الحوار.. هل مقصده إيجاد مخرج للأزمة أم لتوزيع المناصب ؟

عندما ظهرت فكرة الحوار على سطح المسرح السياسي المحتقن استجابت لها معظم الأحزاب المعروفة وجلس رؤساء هذه الأحزاب في مقدمة الصفوف يستمعون إلى خطاب رئيس المؤتمر الوطني الذي عُرف بخطاب الوثبة، حيث طرح فيه مسارات الحوار ومستحقاته وصولاً إلى مخرجاته التي تعهد رئيس المؤتمر بتنفيذها. ومنذ البداية لم يلتزم المؤتمر الوطني بمستحقات الحوار التي طرحتها بعض الأحزاب كتهيئة الأجواء، وبناء الثقة المتمثلة قي إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والتوصل إلى اتفاق مع المعارضين في الخارج، لأن الوصول إلى اتفاق مع هذا القسم المهم من المعارضة يعني وقف الحرب وبالتالي يسهّل ذلك عملية الحوار، ليس ذلك فحسب، بل يعد ذلك إنجازاً فارقاً يمثل 90 % من أهداف الحوار ويختصر الزمن لما تبقى من أجندة لعملية الحوا ر . المؤتمر الوطني الذي يريد أن يكون الكاسب الأكبر من الحوار، ورغم تأكيده على أهمية الحوار في الانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة، كان يتعامل تكتيكياً لتحقيق أهداف تختلف عن التي في أذهان الآخرين، فقد عُرف المؤتمر الوطني بإجادته للتموية والمراوغة والإلتفاف، ومثل مافعل من قبل عندما كوّن ما عُرف وقتها بأحزاب التوالي، ليوهم المراقبين في الداخل والخارج بأنه لا ينفرد بالحكم، وقتها استجابت له بعض الأحزاب المنشقة من أحزابها الأم لتحظى ببعض المناصب في المركز والولايات، ولكنها لم تكن مؤثرة في مسار الأحداث اليومية، فهي ملزمة بتنفيذ برنامج المؤتمر الوطني ولا تستطيع القيام بأي عمل خارج هذا الإطار ما لم يكن المؤتمر الوطني موافقاً عليه، وأكتفت بالحصة من المناصب التي منحها لها، مطأطأة الرأس، وهذه الأحزاب كانت تعلم تمام العلم أنها لن تقدم شيئاً لمنسوبيها ولمناطقها أو لمجمل القضايا التي تشغل بال المواطن، لكنها كانت تبحث لها عن موطئ قدم في بساط السلطة. والآن يتكرر نفس المشهد فقد حشد المؤتمر الوطني في الحوار أشخاص غير معروفين في ساحة العمل السياسي العام وسجل لكل منهم حزباً لغرض المشاركة في الحوار، فالأمر بالنسبة لهؤلاء السماسرة (بيزنس) وكل ما هو مطلوب من هذه التنظيمات التي سمح لها بالمشاركة في الحوار أن تقدم كشفاً بأسماء عدد من الأشخاص على أنهم أعضاء الحزب، أحزاب ليس لها برنامج أو فكر وليست لها خبرة أو تاريخ معروف، وليس لها دساتير أو لوائح تنظيمية تحكم نشاطها ولا توجد لها دور لأنها لا تسطيع دفع الإيجار(أكثر من تسعين حزباً) وما هي المبادئ التي قامت عليها؟ والحقيقة هي أحزاب إذا جازت التسمية يمكن أن نطلق عليها أحزاب الرجل الواحد، رئيس الحزب هو كل شيء، هو الذي يقرر وهو الذي ينفذ ولا توجد لكثير منها هياكل تنظيمية، فالمؤتمر الوطني في سبيل أن يقول إنه أشرك كل القوى السياسية حشد أكبر عدد من أحزاب الترويسة الورقية هذه وغض الطرف عن شروط التسجيل، وعندما تستعرض أسماء هذه الكيانات ترى العجب، والسؤال الأهم ما هي المعايير التي تم قبولها على أساسها؟ أليس من المفترض أن يكون هناك شروط يتم على أساسها القبول للمشاركة في الحوار؟ كأن تكون هناك فترة زمنية تقدر مثلاً بعام أو خمسة أعوام مثلاً في العمل السياسي؟ أو أن يشترط أن يكون الحزب المشارك عقد مؤتمره العام، وغيرها من الشروط التي يقصد منها تنظيم العملية وضبطها. سأل أحد الصحفيين أحد رؤساء هذه الأحزاب عن عضوية حزبه فأكتفى بالقول إن له قاعدة عريضة!! وكرر الصحفي السؤال ثلاث مرات فاستعصم رئيس الحزب بنفس الإجابة، وفي تعريف نفسه قال إنه رئيس الحزب الذي أنجز انقلاب (….) ! تخيلوا حزب كل تاريخه أنه أنجز انقلاباً، لم يقل أن حزبه كان له أعضاء في البرلمان، أو أنه خاض الانتخابات أو شيء من هذا القبيل . كيف لأحزاب مثل هذا أن تدعي بأنها تمثل الشعب وتتحدث نيابة عنه ؟ والمحزن أكثر أن أحزاب من التي تصنف ضمن الأحزاب التاريخية تردد القول إن مخرجات الحوار تمت بالتراضي بين غالبية أهل السودان! الأحزاب الورقية التي احتشدت بها قائمة الأحزاب المشاركة في الحوار، ومعها الأحزاب في اللجنة ( 7 + 7 ) التي تعتبر الناطق باسم مكونات الحوار لا تمثل ربع أهل السودان ناهيك عن الغالبية التي قالت بها أمينة المرأة في المؤتمر الشعبي في اللقاء الصحفي بصحيفة المجهر (10 /1 / 2017). ومما يدعو للأسف الشديد أن يتحول هدف الحوار من القضية الأساسية وهي إيجاد مخرج للبلاد من الأزمة السياسية وبقية الأزمات التي تهدد بقاء الوطن متماسكاً ومن ثم معالجة الأزمات الأخرى من اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها إلى توزيع مناصب، ولا يهم الوصول لمخرج لأزمة البلد، فهل المشاركة في الحكومة تحل الأزمة؟ ولماذا تكون المشاركة في الحوار مربوطة بمكافأة توزيع المناصب؟ ولماذا لا يرتفع كل المشاركين إلى مستوى الحدث ويتعاهدون على أن تكون مهمتهم جميعاً التوصل إلى توصيات تسلم لرئيس الجمهورية ثم ينصرفون إلى شؤونهم على أن يوكل للجنة المعنية بمتابعة تنفيذ التوصيات بعد استكمال مطلوبات الحوار التي لم تستكمل وهي (الاتفاق مع المعارضة التي لم تشارك وإطلاق سراح المعتقلين) .

اختصار هدف المشاركة على الفوز بالمناصب هو ما فتح شهية المتطلعين للمناصب لتكوين هذه الأحزاب للحصول على نصيب من كيكة السلطة، وياله من أمر مخزٍ. يا أحزاب الحوار تجردوا من أحلامكم الصغيرة، القضية أكبر من حفنة المناصب التي تسعون إليها، فليكن همكم أولاً وأخيراً خدمة هذا الوطن بلا مقابل ثم ابحثوا عن السلطة بالطرق الصحيحة (صندوق الانتخابات).
التيار

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.