زكاة وضريبة، وكل هذا أشبه بما كان يحدث في الكرين الذي يتم فيه إموال بمليارات الجنيهات تفوق الأموال التي داخل المصارف، وما نتج عنها من تخريب للاقتصاد وظهور معاملات تجارة الكسر وابتزاز للمتعاملين فيه وأدى لدخول كثير منهم للسجون. وقال: على الدولة أن تقيم محاسبة للمسؤولين المخالفين حتى تجعل المواطنين يحترمون هيبة هذا القانون خاصة في محاربة تدوير النقد الأجنبي خارج القنوات المصرفية والنظام المستندي الضريبي.

الخرطوم ــ الطيب محمد خير-الصيحه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.