«المبروكة!»..القاسم المشترك بين زبائنها «البحث عن عريس»

ضاق بها الحال فقررت أن «تعمل شيخة» زبائنها نساء طاعنات في السن وجامعيات الحكاية .. مِن «رش الموية» الي «مخاواة الجن» داخل متجر مُختص ببيع مستحضرات التجميل، التقطت أذني دون قصد حديث هامس بين صاحبة المتجر وامراة أخرى أربعينية يبدو أنها مختلفة في شكلها نوعاً ما لا أدري وجه الاختلاف ولكنه كذلك، عرفت في ما بعد أنها الشيخة “را” وهو الاسم الذي اشتهرت به وسط نساء الحي … قالت هامسة وهي تنحي تجاه صاحبة المتجر “عندي ناس جايبين لي كَرامة تعالي أفطري معانا”، وزادت وهي تحرك كفها اليمني وتفرك أصابعها “الأيام دي سوقي حااار”، لبُرهة خِلتها تاجرة أو دلالية تبيع الأواني المنزلية، إلا أنّ القدر قرر أنّ يصفعني بسخرية هذه المرة ، عندما سألت صاحبة المتجر وبكل عفوية، من هذه ؟! ، فجاءت الإجابة بسرعة وباستغراب “دي .. دي شيخة الحلة المبروكة . الشيخة را” !!! . كتبت: سلمى عبدالعزيز منزل المبروكة بعد أيام، تعمدتُ المرور بذاك الشارع الذي يحتضن منزل “المبروكة “! ، أرشدتني إليه صاحبة البوتيك بعد أن زودتني بحزمة نصائح أهمها أن تكون الزيارة في الليل، قالت لي وهي تشد علي كلماتها وتضغط علي الحروف لا تسألي عن السبب.. فقط زوريها في الليل، هذا الاصرار منعني من أن أطلق السؤال مرة أخرى. ممر طويل يضم عدداً من المنازل المُتشابه ،يقبع بحي اختار له أهله اسم (حي الصالحين ) بضاحية الحاج يوسف . ومع تسلل خيوط الظلام وبهدوء ، وإمتلاء الشارع بقطط ذات أحجام ضخمة ، وآثار دماء (كَرامة) سُفكت ، يبدو أنها قدمت قُربانا لحل عقدة ما ـ حسب إعتقادهم ـ ، كان كُل شئ يدل على أنني إقتربت من المنزل المنشود ، إنّ لم أكن قد بلغت مقصدي . مهن هامشية سيدة لم يتجاوز عمرها الأربعين عاماً، زوجة وأم لأربعة أطفال ، تقطن في منزل بالإيجار لقُرابة الخمس سنوات ، إمتهنت العديد من المهن الهامشية ، كان أخرها ( بوتيك) صغير، قامت بإستئجار موقعه، إلا أنّه فشل في الاستمرار، لم تتمكن من الإيفاء برسوم المحلية والإيجار … الخ ، كما أنّ حركة البيع ضئيلة نظراً لموقعه غير المناسب، سدت المنافذ أمامها … فقررت خوض غِمار تجربة أُخرى ، تدر عليها ( قِريشات) تُمكنها من مساعدة زوجها في قيادة مركبة الحياة الصعبة. فقررت أن تكون “شيخة” … أبرز المعلومات التي إستطعت معرفتها من جيرانها ومن اللصقين بها . قعدة جبنة حكت إحدى صديقاتها وجارتها التي شاطرتها نصف المنزل لأكثر من عامين، القصة … ذات يوم جاءت لتستشيرني وبعد أن أعدت لها الجبنة قالت لي “الحياة بقت صعبة ، وغلبنا ندبرا “ وعشان كده أنا قررت خوض مهنة مختلفة، ثم أردفت قررت امتهان مهنة ( الدجل ) ، فضحكت ملء فمي مستفسرة ( مهنة الدجل دي شنووو ؟!) ، فقالت ( دايرة أبقى شيخة ). تُضيف جارتها في حديثها لـ( أخر لحظة ) لم أكن أتوقع أنّ يتمدد الأمر ويكبر إلى حد تُصبح فيه مشهورة ومعروفة لدى الجميع داخل وخارج الحي ، حيث لم تمضٍ أشهر قليلة حتى بتنا لا نُغلق باب منزلنا بتاتاً من كثرة الزوار ، وبعضهم يأتي من الولايات القاصية طلباً للإستشفاء على يدها . مياه بتراب الأرض تُواصل جارتها سرد قصتها قائلة : أذكر إنّها في إحدى المرات جاءتها طالبات يدرسن بالجامعة طلباً للزواج ، أستحضر ماحدث في ذاك اليوم جيداً ، حيث جاءت بجردل ماء من برميل يتوسط فناء المنزل، ثم ملأت راحة يدها تُراب من الأرض، وأضافته للماء، ومن ثمة جلبته لتلك الفتيات ، طالبة منهن غسل وجوههن بها ، ثم الدعاء بما شئن ، وسوف يُستجاب لدعائهن إن شاء الله، قبضت “المعلوم” أما الطالبات فقد انصرفن وهن في غاية السعادة بأن العريس المنتظر قادم لا محالة . قصتي معها تقول صديقتها «م» .. ذات يوم، إنقطع عني حبل ( المصاريف ) بعد ما ألمت ضائقة مالية برب الأسرة ، ذهبت إليها مكسورة لا أعلم ماذا أفعل، ولا كيف سأدبر أمر طفالي حتي يتمكنوا من الذهاب لمدارسهم غداً ، قلت لها لقد ضاقت بيً الحال ولاأعلم أين المخرج ، فما كان منها ألا أنّ طرحت الي فكرتها وبسرعة قالت ( تعالي إشتغلي معاي ) ترددت قبل أن أقبل ولكني تذكرت الضوائق التي تمر بنا كل مرة ، فقررت بالفعل خوض التجربة ، خاصة وأنا أرى وضعها يتحسن وخيرها يتدفق كالماء العذب يومً بعد يوم، إذ لا يمضي شهر دون أنّ يجلب أحدهم ( خروف ) إكراماً لها.

