ايتها السودان الستينية

كيف تسلل اللصوص في سرقة استقلالك و عبثوا به بكرنفالات كاذبة. ؟؟؟

علي ترايو

● كيف هو مستقل حقا استقلالك المحتفل به ؟

● ما هو المبرر الأخلاقي و الحجة القانونية و السند السياسي الذي تتكئ عليها الحكومة في فعلها للاحتفال في وجه الوضع الذي يفوق فيه اعداد الاطفال المعدمون من الذين يفتقدون الي الحليب والمشردون و اليتامى اعداد الذين يتمتعون بالعيش الرغد و الهناء..

● ما هو المبرر الأخلاقي الاحتفال في وضع يذيد فيع عدد الوفيات عن عدد المواليد كما هو الحال في شرق السودان؟

● ما هو المبرر الأخلاقي للاحتفال لحالة يفوق فيه عدد النازحين و اللاجئين اعداد الذين يعيشون في أمن امان كما هو الحال في دار فور و جبال النوبة و النيل الازرق؟

● هل هناك من سبب واحد يبرر الاحتفال ام ان الأمر ليس احتفالا و انما احتيالا و بيع للهواء في بورصة الكذب ؟

● في ماذا و عن ماذا و لماذا الاحتفال بشيء لا وجود له علي ارض الواقع ؟؟؟

أليس من حق الفرنجة (الانجليز) ان يشكوا في قدرتنا علي إدارة شؤوننا بأنفسنا ؟

■ ضاعت الستون عاما من عمر انفكاك السودان من الإدارة الانجليزية و راحت تلك العقود الستة سدا و ذهبت هباء منثورا و تبعثرت معها أمال السودانيين العريضة و تتلاشت في عواصف رياح ’الهبباي’.. من المؤكد ان السودانيون لم يحسنوا استغلال تلك الفرصة و توظيفها لبناء قيادة رشيدة حكيمة وتحقيق الحرية و الرفاهية و الامن و الاستقرار. فالرياح جري بما لا تشتهي السفن وتحول الوضع الي دكتاتورية خانقة تلفها ثقافة الاستبداد و منتجعا تنبعث منها الفساد و الكذب والانتهازية و الكراهية و العنف و التفرقة و التمييز و المحاباة و الكسل. وضع حول السودان الي دولة متسولة و طاردة و عالة علي العالم لم تجلب لمواطنيها غير البؤس و الشقاء و المعاناة و الفقر و الجوع و الحروب و الأمراض و الفساد و الافساد و النزوح و اللجوء و التطرف و الكراهية و التهميش والعنصرية و الابادة الجماعية و الاستقطاب العرقي و الاثني و الجهوي و الموت الزقوم و الأفق المسدود و الأمل المفقود.

■ في ظل هذا الظرف الكئيب و البائس الذي تفوح منه رائحة البارود و تعمه مشاعر الحزن و الاسي تقيم حكومة الانقاذ الاسلاموي احتفالا لذكرى العقود الضائعة و هي تستقبل في ظاهرة غير طبيعية المهزومين بحفاوة و تتوجهم و كأنها بذلك تستطيع ان تحولهم الي ابطال و لكنها في حقيقة الامر تبيع الهواء الي اصحاب القوارب كما يقول المثل المنسوب الي سكان شواطئ البحر الابيض المتوسط. حالة من الكذب و النفاق و غش للذات و استهتار بالمشاعر.

■ هذا الوضع يثير أسئلة فوق اسئلة عن ماهية جدوى الاستقلال ان لم يتمكن السودانيون في توظيفه لإصلاح احوال الناس و ما مغزى الاحتفال به و هل ان كان الاستقلال نفسه مستقلا اصلا ام انها كلمة حق اريد بها باطل؟

■ أليس الاجدر بالسودانيين ان يكرسوا تفكيرهم في مراجعة الذات و تقييم التجربة في كيف انهم اضاعوا تلك العقود الستة من عمر الاستقلال سدا و سمحوا لبطانة سيئة تحتكر الفرصة و الفرص لنفسها و تحول حياة البلاد والعباد الي حالة من الجحيم تسودها القتل والبطش والتشريد والنزوح والجوع والتجويع والمرض والجهل والأمية وحرمان الأطفال من اللبن و الرغيف و التعليم و النوم الهاني؟

■ هل حكومة الانقاذ تحتفل بميلاد فأر تمخضه الجبل كما يقول المثل؟
احتفلت حكومة الانقاذ الاسلاموي بالعيد الواحد و الستين للاستقلال (و قد فعلت هذا العام في غير مواعيده لظروف صحية تمر بها هي ) و في هيبة كرتونية جرت اداء طقوسها في جو سياسي مكفهر و مزاج قومي معكر و حالة نفسية كئيبة تعوزها شهية المزاق و تنعدم القدرة علي الهضم او البلع. مظهر كاذب في حقيقتها و حالة من المآتم حيث تفوح منها رائحة البارود تزكم الانوف . بالفعل قد راحت كل تلك العقود سدا. حالة تفوق عدد اليتامى من الاطفال و الفاقد التربوي من الشباب عدد اقرانهم من الذين لهم فرصة الحصول علي اللبن و العسل و الرغيف و الدراسة و العلاج حيث الافق يزداد انسدادا و تزداد وتيرة بعثرة و تلاشي الامال في خضم رياح ’الهبباي’. حالة من تراجيديا مؤلمة يكابد فيها السودانيون ازالة الشعور بها من الذاكرة..حالة تنعدم فيها ادني المتطلبات الضرورية من الخدمات في التعليم والصحة و الماء النقي و الطعام و الكهرباء و الأمن و الطمأنينة و الاستقرار والرفاهية. وهي ضرورات تقاس بها جدوى الاستقلال و تبرر ضرورة الاحتفال به. ام ان الجبل قد تمخض و ولد فارا ؟؟؟

