لماذا قد تتجه دول الخليج لإلغاء «نظام الكفيل»؟

يعتبر قرار إلغاء نظام الكفالة في دول الخليج بمثابة التحدي الأكبر الذي يحتاج إلى قرار جماعي من هذه الدول الخليجية، وذلك لكون المرحلة المقبلة هي مرحلة حساسة اقتصاديًا في تلك المنطقة، تتطلب إصلاحًا في سوق العمل الخليجي وتتطلب مواكبة لشروط منظمة العمل الدولية.

وينص نظام الكفالة على ضرورة أن «يكون لكل مواطن أجنبي يعمل في هذه الدول كفيل محلي سواء كان فردًا أو شركة، ويتعين على المواطن الأجنبي الحصول على إذن الكفيل لتغيير العمل أو مغادرة البلاد»، فيما يضمن إلغاء نظام الكفالة استطاعة العامل الذي يصفه المعترضون على هذا النظام بأنه يخضع لـ«عبودية»، أن يتنقل وأن يتعاقد مباشرة مع الشركات والأفراد دون الحاجة إلى كفيل.

الطريق نحو إلغاء الكفالة: البحرين في المقدمة والسعودية متأخرة

تبلغ العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي نحو 17 مليون فرد، وهو رقم غير دقيق بسبب إقامة البعض بشكل غير قانوني، ومن المتوقع أن يرتفع العدد الكلي إلى 23 مليونًا أو أكثر عند إضافة أفراد أسر هذه العمالة، وهو ما يعني تشكيلهم قرابة نصف السكان في دول مجلس التعاون الخليجي، كما تظهر الإحصائيات أن عموم الوافدين القادمين من مختلف الدول يمثلون ما لا يقل عن ثلثي مجموع القوى العاملة في المنظومة الخليجية وصولًا إلى 75٪ و85٪ في بعض الحالات.

وكانت البحرين الدولة الأولى التي تقرر إلغاء نظام الكفيل الخاص بالعمالة الوافدة وسمحت للعمال الأجانب بحرية الانتقال، في أغسطس (آب) من عام 2010، إلا أنها فعليًا أعلنت موعد بدء إلغاء نظام الكفيل في أبريل (نيسان) 2017، وتعتبر قطر الدولة الخليجية الأولى التي بدأت تطبيق إلغاء الكفالة قبل عام، إذ أصدر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني القانون رقم 21 لسنة 2015 الذي يلغي نظام الكفالة الحالي، ويضمن مرونة وحرية وحماية أكبر لأكثر من 2.1 مليون عامل وافد في قطر.

وفي الكويت، دعت «الجمعية الكويتية للمقومات الأساسية لحقوق الإنسان» مؤخرًا لإلغاء نظام الكفالة لأنه: «ينتهك حقوق العمال الأجانب، وإلى إنهاء التمييز ضد الوافدين في المراكز الاستشفائية«، ودعت الجمعية للتوقف عن طرد الأجانب من دون قرار قضائي، وكان وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الكويتي محمد العفاسي قد أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي أنه سيتم إلغاء نظام الكفيل في فبراير (شباط) المقبل، واعتبر الأمر بمثابة «هدية الكويت للوافدين في عيد التحرير».

أما الإمارات فقد بدأت حزمة من الإصلاحات لمنح الأجانب امتيازات عدة في تغيير جهة عملهم بما يضمن حقوقهم وحقوق أرباب العمل، وذلك في 29 سبتمبر (أيلول) 2015، وبينما تحدثت وسائل إعلام سعودية عن اتجاه المملكة نحو إلغاء نظام الكفالة، وقالت إن وزارة العمل بدأت فعليًا في خطوات تنفيذية نحو الاستغناء عن نظام الكفيل في السعودية، نفى وزير العمل السعودي عادل فقيه تلك الأنباء وقال إن الأمر «غير مطروح» في الوقت الحالي.

ويؤكد بعض المراقبين الحقوقيين أن نظام الكفالة بالخليج أشبه بـ«تجارة البشر»، وذلك لأن «نظام الكفالة يتيح للكفيل التحكم في حياة من يكفلهم، فيقرر أجورهم وأماكن عملهم وساعات العمل ومحلات السكن، ويستطيع أيضًا إبعاد أيٍ منهم عن البلاد من دون إبداء الأسباب».

