تحوّلت ليلة “الحناء” إلى مأتم وعويل طلق ناري يُنهي حياة عريس عشية زواجه

نصبت “خيام” الفرح باكراً، تجمع الأهل والصحاب توافدت العمات والخالات قُبيل المغيب يحملن “صينية الجرتق” بكل زينتها والزغاريد تشق عنان السماء، صيحات الفرح والبشريات تطوق المكان وهتافات “العديل والزين” تنداح في الحوش الكبير، وبين فينة وأخري تُسمع من هناك “أبشر يا عريس” تتسابق من الصحاب والمهنئين.

أُضيئت أنوار الزينة لـ”حنة العريس” “نهشل الرشيد كرمنو” الأخيرة وقبلها كتب العريس نفسه على حائط حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” عبارات الفرح التي لم تنتظره “عريس إنشاء الله” ومن ثم تابع “بكل الود والفخر والإعتزاز أدعوكم إخوتي وأخواتي لمشاركتي إكمال نصف ديني.. المكان الرصيرص الحي الشرقي ـ المسيد الزمان 19 ـ 20 يناير 2017” ومن ثم ألحق منشوره بصورة من “كرت الدعوة” بطاقة حملت ذات التفاصيل رُصعت حروفها على خلفية “حمراء” كأنها أشارت لدمائه التي اختلطت بـ “الحناء” وتوشحت “سواداً” آخر خيم على كل البيوت، ما كان يتصور أن معازيم “الفرح” سيبكونه “حزناً” فاجعاً عشية زفافه.

في لمح بصر تحولت “الأفراح” إلى “أحزان” و”الزغاريد” إلى “عويل ونواح” والبياض إلى سواد وضاعت معالم كل شئ جميل وتسيد القبح المكان، “طلقة” طائشة من سلاح ناري أراد صاحبها أن يعبئ الفرح بـ “السلاح” ليحتفي به بطريقته كتعبير “أشتر” لا يجد ترحاباً من كل البيوت وفي لحظة سلبت “طلقة” أُريد بها الفرح كل “الفرح” وتحوَّل المشهد من احتفاء بالحياة إلى بكاء ونواح على “عريس” فارق الحياة ووري الثري مخضباً بحنائه ودمائه لم يهنأ بعروسه ونصبت ذات “الخيام” المُدججة بالزينة بعد أن تحول ظاهرها “الفرايحي” إلى باطنها كتعبير متعارف عليه في سُرادق العزاء.

الحادثة المفجعة لعريس بمدينة الرصيرص المكلومة كتب عنها بحزن عميق صديقه الطبيب لؤي المستشار على حائطه في “الفيسبوك” باكياً رفيقه: “غادر الدنيا يوم عرسه بدلاً من أن يدخل بيت الزوجية، دخل حفرة القبر مضرجاً بالدماء والحناء” فكتب العريس “نهشل الرشيد” على حسابه بفيسبوك: “أنا عريس إن شاء الله” ولم يكن يدري أن يوم عرسه هو يوم موته، فقد توفي برصاصة أحد الحضور الذي كان يود مشاركته فرحه فأصابته الطلقة النارية في مقتل ورحل عن هذه الدنيا بمدينة الروصيرص، في ولاية النيل الأزرق، وزاد بحروفه الأسيفة: “كتب إبن جامعتي – جامعة الجزيرة – نهشل الرشيد تقني المختبرات المجتهد “أنا عريس إن شاء الله” واستعد وتجهز ليوم فرحه، جاء الناس لبيته أفواجاً في يوم دعوته، وتناولوا طعام الغداء يوم 19 يناير ثم في المساء وعشية زواجه ابتهج الناس فرحاً ووضعت خالاته الحناء في يديه ورجليه، تبقى ساعات قلائل لتزف عروسه إليه، ولكن وفي مشهد متكرر ومؤسف – نرجو أن يتوقف- أصابته طلقة أحد الحضور الذي كان يود مشاركته فرحه فأصابته في مقتل ورحل عن هذه الفانية مضرجاً بالدماء والحناء”. رحم الله نهشل، وغفر الله له وعوضه عن شبابه الجنة، ونسأل الله أن يبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وأن يلقي الصبر على أسرته وزوجته “عفراء” التي أصيبت بالذهول إذ كانت تمني نفسها بلقاء طال انتظاره، وإنا لله وإنا إليه راجعون وتعازينا لأهل الروصيرص وآل كرمنو وزملائه ومحبيه”.

حوادث رصاص الفرح حوَّلت كثيراً من مناسبات الفرح إلى كره مفاجئ، بسبب الرصاص الطائش الذي أزهق أرواح “المعازيم” على حين فرحة غافلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.