عملت أجنحة وطارت السما الأسعار.. من يضبط الأسواق ؟!!

الحكومة أم التاجر أم المستهلك

الأسواق تمارس البيع حسب التوقيت اليومي وبأسعار مختلفة دون مساءلة

مواطنون: الحكومة المسؤول الأول والأخير عن ضبط السوق

طالب: أستغرب لارتفاع سعر طلب (الفول) إلى (25) جنيهاً ولا بد من… !!

موظفة: الشكوى لن توصلنا لنتيجة ولابد للحكومة أن تشتغل

تاجر: المستهلك السبب الأول لتفاوت الأسعار

تحقيق: إنتصار فضل الله

الخوف هو الذي يسيطر على النفوس في الوقت الراهن.. هذه العبارة أطلقها أحد المحللين بواحدة من القنوات المحلية أثناء حديثه عن الأزمة الاقتصادية وانفلات الأسعار الذي تشهده الأسواق.. فبالرغم من أن المفردة صغيرة في حجمها لكنها كبيرة في المعنى، فالخوف الذي كان يقصده هو استمرار الوضع كما هو عليه دون وجود رقابة لضبط الأسواق .. فيما يتساءل الجميع عن الجهة المنوط بها مراقبة وضبط الأسعار، ومن جانبها قامت (الصيحة) بالتقصي للغجابة على سؤال الراهن..

مزاجية التجار

بلا شك أن انفلات السوق أمر واقع.. وقد طالت الزيادات كل السلع دون فرز، وبحسب تأكيدات مراقبين أن التجار استغلوا حالة الذهول التي أصابت المواطنين نتيجة الزيادات الأخيرة، وأظهروا مهاراتهم في التلاعب بالأسعار بزيادات أكبر، حيث توجد أكثر من تسعيرة للسلعة الواحدة في المحلات التجارية كافة، وهذا هو الواضح من خلال التعامل اليومي في عملية البيع والشراء، واتضح من خلال جولتنا داخل (سوق الشقلة) وهو سوق ضخم ومركزي بمحلية أمدرمان أن التجار يقومون بوضع أسعار متفاوتة للمنتجات خاصة (الخضر ـ الفواكه ـ المواد التموينية ـ اللحوم) حسب التوقيت اليومي، ففي الفترة الصباحية تباع السلع بأسعار خيالية، والفترة النهارية وحتى السادسة مساء يختلف السعر ويخضع للتفاوض ما بين (البايع والمشتري)، أما الفترة ما بعد صلاة العشاء هنا يجد المستهلك راحته، فكيلو البطاطس الذي كان سعره (20) جنيه في الصباح يباع بـ(7) جنيهات فقط، ودستة البرتقال التي تباع بـ(55) جنيها، يصل سعرها الليلي لـ(30) جنيهاً وعلى ذلك قس.

فهم موحد

ويؤكد التجار الذين توجهت إليهم بسؤال حول هذه المفارقة، أن السلعة إذا مضى عليها يوم يمكن أن تتلف بسبب سوء التخزين لذلك يقومون بالتخلص منها بأي سعر، وأشاروا إلى عدم إمكانية الدولة لفرض رقابة على الأسواق وأن البيع بالطريقة السابقة موحد بين التجار في كل الأسواق، وأشار التاجر (حمدان أبوبكر) إلى دور المستهلك في الفوضى الحالية، لأنه يشتري بأي سعر، ولا يمتنع وهو من شجع زيادة الأسعار، وبين أن السلعة موجودة ومتوفرة وفي حال سعي الناس وراءها فإن أسعارها سترتفع أكثر وأكثر، وأكد على إمكانية المواطنين بفرض رقابة على الأسعار من خلال الامتناع، وقالت (محاسن سيد أحمد) التي التقيتها داخل مطاحن (اليسع) إن غياب الدور الرقابي بعد الزيادة التي أقرتها الحكومة مؤخراً هو الطامة الكبرى، لأنه ساهم في الانفلات الواقع الآن، وأبدت استغرابها لتحمل المواطن ضغط الأسعار مقابل عدم وجود موقف مشهود من الحكومة يحميه من الجشع المتزايد.