وتقول الكاتبة في مجال حقوق الإنسان «بريانكا موتبارتي» إن: «الكفالة نظام سلطوي في سياق الهجرة. يسمح هذا النظام للحكومات بترك مسؤولية المهاجرين في أيدي المواطنين والشركات؛ إذ يعطي الكفلاء صلاحية قانونية للتحكم في مصير العامل؛ فدون إذن الكفيل، لا يستطيع العامل تجديد أوراقه، أو تغيير وظيفته، أو الاستقالة منها، أو ترك البلاد».

وتضيف: «حينما يرحل العامل عن وظيفته دون إذن الكفيل، يحق للكفيل إلغاء إقامته، ما يضع العامل في وضع غير قانوني داخل البلاد، وبعدما يقوم الكفيل بإلغاء الإقامة، لا يستطيع العامل الخروج من البلاد سوى عن طريق إجراءات ترحيل تعرضه تلقائيًا للحبس لمدة قد تصل إلى أسابيع أو أشهر أو سنوات«.

لماذا تتوجه دول الخليج نحو إلغاء الكفالة؟

يأتي قيام بعض دول الخليج ومنها قطر والبحرين بإلغاء نظام الكفالة لأسباب داخلية وخارجية، وفي استعراضه للأسباب الداخلية التي تدفع هذه الدول لإلغاء الكفالة، يقول ‏رئيس قسم الاقتصاد‏ لدى العربي الجديد مصفي عبد السلام: «في الداخل تسعى هذه الدول لتحسين سجلها في موضوع حقوق الإنسان خاصة المتعلق بالعمالة الوافدة، وتحسين صورتها أمام العالم الخارجي، كما تسعى أيضًا لتحسين بيئة العمل ومناخ الأعمال بهدف جذب ثقة المستثمرين الأجانب الذين تراهن عليهم هذه الدول في ضخ استثمارات داخلها تعوضها ولو جزئيًا عن التراجعات الحادة في أسعار النفط المصدر الرئيسي لإيرادات دول الخليج».

أما فيما يتعلق بالأسباب الخارجية فهي مرتبطة باستضافة بعض دول الخليج أحداثًا هامة مثل كأس العالم 2022 في قطر، وبالتالي فإن قوانين العمل بهذه الدول لا بد وأن تتواكب مع معايير العمل المطبقة عالميًا ومع التشريعات الدولية التي تحمي حقوق العمال من الأعمال الشاقة وغيرها كما يقول عبد السلام، كما يأتي ذلك استجابة للدول الموردة للعمالة خاصة الدول الغربية الساعية لتحسين المزايا التي تحصل عليها هذه العمالة داخل الدول الخليجية الست، مضيفًا: «كما أن التطورات السياسة نفسها والانفتاح على العالم والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان ستفرض على دول الخليج منح العمالة مزيدًا من الامتيازات المالية والصحية والمعيشية«.

ويشير عبد السلام خلال حديثه لـ«ساسة بوست» إلى أهمية قيام دول خليجية عدة بإلغاء نظام الكفيل أو على الأقل السماح للعمالة الوافدة بحرية الحركة والانتقال من عمل لآخر معتبرًا أن الخطوة الأكبر والأهم تتمثل في ضرورة تطبيق السعودية لهذا القانون، كونها أكبر دولة خليجية استقطابًا للعمالة الخارجية، فلديها نحو عشرة ملايين عامل، مستدركًا: «رغم المقاومة الشديدة من قبل أطراف سعودية لتطبيق قانون إلغاء الكفالة إلا أنني أتوقع عدول حكومة المملكة عن تحفظاتها الحالية خاصة مع انفتاحها على الخارج ومحاولة استقطاب استثمارات خارجية«.

ضغوط المنظمات الدولية

لم تتوان المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان في اعتبار نظام الكفالة شكلًا من أشكال العبودية الحديثة، حتى إن صحيـفة «الأوبزيرفر» البريطانية نقلت دعوة لاتحاد النقابات الدولي بالأمم المتحدة، للتحقيق في أدلة تفيد بأن آلاف العمال المهاجرين في دولة الإمارات يعاملون كـ«العبيد«.

