الحمد لله على نعمة العقل، فمن الجهل ما قتل ! (للفيسبوكيين فقط)

ينتابني الجنون عندما أتفاجأ بأن هنالك أشخاصا يعيشون بيننا، يملكون عقولا تشبه عقولنا وعيونا وأفئدة ويستطيعون الكلام والإنصات، بل واجتازوا العديد من المراحل التعليمية وكبروا وترعرعوا في زمن التكنولوجيا الحديثة. يملكون هواتف ذكية وحواسيب وخطوط اشتراك بالإنترنت، ويتقنون تصفح المواقع بشتى أنواعها وتوجهاتها المختلفة، وما زالوا ونحن على أبواب سنة جديدة من القرن الواحد والعشرين يصدقون تفاهات لربما ما كان ليصدقها طفل من الجاهلية الأولى، فتارة تجدهم يكتبون رقم ستة أو اثنين وينتظرون أن تطير السلحفاة من الصورة، أو يضغطون على زر “أعجبني” لتصلهم رسالة من صاحبة الصفحة.

وأحيانا بل كثيرا ما تتوصل من بعضهم بدعاء صحيح أو باطل، يجعلونك تقسم بأن تقرأه وترسله إلى عشرة أشخاص، حتى لا ينفذ البنزين من خزان سيارتك، ولا ينمو الشيب في شعر جارتك العجوز، لأن أحدهم تجاهل الرسالة فتحول إلى ضفدع أحمر، ويضعون على صفحاتهم صورا لتمساح يشاهد التلفاز، أو أفعى تتناول شوربة العدس بالشوكة والسكين، ويطالبونك بالإعجاب بالصورة والتسبيح والتهليل، وأشباههم يفعلون وتدمع عيونهم تأثرا وإعجابا.

لكن، أتعرفون متى تزداد دهشتي وأكاد أفقد صوابي، أنه عندما أجد أن نصف العرب ضغط على زر “أعجبني” وثلثهم كتب الرقم ستة، وثلاثة أرباعهم سبح وهلّل، بل والكثير منهم يرغبون بالحصول على تعبئة مجانية، ويحاولون تغيير لون الفيسبوك، ومعرفة من يزور صفحاتهم.

يا معشر البشر، هل فعلا تصدقون كل ما سبق؟ وهل فعلا تؤمنون بأن هنالك دعاء يكفي أن نقرأه مرة واحدة في العمر فننجو من النار وندخل الجنة بدون حساب وننهل من نهر مستفيض لا نهاية له من الحسنات دون الحاجة للعمل من أجل استحقاق ذلك ؟

التفكير في حيثيات هذا الموضوع المتشعب، قد يدخلنا في متاهة لا منتهية، وحلقة مفرغة، سيكون من الصعب فك ألغازها. فهل يجب أن نتكلم عن المستويات المتدنية للتعليم في بلداننا العربية؟ أم عن الأمية بأنواعها الأبجدية والثقافية والعلمية والمعرفية و.. و..، أم يا ترى عن افتقار القدرات الاستيعابية والنقاشية والإدراكية والتحليلية والتمييزية بين المنطقي والخارج عن نطاق العقل، إذ إن الغوص في هذا البحر سيصطاد مجموعة من الأميين البسطاء، الذين سنجد أن جهلهم هو من المُسَلَّمات، وهذا لا يدخل في نطاق المشكل المطروح، فالخطير في الموضوع أن من يتصرفون بهذا المستوى المخيف من الجهل، ما هم إلا فئة من نخبة المجتمع المتعلم وهذا ما يضعنا في عمق هذه الإشكالية.

بعد كل هذا نجد أنفسنا مضطرين للغوص أكثر والبحث في نطاقات بعيدة كل البعد عن ميادين التعليم والتلقي والاستيعاب، متسائلين بصوت مرتفع؛ باحثين عن إجابات شافية في قرارة أنفسنا، عما يشفي غليلنا، ويطفئ نارنا.

هل هو البعد عن الدين؟ أم التوقف عن تحديث معلوماتنا السابقة، ظنا منا أن للتعلم نهاية؟ أم التعالي أو الخجل عن طلب العون والبحث عن المعرفة؟ أم تلك الثقة الزائدة بالنفس التي تعطل كل المستقبلات الإدراكية؟

أظن أن الإجابات تختلف حسب الشخص، فلكل منا سمة مختلفة تميزه، وقدرات عظيمة لا يستهان بها، فلا يمكننا أن نبحث عن الخلل إلا في مرايا أنفسنا، ولو أن كل ذي عقل منا يحاول أن يلجأ إلى شخصه في مراجعة حميمة يخرج فيها من قوقعته، ويحاسب كغريب تصرفاته، لكنا وجدنا الحلول، وطَهَّرْنا النفوس والألباب، ولكُنَّا انشغلنا عن الخرافات التافهة بسمُوٍّ وتعالٍ محمودٍ، بأشياء أهم وأسمى ستقوي من قدراتنا وتساعدنا على التقدم والتطور، حتى نُكَوِّن تلك الأمة العربية الأبية العزيزة كما يجب أن تكون.

سيظل ندائي فقيرا وعقيما، ما دام لم يلق تجاوبا وترحيبا، وسيكون غنيا وخصبا كلما وجد آذانا صاغية وعقولا نيرة متفهمة. فلا يجب أن نسمح للغرباء أن يسخروا من بلادتنا المكتسبة، بل يجب أن نخيفهم بذكائنا الفطري.

قد تحدث نفسك بثقة قائلا بأنك لست المقصود بكل هذا الحديث الطويل، ولكن ما الضرر في أن تراجع نفسك رغم ذلك فلكل منا أخطاؤه، وما أدراك فقد تكتشف ما ووري عنك فيما مضى، فأحيانا نجد أشياء كنّا قد فقدناها منذ زمن، في أثناء بحثنا عن أشياء أخرى، فحاول رغم كل شيء فلا ضير من المحاولة.

وختاما، أعود لأؤكد لكم بأن السلحفاة لن تطير، فهناك من انتظرها لساعات ولكنها لم تفعل.

شادية بوطويل
حوفو بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.