حلقة مفقودة

ومن أمام ملحمة (الشامي) للحوم يؤكد دكتور (الزين حمد) استشاري أمراض مخ وأعصاب أن الزيادات الراهنة تتحكم فيها أمزجة التجار كافة، وأردف أن الخوف من القادم أعظم، وشاركه الرأي المواطن (سليمان الزبير) الذي يقف أمام الملحمة، والذي أمن على مسألة أن الغلاء مزاجية أكثر من أنها قرارات حكومية، لافتاً أنه مع ارتفاع أسعار الخبز كل شيء زاد بما في ذلك الليمون الذي يزرع ويحصد في أقرب المناطق ولا ارتباط له بالدولار، ويؤكد أن هناك حلقة مفقودة في جانب الرقابة لا أحد يعلمها، فيما أبدى المواطن (أكرم) أبدى انزعاجه بسبب ارتفاع أسعار طلب الفول الذي بلغ (25) جنيهاً في كثير من المحلات، وقال الآن هناك دوشة أصابت الناس وحالة من الهلع، كما أن هناك مصانع استغلت الزيادة وقامت برفع أسعارها بدون مبررات.

وضع مظلم

ويقول التاجر (معاوية إبراهيم) صاحب محلات البدري للمنتجات الغذائية إن الانفلات الذي يشهده السوق سببه المواطن الذي بات يقبل شراء المنتجات والسلع بأي سعر دون أن يبدي اعتراضه على شيء وكأنه منوم مغنطيسياً، ويرى أن الرقابة تأتي من قبل المستهلك قبل كل الجهات الأخرى، ودعا إلى ضرورة تفعيل دور الأقسام الشرطية بالمحليات والمناطق السكنية لحماية المواطنين من غول الزيادات، وأن يتقدم المواطنين بالبلاغات داخل الأقسام في حال الغش التجاري والسلع المضروبة وأن تكون العقوبة رادعة، وأكد عدم رضائه عن الوضع الحالي، واتفقت (سامية الحاج ) موظفة، مع حديث التاجر معاوية، فيما يتعلق بقبول المواطن للسلع بأي سعر، وقالت الآن الندب لن يوصل لنتيجة مرضية، ويجب على الحكومة أن (تشتغل).

مجرد اسم

وبالانتقال إلى السوق الشعبي الخرطوم للخضروات والفواكه اشتكى المواطنون من ارتفاع الأسعار دون وجود رقابة على الأسواق، ويقول المواطن (عبد القادر حسن) إنه لا يوجد أي جهاز حتى يقف على مراقبة التجار والسلع، وإن التجار في الوقت الحالي قاموا بإنزال زيادات أخرى على ثمن السلع، وأشار إلى أن الرقابة مجرد اسم لا وجود له في الواقع، فالكثير من المنتجات الغذائية لم تصدر قرارات بشأن ارتفاع أسعارها إلا أنها طارت السماء بسبب غياب الرقابة، ويرى أن الرقابة إذا وجدت سوف تكون في أماكن معينة وليست في أماكن البسطاء الغلابة، وهي الأماكن الشعبية التي تشهد ارتفاعاً غير منطقي، وانتقد الزيادات التي حدثت في المشروبات الغازية، وقال ليس كل شيء يخضع للزيادة، كما أن هناك الكثير من السلع ليست عليها مصاريف نقل، وهناك أشياء تدخل الأسواق والمحلات التجارية من مواقع قريبة جداً وهي لا تحتاج لزيادة.

جاري البحث

قضية الرقابة وضبط الأسواق ما زالت مجهولة للجميع، وحتى الهيئات الحكومية المعنية بحماية المستهلك سجلت غياباً ولا دور لها في ضبط الأسواق.

وبحسب ما أشار إليه الخبير الاقتصادي (سعد الدين أحمد)، الذي يرى أن قضية الرقابة وضبط الأسواق قصة وهمية اختلقتها الحكومة، وبما أنها انتهجت نظام تحرير الأسعار ولم تتدخل في عملية تكاليف المنتج فإن الحديث عن تحديد الأسعار ومراقبتها يصبح غير ذي معنى، فالذي تستطيع أن تراقبه الحكومة إن كانت جادة فهي جودة المنتج فقط لأنها تركت أمر الاستيراد دون تحديد قيمة، عليه لا تستطيع تحديد سعر المستورد من السلع أو مدخلات الإنتاج لأن سداد قيمتها تتم من خلال شراء النقد الأجنبي من السوق الأسود (اسم الدلع السوق الموازي).