وتضيف «م» .. حاولت إقناع أسرتي برغبتي في التداوي بالقران، إلا أنّ والدي رفض رفضاً قاطعاً، ليس هذا فحسب بل هددني بالتبرؤ مني ومقاطعتي ماحييت قائلاً : ( أنتي مدرسة ماقريتي كيف تبقي شيخة كيف ؟!) ، فإخترت رضاء والدي ورفضت طلبها . مخاوات الجن ختمت صديقة “الشيخة” حديثها لـ(أخر لحظة ) قائلة : أعرف نساء كُثر يمتهن هذه المهنة، والهدف واضح زيادة دخلهن لا أكثر ولا اقل الامر يبدأ صغيراً ومن ثمً يتطور ويكبر حتي يصل الي ما يعرف بمُخاوات الجن السُفلي لضمان الإستمرار في العمل ، وجلب الكثير من الزبائن ، الآن قطعت صلتي بها لأنني بتُ مُتيقنة بأنّ الأمر تبدل من مجرد كذب على البسطاء من النساء والفتيات وإضافة التراب للماء ، إلى إستحضار الجن بشتي الطرق المحرمة . منزل الشيخة فتيات بلغن من التعليم مبلغاً عظيماً ، تنهار صروحهن في بضع دقائق ينفقنها في الجلوس مع سيدة تتمتم بينما تُحاول جاهدة قراءة سورة البقرة على مسامعهن، يجلسن في دائرة تتوسطهن “الشيخة”، بينما يمنعك البخور عن رؤية دموعهن التي تعجز عن معرفة أسبابها، هل جراء أبخرة ( العدني وبخور التيمان ) الممزوجان بأشياء لا يعلم كنهها سواها ، أم لأسباب أخرى مجهولة ، .. هذا المشهد واحد من مشاهد مألوفة منتشرة في العديد من الأحياء الشعبية التي باتت لا تخلو شوارعها وأزقتها من منزل يطلق عليه الأهالي والجيران بالحي، منزل ( الشيخة ) وغيرها من الكلمات التي تدل على إقتناعهم بها . كرامة لله سألت الخالة عوضية إسحاق ـ ربة منزل ـ وواحدة من الذين إعتادوا إرتياد منزل من أطلقت عليها (المبروكة) ، قلت لها لماذا تذهبين إلى “الشيخة” بينما يمكنك التضرع لله لقضاء حوائجك ، فكان ردها ينم عن جهل عظيم تفشى في المجتمع يجب إستئصاله حيث قالت بيقين راسخ إن الله أيضاً يحب أنّ تقدم له الكرامات عن طريق شخص دعاؤه مستجاب ، معضدة قولها بأن إبنتها الكبرى لم يطرق أحد أبواب منزلهم طالباً يدها للزواج قرابة الخمسة أعوام، إلا بعد أنّ استجاب الله لدعاء الشيخة ، ومن ثمة ذبحهها لخروف غزير الدماء أمام باب منزلها . كلام خطير ( أخر لحظة ) طرحت ما سمعته وما رأته لاثنين من هيئة علماء السودان الدكتور محمد النظيف الذي اكتفي بالقول ( ده كلام خطير )قبل أن يصمت رافضاً التعقيب على الموضوع والشيخ أسامة سليمان الذي استنكر لجوء بعض النساء للقيام بمثل هذه الأفعال وأضاف وهو يتحدث لـ (أخر لحظة) قائلاً : (امتهان أيّ عمل آخر من شأنه تحسين الوضع المعيشي ومُعاونة رب الأسرة لا ضير فيه، لكن أنّ تفتي بما ليس لك به علم، لا يجوز ، مُعضضداً على أنّ دور المرأة في المجتمع عظيم، كأن تلجأ مع رفيقاتها لإصحاح البيئة في الحي ، ويسعين لتطوير أنفسهن وتنميتها بالطرق السليمة ، بعيداً عن ممارسة مثل هذه الأفاعيل .

صحيفة اخر لحظة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.