وقد طالب «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، السعودية مؤخرًا بضرورة تغيير نظام الكفالة الذي تتبعه في التعامل مع العامل الأجنبي، وجاء في بيان المركز: «إن نظام الكفيل المتبع في السعودية، وبشكل مشابه في بعض دول الخليج، يمنع أي أجنبي من العمل في السعودية إلا من خلال كفيل سعودي«.

وقال المركز أيضًا: «إن هذا النظام ما زال معمولًا به على الرغم من الدعوات المتكررة من المنظمات الحقوقية داخل السعودية وخارجها لإلغائه، والتصريحات الحكومية التي وعدت منذ أكثر من عامين بالعمل جديًا لتعديله، وهو ما لم يلمس له العاملون الأجانب في السعودية أثرًا حتى الآن«.
يقول الصحافي الاقتصادي أحمد طلب: «يعد نظام الكفيل في الخليج أحد أسوأ أنظمة إدارة سوق العمل في العالم، إلا أنه يوفر للدولة نظامًا غير مكلف سياسيًا أو إداريًا للتحكم في غالبية العمال الوافدين، لكنه أشبه بالعبودية المقننة، ولذلك دائمًا ما يواجه انتقادات كثيرة من الجميع».

وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجه الخليج يرى طلب أن هذا التوجه يأتي لإرضاء المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وذلك في الوقت الذي بدأ الخليج في العمل بسياسات مختلفة بشكل واضح في الآونة الأخيرة، فإقرار هذا القانون في الدوحة له دلالة لا يمكن إهمالها، جاء لتتفادى قطر عاصفة الانتقادات حول العمالة بمشروعات مونديال قطر المقبل، ولعل إقرار القانون سيحسن الصورة أمام دول العالم، وتابع القول لـ«ساسة بوست»: «التوجه نحو إلغاء الكفالة خطوة إيجابية على كل حال، وأتوقع أن تعمل دول أخرى في مجلس التعاون بقانون الدوحة قريبًا».

تخوف الحكومات من إلغاء الكفالة

تتخوف دول خليجية من أن يُحدِث إلغاء نظام الكفالة تداعيات خطيرة في سوق العمل الخليجي، وخسائر اقتصادية من جراء الانتقالات التي من المفترض أن تعالج قانونيًا بإلزام المكفول بتعـويض الكفيل عن نفقات الاستقدام.

كما تتخوف تلك الدول، المتأخرة في إلغاء هذا النظام، من حصول استقالات وإعادة توظيف لمجموعة كبيرة من العمال، وهناك تخوف مما يسمى بالعمالة السائبة، إذ تعتقد الحكومات أنه في حال أتيحت الحرية للعمال في التعاقد مع المواطنين بدون نقل كفالة ستجعلهم ينخرطون في وظائف بتعاقدات مباشرة بينهم غير منظمة.

ولكن تبدو هناك مزايا أيضًا لإلغاء نظام الكفالة تدركها تلك الدول، وحسب دراسة أمنية أعدها مركز الدراسات والبحوث في كلية الملك فهد الأمنية فإن ارتفاع أعداد العمالة الوافدة في دول الخليج «قد يؤدي إلى نزاعات داخل هذه الدول وبين سكانها، ويؤثر في الهوية الوطنية للمجتمعات ويفقدها قيمتها»، وأكّدت الدراسة على أهمية إلغاء نظام الكفيل أو التقليل منه، على اعتبار أنه: «سبب رئيس لكثافة هذه العمالة، وأن سوق العمل في دول مجلس التعاون يعتمد بشكل تام على العمالة الأجنبية وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة الأجانب إلى المواطنين«.

وقد بلغت نسبة الأجانب في دولة الكويت 67%، وفي الإمارات 76%، وفي قطر 74%، والبحرين 40%، والمملكة العربية السعودية 25%، وعُمان 23%، ويحذر تقرير أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا (الآسكوا) من أن: «تزايد تلك العمالة بات يؤثر سلبًا على كل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، إضافةً إلى ما تفقده تلك الدول من تحويلات، ما يشكل عبئًا على ميزان المدفوعات«.
ساسه بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.