وضع مبهم

ويتابع موضحاً أن البنك المركزي لا يساهم بتوفير النقد الأجنبي أو دعم المنتج بالتالي فإن الحديث عن تحديد الأسعار ومراقبتها غير مفهوم، نظراً لأن الأسعار اشتعلت لأن الحكومة رفعت يدها عن دعم السلع الأساسية والخدمات، إلى جانب تدني مستوى سعر الجنيه السوداني أمام النقد الأجنبي وتعويمه، إضافة إلى الزيادة الكبيرة في إنتاج السلع لارتفاع قيمة الطاقة والرسوم والجبايات والترحيل والعمالة وأسباب أخرى كثيرة أدت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وفي ظل هذا فإن وعد الحكومة بمراقبة الأسعار وتحديدها عبث ومستحيل، وقرار من لا يملك الصلاحية قانونياً وأخلاقياً، وهذا من باب الضحك على المواطن لأنها رفعت يدها وحررتها وهي السبب في جنون الأسعار.

زيادة حسب الدولار

وطالب باتفاق يتم بين وزير التجارة واتحاد الغرف التجارية لضبط الأسواق على أن يكون عملاً جاداً وليس مجرد كلام، وأن تعمل الحكومة على معالجة المعوقات التي تقف في طريق التجار، وتغيير الأسعار المبالغ فيها، ولا بد من الجلوس مع الناس وأخذ قرارات جادة والالتزام بتنفيذها نظراً لأن ما يحدث الآن (أن الجميع يلف حول نفسه)، وحتى الخروج من الدائرة يجب أن تكون زيادة الأسعار حسب الدولار، بمعنى إذا انخفض الدولار تنخفض الأسعار ولا بد أن يقف زمن (التربيطات) عند التجار في حدها، وعلى الحكومة أن تسحب رخص الاستيراد مثلاً، وإنشاء جهاز لحماية المنافسة ومنع الاحتكار، الذي ـصبح بمثابة لافتة على مبنى مهجور، وأيضا لابد من إمكانية فتح رخص أكثر وتقديم تسهيلات أفضل للذين يحافظون على نسب الربح المعقولة، ولا ينفع أن تكتف الحكومة يدها دون البحث عن حلول حقيقية، كما لا ينفع وجود أي فرد يقنع الناس بما يدور حولهم.

مرسوم جمهوري

ويقول دكتور (المنصوري عز الدين المنصور) مدير الدائرة القانونية بالجمعية السودانية لحماية المستهلك الآن ضبط الأسعار مسؤولية دولة فقط، ويجب الإسراع في تحديد جهاز يعرفه كل المواطنين لضبط الأسواق، وتفعيل القوانين والأجهزة والمحاكم القضائية الخاصة بقضايا المستهلك مع تفعيل العقوبات، وأشار إلى قانون (المصدرين والمستوردين) للعام 2008م وهو الذي يمكن وزارة التجارة من التحكم في الاستيراد والتصدير، وبحسب مصادر (الصيحة ) أن الأيام القادمة ستشهد صدور مرسوم جمهوري بأن تؤول مسؤولية الرقابة لوزارة التجارة، وقالت ذات المصادر التي فضلت حجب اسمها إن وزارة التجارة تعكف هذه الأيام لبحث إمكانية إعادة الوحدات التي كانت تتبع لها سابقاً مثل المواصفات والمقاييس والأسواق الحرة، ووفقاً للإفادات أن الوزارة سوف تلتقي رئاسة الجمهورية لبحث إمكانية إرجاع الأجهزة التي تتبع لها، ولإمكانية الرقابة تعكف الوزارة على تعديل عدد من القوانين والآن قد خضعت أربعة قوانين وهي (التجارة ـ المستوردون والمصدرون ـ نقطة التجارة ـ والتعاون) إلى تعديلات، غير أن البعض يؤكد عدم امتلاك وزارة التجارة الآليات التي تمكنها من ضبط الأسعار.

أخيراً

تفهّم المواطنين للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ووقوفهم إلى جوار الدولة وتحملهم تخفيض الدعم يتطلب من الحكومة دوراً أكبر، بتفعيل الآليات والقوانين الرقابية وضبط الأسعار في الأسواق والمحال التجارية وأسعار المواصلات، واتضح من خلال ما تم استعراضه أن قضية الرقابة مسألة مشتركة ما بين الدولة والمستهلك والتاجر.

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.