طفل “الموت الرحيم”.. تفاصيل ما حدث

بلغت قصة طالب الموت الرحيم لطفله قمة الإثارة بعد أن اأخذت منحى آخر، وسط تعاطف من الجميع، وفجر الخميس الماضي طالع القراء وسط ذهولهم خبرا في إحدى الصحف مفاده “تقدم مواطن إلى مجمع الفقه الإسلامي بطلب فتوى تجيز له الموت الرحيم لابنه”، ليجد كل من طالعه الفاجعة في نفسه، ولم تمض سوى أيام قليلة حتى ظهرت المفاجأة التي لا يمكن تصديقها لولا أنها الحقيقة.
الخرطوم: حمد سليمان- سعيد يوسف
اللقاء الأول بين المتهم والضحية
تعددت الروايات حول الشخص الذي ادّعى أنه والد الطفل، يقال إن الجاني التقى بالضحية في مركز القمسيون الطبي ببحري، وقام بخدعيته؛ بحجة المساعدة بحكم معرفته بعض المنظمات، التي تقوم بدعم مثل هذه الحالة، ولتنفيذ الأمر طلب منه صورا لبعض المستندات، مع قرار القمسيون الطبي، الذي يحوي موافقته على العلاج خارج السودان؛ لإيجاد دعم لعلاج الطفل- بالفعل- دفع والد الطفل “زكريا” بكل المطلوبات التي حددها الجاني، ولم تمر سوى أيام قليلة، بعدها ذهب المتهم إلى مجمع الفقه الإسلامي يطلب فتوى حول الموت الرحيم، وادعى أن المريض طفله متعللا بعدم مقدرته على توفير مبلغ العملية- كما ورد في الخبر- ومن ثم توجه إلى الإعلام لينقل لهم حقيقة تقدمه بطلب فتوى إلى مجمع الفقه.
انتشار واسع
نزل الخبر كالصاعقة على الجميع، وتم تناقله على نطاق واسع، وبعفوية الشعب السوداني لتجد وسائل التواصل الاجتماعي حظها الأوسع لنشر الخبر، مرفق معه رقم الهاتف الخاص بالمتهم؛ لينهال الجميع عليه بالدعم، وتحويل الرصيد حسب إفادة المتهم السابقة لـ (التيار)، وتلقيه عددا كبيرا من الاتصالات، وبعد رواج هذا النبأ وجد والد الطفل نفسه يزج به في معركة لا يعد طرفا فيها؛ مما دعاه إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد هذا المتهم، الذي أصبح يستغل اسم ابنه لاستدرار العطف، وجني المال.
القبض على المتهم
ومع تسارع الأحداث تناقلت الأسافير خبرا مفادة “تمكن تيم المباحث المركزية الفيدرالية من القبض على المواطن المزيف صاحب فتوى الموت الرحيم لابنه؛ حيث أن المواطن انتحل شخصية والد الطفل زكريا بكري، وتحصل على الأوراق الخاصة بحالة الطفل، واستغلالها في جمع مبالغ مالية لصالحه، وقام بتوزيع كل المستندات على الجهات الخيرية والمؤسسات؛ لاستقطاب الدعم منذ فترة إلى أن وصل به الحد إلى أن يتقدم بفتوى إلى مجمع الفقه الإسلامي يطلب فتوى بالموت الرحيم لابنه؛ حيث قامت أسرة الطفل الحقيقية بفتح بلاغ بالرقم 210 بقسم شرطة حلة كوكو بشرق النيل في مواجهة المتهم، وتمكنت المباحث من القبض على الشخص المحتال باسم والد الطفل، والآن تباشر الأجهزة المختصة إكمال تحقيقاتها- هكذا ورد النبأ ليصل إلى الآلاف وسط سخط وتبرم وعدم تصديق للواقعة.

