“على شفا الانهيار” غاب وزير المالية ومحافظ المركزي عن “التنوير” فغاب الرأي الرسمي حول تدهور الجنيه السوداني.. رغم دفوعات أدلى بها المتحدثون إلا أن ثمة حقيقة واضحة وضوح الشمس

الخرطوم- نازك شمام
الدعوة التي قدمها مركز التنوير المعرفي لجموع الاقتصاديين والإعلاميين بدت جاذبة؛ فموضوع المنتدى هو حديث الساعة، والمتحدثان الرئيسيان هما بطلا الرأي العام دون منازع، لذا عندما غابا أصيب الإعلام بحسرة رغم أن ذلك كان متوقعا فمن الصعوبة أن يحضر وزير المالية والاقتصاد ومحافظ بنك السودان إلى فعالية بعنوان (الجنية السوداني إلى أين؟) في ظل ارتفاع أسعار الصرف وملامسة الدولار حاجز الستة عشر جنيها في فترة وجيزة ولم يفق الإعلاميون الذين تداعو إلى منتدى الأمس بالمركز من الإحباط إلا بعد أن ضخ اللواء الركن الطيب إبراهيم محمد خير شحنة تفاؤل من خلال مسادير شعرية وتحايا عسكرية لرفيقه وعضو مجلس ثورة الإنقاذ الوطني العميد صلاح كرار.
نحو الأسوأ
خبراء اقتصاديون تداعو لحضور المنتدى القاعة اكتظت بالحضور الكل يريد معرفة كيفية الخروج من نفق الأزمة ومؤشراتها التي أصبحت باينة للعيان والمعدلات التي تتغير كل يوم نحو الأسوأ رغم التصريحات الإيجابية التي يدلو بها أصحأب الشأن حول التحسن الذي طرأ على الوضع الاقتصادي والتبريرات التي تبدو في بعض الأحيان مضحكة حول الأسباب التي تقف وراء ارتفاع سعر الصرف وعدم التفات الأسواق الموازية لهذه التصريحات وتصاعد الأسعار كل هذه المظاهر تكشف أن الاقتصاد السوداني يسير في دروب تائهة دون أن يجد من يرشده إلى الطريق الصحيح.
النفق المظلم
غياب وزير المالية ومحافظ البنك المركزي عن المنتدى أدى إلى غياب الرأي الرسمي حول تدهور الجنيه السوداني ورغم الدفوعات التي أدلى بها المتحدثون إلا أن ثمة حقيقة واضحة وضوح الشمس بأن الأمر يسير إلى حافة الانهيار كما قال الخبير الاقتصادي د. عبدالله الرمادي ورغم احتشاد المنتدى بخبراء اقتصاديين من الوزن الثقيل ومن أولئك الذين كانوا يتقلدون مناصب تنفيذية في زمن مضى ثمة ملاحظة كانت جديرة بالاهتمام بأن هنالك اختلافا في آراء الاقتصاديين والوزراء السابقين في تقييم بعض القرارات الاقتصادية لبعضهم البعض علاوة على تحميل النخبة السياسية مسؤولية ما يحدث اليوم من أزمة اقتصادية بسبب عدم إدراكهم وتحوطهم للوضع الاقتصادي وعدم اتخاذهم لقرارات قبل انفصال الجنوب كان من الممكن أن تجنب البلاد الوقوع في هذا النفق المظلم.
تبريرات
اللواء طبيب الطيب إبراهيم محمد خير حاول دفع تبريرات للوضع الاقتصادي القائم تقوم على تمكن الحصار الاقتصادي والممتد منذ عام سن الشريعة الإسلامية في عهد الرئيس السابق جعفر نميري في العام 1984 إلى الآن وتحميلها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي بالرغم من الإمكانات الكبيرة التي يمتلكها السودان وثرواته الطبيعية بجانب إلقاء اللوم على شريحة الاقتصاديين بعدم إيضاح الرؤية للإدارة السياسية والتنفيذية قبل الانفصال باعتماد الموازنة العامة للدولة بنسبة 90% على النفط ووفقا لرؤيته فإن الاقتصاد شهد تحسنا في منتصف التسعينيات خاصة عندما جلس على كرسي وزارة المالية المرحوم د. عبدالوهاب عثمان والمعروف بإجراءاته الجرئية في الاقتصاد.
أهداف في مرمى الخماسي
ورغم غيابه عن المنتدى إلا أن الخبير الاقتصادي د. الكندي يوسف دفع بورقته التي تحدثت عن البرنامج الخماسي وعدم تحقيقه لرؤيته بالرغم من انقضاء ثلث المدة والشاهد على ذلك تدني الإنتاج وتوقف المصانع ومحدودية الأجور التي لا تكفي سوى 10% من التكلفة المعيشية، ويشير يوسف إلى أن معظم الفرضيات التي قام عليها البرنامج الخماسي لم تحقق الغرض منها ويتمثل ذلك في انتشار الفقر رغم بند الإجراءات الاجتماعية التي تستهدف محدودي الدخل وتراجع معدلات النمو ومعالجة العجز المتنامي، وعدم تحقيق أولويات الإنفاق العام.
