لماذا حدث الذي حدث في السودان؟

في مطلع عام 1956م ورث السودانيون دولة كاملة الدسم بجيشها وأجهزتها المدنيّة وقطار نضبط الساعة على صوت وصوله، وفائضاً في الميزانية وجامعة من تراث الإنكليز، ونخبة نالت من التعليم أقصاه، ومن الهم لمواصلة المسير أدناه، فكان ما حدث تفسيراً لحال اليوم.

فما الذي حدث فعلاً؟

برغم تعدد التفسيرات لما حدث ما بعد 1956م من فشل للنخبة آنذاك وحتى اليوم في إدارة بلد كالسودان، وما ترتب على ذلك من أحداث كانت كالصدمات على كاهل الدولة، ابتداء من أول انقلاب، وانتهاء بتقسيم الوطن.

فهل عقم السودان أن ينتج أقواماً يستطيعون لوحدهم إدارة شأنهم؟ فإن كانت الإجابة بنعم وهو واقع الحال، فالسؤال الذي يليه: هل من خلل في وجودنا كشعوب مختلفة المشارب في أرض واحدة تسمى السودان؟ أم أن هناك سبباً آخر؟

ومن قراءة تاريخ ما حدث، وبالمقارنة مع دول أخرى نالت معنا أو بعدنا استقلالها يبرز إلى السطح تساؤل آخر أكثر أهمية: لماذا أهدرنا 60 عاماً أو يزيد في صراع حول الهوية؟ فهل تستحق الهوية كقضية هذا العناء؟ فماذا يفيدنا أنا المواطن البسيط إن كنت عربياً قحاً ينتهي نسبي في قريش أم كنت زنجياً يلتقي نسبي مع أليكس هاليني مؤلف رواية الجذور التي تحكي معاناة الرق؟

ألم يكن الأَولى بلوغ الكفاية من الرزق بما يعصم طلب الإعانة؟
ألم يكن الأولى إخراج نصف الشعب من أغلال الأمية؟
ما هي أهدافنا الوطنية كأمة واحدة؟

لم يحالفني الحظ بأن أقرأ أي دراسات أو أوراق بحثية تعالج بعضاً مما ذكر أعلاه لعلها كانت تفيد في فهم ما جرى ولماذا سار على هذا النحو.

ونستطيع الجزم بأنه لا يوجد في السودان -في أغلب الظن- حزب واحد يملك تصوراً لحل مشكلتنا خارج إطار الأيديولوجيا والطائفية.

ولعل سؤالنا عما حدث محاولة لفهم الماضي وتنبؤ ما سيتكرر منه إن نحن كررنا الخطأ، فالحياة في ظني معمل كبير، والتجارب فيها تعاد بنفس الظروف لتعطي نفس النتائج.

فقد كان هناك صراع حاد نحو الهوية وتجاهل للقضايا الأساسية كالتعليم ومكافحة الفقر والصحة.

كان حزب الأمة، ومن خلفه أنصار المهدي، يريدونها دولة خالصة لخليفة المهدي، يفعل فيها ما يشاء، ولما عجزوا عن ذلك مهدوا لانقلاب الفريق عبود عام 1958م بعد عامين فقط من الاستقلال.

وكان الشيوعيون يريدونها حمراء فاقع لونها ولما هزمتهم الأكثرية البرلمانية جاءوا يمتطون دبابات العقيد جعفر النميري عام 1969م.

وكان الإسلاميون يريدونها خلافة دينية بلا شقوق، ولما عجزوا عن ردم الطريق إليها دبروا أمرهم بليل، وقضوا على آخر ديمقراطية تعددية في منتصف 1989م.

أما كان يكفي كل هؤلاء أن يؤجلوا أحلامهم إلى حين ثبات الأرض تحتهم أو إلى تعليم آخر أمي وكفاية آخر فقير؟!

ويظل السؤال قائماً: لماذا حدث الذي حدث؟

مقال :محمد بابكر
هاف بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.