من هو الطفل المتنمّر؟

سودافاكس :
من منّا لم يتعرّض للتنمّر في حياته، في جميع المراحل وجميع الأشكال، منذ الطفولة وبدء الاختلاط بالمجتمع والأطفال من حوله، وظهور الطفل الجبار الذي يبدو عليه تصرفات غريبة بعض الشيء، عدوانية بشكلٍ لا يتناسب مع طفولته،
ودخول المدارس والجامعات، والتعامل مع مفهوم العصابة وزعيمها الكبير، الذي يخترق جميع القوانين والعادات ويقوم بتهريب جميع الممنوعات، والتجارة بالمومسات، دون أيّ حساب، وليس بالضرورة أن يكون مدعومًا حكوميًا، بل في معظم الأحيان تكون السلطة التي يبرزها وهميةً ودعائمها القوة الجسدية والسلطة على مَن هم أضعف بنيةً وأقل مقاومة، وتكون الدولة عَلى علمٍ تامٍ بوحوش القاع في العالم السفلي، ولكنها بحاجة إليهم للترهيب والتخويف وإبقاء السلطة في الشارع بأيدي هؤلاء الضعفاء داخليًا، فقد يُمكن للحكومة السيطرة عليهم في أي لحظة تريد.

من هو المتنمر؟ (Bully) وكيفية نشوء هذه الظاهرة

هو من حادَ عن طريق الحياة الإنسانية الفطرية السليمة، نتيجة لعدة كوارث اجتماعية أو ربما عائلية أو حتى عرقية إقليمية نتيجة إرهاب مورسَ ضده في فترة من فترات حياته، ويمكن اعتبارها مرضًا نفسيًّا يعاني حامله من هواجس وحالات اضطراب عنيفة، دفعته بعيدًا جدًا عن ما هو عليه باعتباره إنسانًا، أو ما كان يجب أن يكون لو وجدَ في بيئةٍ مختلفةٍ.
فهو ابن البيئة الفقيرة المنبوذة، أو ابن إحدى الأقليات الطائفية في دولة قمعية يسودها نظام (الحزب الواحد والدين الواحد)، بإمكانك أن تجد هؤلاء بكثرة في تلك الأحياء الفقيرة وفي أي مجتمع يمتلك من المآسي أن يصبغ حياة الأفراد بتلك الميزة الهمجية العنيفة، وهنالك العديد من الأمثلة في مجتمعاتنا نستطيع من خلالها الوصول لنقطة التحول في حياة هؤلاء الأشخاص.

نشأة العنف

ولا نستطيع أن نتجاهل الخطأ الكبير الذي يقع على عاتق الدولة في مشاكل المجتمع ونشأة مفهوم العنف داخل الأسر والمدارس وجميع المؤسسات ودوائر الدولة، وليس بالضرورة أن يكون العنف جسديًا، فهناك أخطر منه بكثير وهو العنف النفسي، وخطورته تزداد إذا مورس على الطفل منذ نشأته وبدء تكوّن شخصيته وكيانه، فالعنف النفسي يُمارس تجاه الأهل من قبل الحكومات القمعية التي تعتمد سياسة تهميش الفرد نفسيًا وتجريده من حقوقه وأفكاره، وتحويله إلى جسدٍ بلا روحٍ أو كرامة، وأن يكون مستعدًا بشكل كبير إلى إهانته في الشارع أمام أطفاله وزوجته أو ربما أمام أصدقائه، أو ربما أمام الموظفين العاملين لديه أو طلابه، وهنا تكمن الفكرة الأكثر إيلامًا وخطورة، أن تهين الشخص أمام من أقل منه مرتبة، ومن يبدون لهذا الشخص بعض الاحترام والتقدير، فيتحوّل الشخص المُعنّف إلى فاعل العنف على من هم أدنى منه عمرًا ومرتبة، ليعيد شيئًا من مكانته النفسية بمثل العنف والسلطة التي مورست عليه من الذي يفوقه مرتبة، أي أصبحت الفطرة السليمة لدى الفرد هي إظهار الذل والخنوع تجاه القوي وتحويل غضب الذل والإهانة على الضعيف.

ضحايا المتنمر

يختار المتنمر ضحاياه بدقةٍ وعناية، فهو يبحث عن الفرد الذي سبقَ وأن أُهينَ آلاف المرات واعتاد الذلّ وإبداء الضعف والخوف أمام القوي، فالمتنمّر يحيا بخوف فرائسه ويزداد قوةً وسلطةً كلما أظهرت له الخوف والضعف، فهم يتجنبون أصحاب الشخصيات القوية ومن لديهم رغبة مقاومة المستبد حتى إن كان الأمر سيؤدي بهم إلى الضرب والإهانة ولكنهم يعشقون المقاومة، وغالبًا ما تقل رغبتهم بالتهجّم على هؤلاء الأشخاص فهم لا يريدون أن يثيروا الشبهات حول مكانتهم وقوتهم، والتشكيك بمكانتهم العظيمة بين هؤلاء الضعفاء، لأنهم ضعفاء أيضًا نفسيًا وعقليًا، وفي نشأتهم تعرّضوا للتنمر والضرب والإهانة، وعلى مدى هذه السنوات وموت آلاف المشاعر والأفكار والفطرة الإنسانية في نفس الضحية، وبدءِ التحول إلى أبشع أشكال العنيفين وأخطرهم،فينشأ الجلاد الذي لا فرق لديه بين أيّ أحدٍ يقع تحت رحمة سوطه،
فالدماء والخوف هما فقط ما يشتهيه.
ساسة بوست

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.