48عاماً من وصول النميري إلى الحكم بالدبابة

(25 مايو) .. من (الانقلاب) وحتى انتفاضة (التصحيح)

الخرطوم : نجاة إدريس إسماعيل

في مثل هذا اليوم قبل (48) عاماً غيرت إذاعة “هنا أم درمان” برمجتها واستبدلتها بالمارشات العسكرية التي تشي موسيقاها بقيام انقلاب عسكري. وبالفعل قد كان. حيث نجح العقيد ركن –وقتذاك- جعفر محمد نميري ، بعد محاولتين فاشلتين، في الانقلاب على نظام ديمقراطي منتخب، في 25 مايو 1969 وجثم في صدور الناس إلى أن اقتلعته انتفاضة رجب أبريل المجيدة في 1985.

بداية حمراء

يقول القائلون إن مايو لم تولد إلا من رحم اليسار، ذلك رغم عدم التزام النميري بآيدولوجيا محددة، فالذين خططوا لها والذين تعاونوا من الخارج والذين نفذوا جميعهم كانوا من جناح اليسار. ومنذ البيان الأول الذي أعلنته حكومة مايو بقيادة الضباط الأحرار، تسنم حكومتها عدد من الوزراء الشيوعيين واليساريين منهم المهندس سيد أحمد الجاك، والمحامي فاروق أبوعيسى والدكتور محمد عبدالله النور والدكتور موريس سدرة بالإضافة لجوزيف قرنق. وقد اجتمع قبيل إعلان البيان الأول قادة الحزب الشيوعي السوداني وقتذاك لاتخاذ قرار حاسم في خيار المشاركة في الحكومة أو عدمها، وكان أن ضم مجلس قيادة الثورة اثنين من الشيوعيين وهما المقدم بابكر النور سوار الدهب قائد الجناح العسكري والرائد هاشم العطا المعروف بانتمائه للحزب الشيوعي السوداني، بالإضافة للرائد أبي القاسم هاشم السكرتير العام لتنظيم الضباط الأحرار والذي لديه ميول تجاه آيديولوجية القومية العربية.

هوية مايو

ولم يخف على الشعب اللماح كنه هوية مايو منذ انطلاق شهقتها الأولى، فقد رفعت شعارات القوى الثورية في مقابل التنديد بالقوى الطائفية ووصفها بالرجعية، ومع أنها تلقت التهاني من الاتحاد السوفيتي، إلا أن رؤية السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني عبدالخالق محجوب والتي صرح بها لأعضاء حزبه فتنص على انه (من الواجب ألا يصبح الشيوعيون تبعاً لنظام هو في نهاية الأمر ليس ماركسياً .. بل على الشيوعيين أن يسعوا للسيطرة على مثل هذا النظام وتسييره حتى تأتي اللحظة المناسبة لتحويله إلى نظام ثوري حقيقي).

مجلس قيادة الثورة

ركز أول بيانات مايو على حل أزمات البلاد وبصورة أخص على التنمية والدستور وحل مشكلة الجنوب. وضم مجلس قيادتها (7) من الضباط الأحرار و(3) من اليسار وهم :العقيد جعفر محمد نميري والذي تقرر أن يتولى رئاسة المجلس وأن يكون وزيراً للدفاع كما ضم المجلس كلا من بابكر عوض الله – الذي جمع في تاريخه بين السلطات الثلاث :رئاسة مجلس النواب ورئاسة القضاء ورئاسة الوزارة- والمقدم بابكر النور سوار الدهب والرائد أبي القاسم هاشم والرائد فاروق عثمان حمدالله والرائد هاشم العطا والرائد مأمون عوض أبي زيد والرائد أبي القاسم محمد إبراهيم والرائد زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر والرائد خالد حسن عباس.

انقلابات واجهت مايو

في 19 يوليو 1971 نفذ الرائد هاشم العطا انقلاباً أطلق عليه ” الثورة التصحيحية” وانتهى بعودة نميري للحكم بعد ثلاثة أيام فقط بعد أحداث عاصفة اعنفها مجزرة بيت الضيافة وإعدامات طالت الانقلابيين وفي مقدمتهم عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق كما تم اعتقال العديد من كوادر الحزب الشيوعي السوداني. ثم جاء انقلاب المقدم حسن حسين عثمان في 5سبتمبر 1975 وانتهى بإعدام ضباطه. أعقبه إجهاض تحرك الجبهة الوطنية بقيادة العميد محمد نور سعد، والذي أفضى للمصالحة الوطنية في 7/7/1977م حين أبرم رئيس حزب الأمة الصادق المهدي صلحاً مع النميري، ثم خرج د.حسن الترابي الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامي من سجن كوبر إلى القصر مستشارا لرئيس الجمهورية.