حقيقة تقدم والد الطفل بشكوى
خرجت باكراً؛ لاستجلاء الحقيقة، وقصدت قسم شرطة حلة كوكو- كما جاء في الخبر- بالفعل- تأكد لى حقيقة تدوين بلاغ من قبل والد الطفل يوم (الأحد) الماضي، دون العثور على تفاصيل البلاغ، ولكي يكون الأمر مقنعاً بالنسبة لي ذهبت إلى مدير القسم برتبة (عقيد)، وطلب مني التوجه إلى إدارة الشرطة بمحلية شرق النيل؛ لمقابلة مدير الشرطة بالمحلية، وما هي إلاّ دقائق حتى وجدت نفسي داخل المحلية، طلبت مكتب مدير الشرطة وفور وصولي التقيت أحد الضباط تقدمت له بطلبي لكنه رد بالقول: “نحن لا نستطيع إفادتك في الأمر، لكن كل ما عليك فعله الذهاب إلى رئاسة الشرطة العامة، وتقديم طلب، وانتظار الرد، ولم يكن أمامي سوى العودة دون الحصول على تفاصيل البلاغ.
تكوين لجنة خاصة لمعالجة الحالة
د. محمد كرم الله مدير الدوائر العلمية بجمع الفقه الإسلامي في إفادته عن موضوع الطلب الذي تقدم به شخص حول أمر الموت الرحيم قال: “حمدا لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وبعد أدلي بهذه الكلمات بصفتي الشخصية لكوني أحد المطلعين على الحادثة، ففي يوم الخميس 30 ربيع الأول 1438ه يوافقه 29 ديسمبر 2016م تقدّم شخص منتحلاً اسم زكريا بكري بطلب إفتاء بشأن الإنفاق على الابن للعلاج مع عدم قدرته على الوفاء بالالتزامات الأسرية الأخرى، حيث ادعى إصابة ابنه بثقب في القلب، وأنه يتناول جرعات يومية من الأكسجين تبلغ تكلفتها 1300 جنيه، موضحا أنه يكفل أسرة بها الأبناء والزوجة والأخوات والوالدة، وأن شقيقة ولده توفيت بذات المرض.. هذا ملخص الواقعة، وكان الشخص المدعي يحمل بعض صور وثائق تشخيص المرض، وبيان تكلفة علاجه بالخارج، مع شفاعات مكتوبة من بعض الأشخاص المشهورين، وكان سؤاله الذي تقدّم به.. هل عليه إثم إذا أوقف جرعات الأكسجين التي يحتاجها الطفل، وهو لا يقدر على الوفاء بقيمتها؟؛ فالرجل قد تقدّم باستفتاء، والمطلع على الواقعة يدرك أن الأمر يتطلب سعياً آخر، بجانب الفتوى، فلو كانت الفتوى مثلاً: يحرم عليك أن توقف الأكسجين عن ولدك، والحال أنّه لا يملك قيمة الأكسجين فماذا يصنع؟، والله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).. لا شك أن الأمر يتطلب جهداً بجانب بيان الحكم الشرعي خاصة في مجتمعات المسلمين التي أسست على التكافل والتراحم، تم استلام الاستفتاء، وتحويله إلى الدائرة المختصة، عندها بذل رئيس دائرة العلوم الطبيعية التطبيقية بمجمع الفقه الإسلامي برفيسور حسن أبو عائشة جهداً مشكوراً؛ إذ كون لجنة خاصة لمعالجة الحالة، حيث اجتمعت بالشخص المذكور، واستمعت إلى شكواه، وخلصت إلى كفالة الطفل في جميع مراحل علاجه، كانت هناك حاجة إلى ثلاثة أمور- فقط- لتتم معالجة الحالة، هي:
أولاً: مطابقة المستندات الخاصة بالشخص المدعي مع ما يحمله من تقارير طبية للطفل صاحب الحالة.
ثانياً: التأكد من وجود الطفل حياً ورؤيته.
ثالثاً: التأكد من إصابة الطفل بالمرض المذكور عن طريق الكشف الطبي المناسب.
وجميعها يمكن أن تكتمل في جزء من اليوم.
وعندما علم الشخص المدعي بإجراءات التأكد من الحالة المعروضة لاذ بالفرار، ولم يعد مرة أخرى.
انتقل شأنه إلى الإعلام المقروء، ووسائل التواصل، وانتشر خبره بصورة كبيرة، الأمر الذي حرّك كثيرا من الجهات لتبني حالة الطفل المذكور، وكنا نراقب ذلك، ثم تسبب انتشار الخبر في ظهور والد الطفل الحقيقي صاحب الحالة التي احتال بها الشخص الأول منتحلا اسمه، وبين كيفية حصول الشخص على صورة من الأوراق التي تخص طفله، التي استخدمها في أمر الاحتيال.
بعدها دوَّن والد الطفل بلاغاً، وبُذلت جهود مقدرة من الأجهزة المختصة حتى تم التوصل إلى الشخص المحتال.
عند انتهاء هذه الحادثة أود تدوين بعض الكلمات المهمة
1_ لا تزال مجتمعات المسلمين بخير، فالحادثة وجدت تجاوبا كبيرا من أهل البر والإحسان من داخل البلاد وخارجها.
2_ الحادثة تسببت في التعرف على حالة الطفل المصاب الذي ما زال يعاني من المرض.
3_ لا ينبغي أن تسبب هذه الحادثة وأمثالها في الكف عن إعانة المحتاجين بسبب الشكوك التي تخلفها، ما دامت الحاجة تصيب بني آدم، كما إنه لا ينبغي ترك التأكد من صحة ادعاء ذوي الحاجات، ومن يطلب الإعانة من الناس.
4_ نقل القضية من النطاق الخاص إلى النطاق العام، والترويج لها يحتاج إلى شيء من التأني والتروي، فلا ينبغي نشر كل خبر يصلنا ما لم نكن على بينة من مصداقيته.
5_ لا بد من وجود مرجعيَّات معروفة للمجموعات التي تعمل على إعانة المحتاجين خلال وسائل التواصل المختلفة، حتى لا يتذرع بها أهل الحيل والخديعة.
والحمد لله على ما قضى والشكر له على ما أعطى.
التيار


انضم لقناة الواتسب

انضم لقروب الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.