النقد الذي نريد

الجمال مصدر ﻻ يفرغ للسعادة بالنسبة لمن يكتشف مكانه . إنه مخبأ في كل مكان كما يقول إلكسيس كاريل في كتابه “الإنسان ذلك المجهول “، وتذوق الجمال يكشف عن نفسه في ابتداع الجمال وتأمله معاً، والعمل والحياة الاجتماعية هما مصدر الإبداع الفني، وكذلك مصدر العملية المبكرة لتشكيل عواطف اﻹنسان واحتياجاته الجمالية. فوقت الفراغ والعمل هما اللذان استطاع بهما الإنسان، وعن طريقهما، إشباع نوازعه الخلاقة التي تنهض عليها أسس السعادة البشرية .
وهذه النوازع والدوافع جزء ﻻ يتجزأ عن الطبيعة البشرية، ويمكن إشباعها فقط عن طريق إنتاج الفن والمتعة به كما تقول هونور أوروندل في كتابها ” حرية الفن ” الذي ترجمه حسن الطاهر زروق. فالفن هو شكل محدد من أشكال الوعي الاجتماعي والنشاط الإنساني يعكس الواقع في صور فنية، ويعتبر واحداً من أهم وسائل الفهم والتصور الجمالي للعالم. ولهذا ارتبط الفن بالإنسان منذ نشأته. وقد كان القصد اﻷول المتعة. فالمتعة هي الهدف اﻷول واﻷسمى للفنون .
ولكن هذه المتعة ﻻ تتم إﻻ عبر الإنتاج الجمالي لتجليات هذا الواقع الاجتماعية. ولهذا فالجماعة تستعين بالمسرح كلما أرادت تأكيد وجودها أو القيام بعمل حاسم يتعلق عليه مصيرها. فالعلاقة بين المسرح والمجتمع علاقة أزلية. وإشعال اﻷضواء وظهور الممثلين وبدء التمثيل، كله ابتكار نشأ عن إرادة كاتب مسرحي يحيي بالكلام مواقف وشخصيات تتحكم حقيقتها المرئية في التعبير عنها. ولهذا يظل البحث عن الصلات العميقة بين الإبداع الدرامي اﻷصيل وبين الحياة الاجتماعية له جاذبيته. ومن هنا يكون الجمع والربط بين استيعاب النصوص المسرحية وفهم أصولها الفكرية والاجتماعية ضرورة، باعتبار الكاتب المسرحي صنع وصانع عصره .
إن معالجة تطور الفن باعتباره عملية داخلية كلياً دون الرجوع إلى تكوين المجتمع الذي جاءت منه يغفل جوانب كثيرة مهمة تساعد في الفهم العميق للعلاقة الجدلية بين المجتمع والكاتب وما يكتبه. فمسرحيات الراحل حمدنا الله عبد القادر مثلاً لم تنجح من فراغ. لقد تغلغلت في البنية الاجتماعية والفكرية للمجتمع فكتب لها النجاح. ومسرحيات الراحل بدر الدين هاشم التي تفننت في نبش الهوية السودانية في شقها العرقي لم تنجح من فراغ. ومسرحيات محمد خوجلي مصطفى لم تنجح من فراغ، وكذا مسرحيات هاشم صديق .
نحن بحاجة إلى نقد يستهدف تفكيك هذه اﻷعمال وتفتيتها وإعادتها إلى رحم الوقائع التي أفرزتها من داخل بنية المجتمع لنمهد الطريق للآتين من بعدنا .
إن عدم التواصل، هو القاتل الصامت للفنون .
عز الدين هلالي

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.