■ حفاوة الاستقبال و التتويج لن تنقل المهزوم الي خانة ابطال و لن يغير من قبح الصورة شيئا

و فيما ان الحال كذلك فما الذي يدفع بنا أن نحتفل بتتويج المهزومين من القادة المفلسين و كأنهم أبطال فاتحون و كأن الامر بهذه الطريقة تحول الي نصر مبين؟
هل اصبح السودانيون بهذه الدرجة من الغباوة و السذاجة ان يتم الاحتفال باسمهم علي انغام انجازات ستون عاما من الزمان و هي وهمية لا تتعدي تكلفتها ثمن مجري واحد من المجاري الصحية لمدينة باريس او طوكيو او نيويورك او موسكو ؟
– ام ان الامر درب من دروب السخرية و عبثا صبيانيا و ضحك علي الذقون ؟
الاحتفال في مثل هذه الظريف يا سادتي هي حالة من حالات تراجيديا سخيفة لا طعم و لا رائحة.

■ تراجيديا وطن في عمر ستيني تبحث عن هوية
– اي استقلال يقبله العقل السليم و المنطق المستقيم اذا كان رئيس دولتنا المستقلة يجرؤ و يعترف بأنه قتل عشرة الف من مواطنيه بلا ذنب ارتكبوه و طريدا من العدالة (الدولية منها و المحلية )؟ اي استقلال ينتج نظاما يبيح علي نفسه بقتل الملايين من مواطنيه و يحرك ضمير المستعمر ليعمل علي ملاحقة قادته لمواجهة العدالة ؟؟؟
هل يقبل عقلا ان نستمر في هذا التوهان و في هذه الاوهام حتى لا نستطيع في تحديد هويتنا و لم نعرف كان الكائن بغل او حمار او هجين اسمه بغمار ؟؟؟ و كيف نفسر بحثنا الدءوب عن الهوية بعد ستون عاما من الاستقلال و هو امر اقر به رئيس الدولة و حزبه الحاكم بالرغم من لولوته. أليس هذا إعلان صارخ عن فشل ذريع ؟؟؟

■ القيادة الرشيدة هي الحلقة المفقودة
الحقيقة المرة ان استقلالنا و بعقوده الستة لم ينجب قيادة رشيدة و لم تفرز قائدا حكيما و ظلت تصرفات حكامنا منذ حينها تعكس سلوك صبية اركان النقاش او طموحات تاجر قطاعي او ممارسات متطرف ديني او عنجهية عسكري مليشيوي. سلوك اشبه بالحالة التي يصفها اهلنا من السودان الوسط عندما يقولون ان فلانا كبر بجهله. اليس من حقنا (بل من واجبنا) ان نتساءل:
هل هذا هو الحال الذي ننشده و يستحق الإشادة به و الاحتفال له كما يفعل الانقاذيون ام أنه وضع يثير تساؤلات و استفهامات و ضحك و قرف و استهجان ؟

■ ملاحظة من صديق حريص جديرة بالتأمل
يبدو ان الرئيس السنغالي الاسبق البروفيسور ليوبولد سنغور كان يري ببصيرته العميقة ما لا يراه قادة هذا البلد من مصير تائه و تعيس حينما علق بقول ينطوي علي تحذير : الشاهد ان قادة السودان قد اختاروا بان تكونوا أسوأ العرب بدلا من ان يختاروا ا ان يكونوا أفارقة احرار. فالرجل بحكم دراسته و اطلاعه الواسع لتاريخ هذا البلد المسمي السودان و حضارته العريقة كان موفقا في تعليقه و قد صدق تنبؤاته عنها. حقا النار قد ولد الرماد و تمخض الجبل فارا.

– ختاما نقول دعنا نترك عبث و اللامسئولية الذين تلاعبوا بالاستقلال و ضيعونا و ضيعوا البلد وضيعوا انفسهم و نبحث عن قيادة رشيدة و قادرة و حكيمة و ليكن ديدننا مقولة الكاتب و الروائي و الشاعر الغاني ايو اما.

ان اجمل الأطفال لم يولدوا بعد. و حينما يولدون سوف يكون للاستقلال معني و الاحتفال به استحقاق وطني و واجب قومي حيث السلام و الامن و الرفاهة و الرخاء و الحرية و المساواة و والنت و السلوي لأطفال السودان و حينها يتحول كما قال شاعر الشعب الاستاذ محجوب شريف:
– مكان السجن مستشفي و مكان الطلقة عصفورة
– وطن للسلم اجنحته و ضد الحرب اسلحته…فتلك هي سودان الوطن الذي ننشده و هي التي تسع الجميع و هي التي تستحق الاحتفال.
سودان تربيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.