عبقرى مغمور.. لو قدر لمعاوية عبد العزيز أن يدرس مرحلة الأساس بالخرطوم لكان الآن في وضع يختلف كليا عن ما يعيشه اليوم

لم تكن النتائج الأكاديمية التي أحرزها خلال مسرته التعليمية تقل عن مصاعب الحياة و(مشاكلها) التي واجهته، فكلاهما كان عظيماً.. وبحجم معاناته كان تفوقه الذي كشف عن نبوغ مبكر لم يجد التوجيه والرعاية اللائقة به.. إذ اجتاز معاوية عبد العزيز ناصر متاريس العوائق التي اعترضته، وظل يحرز النجاح تلو النجاح، سلاحه عقله الوقاد وهمته الوثابة، إلى أن تخرج في جامعة الخرطوم بشهادة تفوق كذلك.
وبتقليب صفحات مسيرته الأكاديمية وتمعن جانب قليل من حياته، نجد أنه يتمتع بمقومات الموهبة الخلاقة في ضروب عدة جميعها تحتاج للتشجيع والمؤازرة، وهما سلاحان لا يمتلكهما معاوية للأسف!!

من الركام

عندما بلغ معاوية عبدالعزيز ناصر مرحلة الأساس كان مثله والعشرات من التلاميذ بمدارس ولاية النيل الأزرق المنهكة دائماً بفعل الحروب المتناسلة من بعضها البعض، جميعهم فقراء إلا قلة.. لا يعرفون الدروس الخصوصية ولا المدارس الخاصة.. درس كغيره في مدرسة حكومية، لكنه عندما جلس للامتحان في عام 2004م ضمن مئات الممتحنين تربع على رأس القائمة بلا شريك ولم يفصله عن المجموع الكامل سوى ثلاث درجات فقط.. هكذا كشف عن موهبة مبكرة لو أسلمنا أن التفوق في الأكاديميات يعد ذكاءً.. ولج معاوية عبدالعزيز المرحلة الثانوية وبيده وسام المركز(الأول)، في المرحلة الثانوية تفتحت مواهبه التي كانت كامنة في داخل عقله، فانطلق يكتب ويرسم حتى بلغ عدد لوحاته أربعة آلاف لوحة.

تنفيس مهم
لو قدر لمعاوية أن يدرس مرحلة الأساس بالخرطوم لكان الآن في وضع يختلف كليا عن ما يعيشه اليوم.. فالتلميذ الذي أحرز المركز الأول لم تلتفت له أجهزة الإعلام ولم يكرمه أحد، حينها كان سكان ولايته يتطلعون لنهاية الحرب ويراقبون عن كثب مجريات مفاوضات السلام المتعثرة بين الحركة الشعبية والحكومة، ولم تكن لديهم مساحة لنصب رايات الفرح لتلميذ اجتاز امتحان الأساس، فمات فرح النجاح قبل أن يلامس شغاف قلبه الذي هزه الحزن بحسب وصفه، فلجأ لتخفيف وطأة الألم بالرسم، وخلال فترة زمنية معدودة أنجز (4000) لوحة.. لا يصدق هو نفسه كيف أكمل رسم هذا العدد من اللوحات التي بجانب أنها جسدت حيوات مختلفة، إلا أنها كشفت له عن مكنون نفسه التي كانت تنازع آلاماً حياتية شتى.. لم يكن في مقدوره الفكاك منها بيسر، لكنه أراد وأدها بزج نفسه في متاهة الرسم الذي لم يكن يمتلك أدواته ولا الخبرة الكافية، وسلاحه الوحيد هو موهبته، وقدرته الفائقة على إنزال تخيلاته غير العقلانية على الورق رسماً وكتابة، مازج فيها بين النثر والشعر.

تحدٍّ ونجاح

هذا ليس عظم قصة معاوية عبدالعزيز، إنما هذا لحمها فقط، أما العظم يمثل في مواصلته للتفوق الأكاديمي، وهنا نتجاوز المصاعب التي وقفت له سداً منيعاً بنهاية المرحلة الثانوية وتخطاها بصبر أيوبي، فكان ضمن طلاب كلية العلوم قسم الأحياء الدقيقة التي تخرج فيها بتوقف (جيد جداً).. إلى هنا تبدو قصة معاوية عبدالعزيز في بعض جوانبها عادية، إلا إذا تم جمع أطرافها منذ البداية وحتى يوم أمس.. وبتمعنها بحياد لا شك أنها تحمل بين طياتها بذرة الموهبة، فالتلميذ الذي خاض معركة الحياة وحده منذ مرحلة الأساس وحتى تخرج في الجامعة.. تفوق في أحلك الأوقات وأسوأ الظروف، ولم تكن موهبته حصراً على الدروس الأكاديمية في المدارس أو الجامعة، بل أنجز مئات اللوحات الفنية، ويكفي أنها عمل فني دون الحاجة لتطبيق المعايير الأكاديمية عليها أو تقديمها لمسابقات.. لم تقف موهبته غير الموجهة حتى الآن عند الرسم، إنما تجاوزه لاتجاه آخر، وهو تطبيق نصوص من القرآن والحديث على بحث في علم الكون حدد من خلاله مسالك غاية في الدقة تتعلق بالقمر والسماوات السبع.. وكنتيجة طبيعية لواقع التفكير في السودان عرض معاوية عبدالعزيز بحثه على جهات عدة ومراكز علمية مختلفة لكنه لم يجد أذناً صاغية.

اليوم التالي

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.