عواصف

من أهم العواصف التي زلزلت كيان نظام مايو” أحداث الجزيرة أبا وود نوباوي ” في مارس 1970 حيث قتل الإمام الهادي المهدي إمام الأنصار ود.محمد صالح عمر من قيادات حركة الإخوان المسلمين واستطاع ثالثهما الشريف حسين الهندي زعيم الاتحاديين أن ينجو من مصير حليفيه ليقود العمل المعارض بالخارج ثم جاءت أحداث شعبان/أغسطس 1973م حيث اندلعت المظاهرات منددة بالنظام وكانت شعبان محسوبة على قوى الجبهة الوطنية.

الفلاشا

تكفلت السلطات الأمريكية متمثلة في جهاز رئاسة الدولة و(سي. آي. أيه) وسلاح الجو الأمريكي بعملية تهجير اليهود الإثيوبيين من السودان إلى إسرائيل في الفترة من (84 – 1985م) بالعملية المسماة حركيا بعملية سبأ مما اعتبره المنفعلون بالهم القومي العربي خيانة للقضية الفلسطينية.

تحول

بدأ نظام مايو يتجه للخيار الإسلامي – في سنواته الأخيرة – حيث أعلن عن القيادة الرشيدة طالباً من قيادات الدولة ومسؤوليها أن يلتزموا بأدب السلوك الشخصي والبعد عن المنكرات وأقام مؤسسات التعليم الديني ومهرجانات القرآن الكريم وكلّف الحقوقيين النيّل عبدالقادر أبوقرون وعوض المجيد محمد أحمد وبدرية سليمان بصياغة قوانين الشريعة الإسلامية التي فاجأ بها حتى مستشاره د. حسن الترابي في سبتمبر 1983م كما كتب نميري كتابه ( النهج الإسلامي.. لماذا؟) معلنا عن توجهه الإسلامي الجديد.

أشار الأكاديمي و المحلل السياسي د.الطيب زين العابدين في حديثه لــ (الصيحة) إلى أبرز إخفاقات مايو مشيرا إلى أن أبرز اخفاقاتها تكمن في مصادرتها للحريات خاصة حق التعبير لمدة (16) عاماً مما تسبب في تعطيل التطور الديمقراطي وأدى ذلك إلى تعطيل نضوج الأحزاب مشيراً إلى أن هذا الإخفاق هو إخفاق مشترك في جميع الانظمة الدكتاتورية – أما الإخفاق الأكبر – في تقديري والحديث لزين العابدين – فرغم أن نميري أنجز اتفاقية أديس أبابا – والتي حققت سلاماً لمدة عشر سنوات –إلا أنه جاء وانقض على هذه الاتفاقية بأن جعل الجنوب ثلاثة أقاليم بدلاً عن إقليم واحد، وذلك بمعاونة بعض القيادات الجنوبية مثل جوزيف لاقو،على الرغم من أن الاتفاقية تقول إن أي تغيير دستوري لابد أن يحدث باستفتاء، ولكن النميري لم يجر استفتاء في الجنوب بل قرر ذلك باعتباره رئيساً للجمهورية وقد خرق بذلك الاتفاقية وأعطى بعمله ذلك حجة للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق لكي تبدأ حرباً جديدة خاصة وأن قرنق لم يكن راضياً عن اتفاقية السلام تلك منذ إبرامها وقد بدأت ثانية بصورة أعنف خلال الأعوام 1983 -2005 .

إعدامات عشوائية

انتقد د.الطيب زين العابدين الإعدامات العشوائية التي مارسها نميري ضد الشيوعيين ورأى فيها فعلاً غير عادل على الإطلاق مشيراً إلى أنه كان يعيد المحاكمات العسكرية عندما لا تحكم بغير الإعدام، فالشفيع أحد الشيخ مثلا لم يجد محاكمة عادلة على الرغم من أنه لم يكن مشتركا في الانقلاب ولا في أي من الخطوات التي أدت إليه. وكذلك عند إعدام القيادي الجنوبي جوزيف قرنق الذي لم يكن مصدقاً بأنه سيعدم عندما أخذوه من بيته عنوة مضيفاً بأن الرئيس نميري يتحمل مسؤولية تلك المحاكمات غير العادلة .

حكم بقوة السلاح

وعن كونه حكم فترة طويلة نسبياً من عمر السودان أرجع ذلك د. زين العابدين إلى أن الانقلابات العسكرية دائما ما تحكم بقوة الجيش والشرطة والأمن ولا توجد أحزاب قوية لمجابهتها وينطبق ذلك إلى كل الأنظمة العسكرية.
المصدر:جريدة الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.