ضبط الإنفاق
د. حسن أحمد طه الذي تقلد منصب وزير الدولة بوزارة المالية وكان رئيسا للقطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني شن هجوما كاسحا على الدولة وعدم ضبطها للإنفاق العام وأقر بأن الدولة في أزمة ولكن لا تريد أن تعترف بها وهو أمر يتطلب أن تعمل على وضع معالجات صعبة وصحيحة و انتقد الرؤية التي دفع بها وزير المالية الأسبق عبدالرحيم حمدي والداعية لضخ السيولة في الاقتصاد والتوسع النقدي وعدم فرض ضرائب على المواطنين وهو أمر رفضه طه وقال إن ذلك سيعمل على رفع معدلات التضخم، وشدد على أهمية ضبط الإنفاق العام، وقال: نحن نتصرف كدولة كأننا في الوضع الطبيعي و انتقد أن تقوم الدولة برفع الدعم وفرض ضرائب على المواطنين دون أن تراجع الإنفاق العام و أن تعيد ترتيب الأولويات.
دعوة للإصلاح الضريبي
ويكشف طه عن وجود دراسة دفع بها اقتصاديون في العام 2008 تقضي بالمحافظة على احتياطي النقد الأجنبي قبل الانفصال والمقدر آنذاك بـ 8 مليارات وعدم صرفه لمجابهة الانفصال، و أكد على أنه عند حدوث الانفصال كان حساب النقد الأجنبي ببنك السودان مكشوفا وليس لدينا أي احتياطي، وقال إن وزير المالية الأسبق عبدالوهاب عثمان وجه بصرف أموال البترول قبل الانفصال في القطاعات الإنتاجية إلا أن مقترحه رفض من قبل الجهاز السياسي بدعوى أن الناس صبرت طويلا، وأشار إلى أن السياسة التي اعتمدتها الدولة أدت إلى التوسع في الاستهلاك، مشيرا إلى أن تكلفة الاستيراد بلغت 12 مليار دولار، ودعا إلى إجراء إصلاحات ضريبية، ونوه إلى أن عدد المسجلين في الرقم الضريبي بلغ 142 ألف شخص من جملة 40 مليون مواطن مما يجعل السودان من أضعف الدول في التحصيل الضريبي.
الحصار أصبح ضاغطا
وعن أسعار الصرف، أكد طه أن جزءا كبيرا من الطلب على الدولار طلب حكومي، مطالبا بإعادة مراجعة أسعار الصرف وإعادة الأسعار الحقيقية للمواد البترولية، واضاف أن الحصار أصبح ضاغطا على السودان في الفترة الأخيرة لجهة صدور أربعة قوانين بأمريكا تمنع التعامل مع السودان علاوة على العقوبات التي فرضت على البنوك التي تجاوزت الحصار بفرض غرامات وصلت إلى 18.2 مليار دولار مما جعل المقاطعة مقاطعة دولية بدلا عن مقاطعة فردية.
“وقفة قوية”
من جهته يؤكد العميد صلاح كرار احتياج الوضع الاقتصادي إلى وقفة قوية وأعاب أن يكون رئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني ليس عضوا في المكتب القيادي، متسائلا عن كيفية الطريقة التي يمكن أن تصل بها القرارات الاقتصادية إلى المكتب القيادي وأكد على أن السودان لم يستفد من طفرة البترول رغم أن الاقتصاديين قدموا دراسات بهذا الصدد إلا أنه تم رفضها من قبل السياسيين، وقال إن الاقتصاد يحتاج إلى فترة انتقالية لمعالجة التشوهات التي يعاني منها وحتى يتمكن من السير في الاتجاه الصحيح مع مراعاة ضبط الصرف الحكومي، داعيا لأن تكون الحكومة قدوة للشعب في مسألة الصرف.
النخبة متهمة
فيما وصف الخبير الاقتصادي د. عبدالله الرمادي الوضع الحالي بأنه على شفا الانهيار الاقتصادي واتهم النخبة السياسية بالمساهمة في التدهور الاقتصادي خلال ستين عاما منذ الاستقلال، وقال: نحن مفروض ندير اقتصادنا على أساس أنه اقتصاد حرب ولكننا أبعد ما نكون عن ذلك، ونوه إلى أن 70% من استهلاك البنزين لجهات حكومية مما يدل على عدم ضبط الإنقاق العام، وشكا من تعدد الولايات والمحليات وقال: الاقتصاد السوداني لا يصرف على دولة واحدة بل هي 20 دولة تسمى بالولايات

اليوم التالي

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.