عبقرية المصريين في معالجة سد النهضة!

يبدو أن عبقرياتنا المعاصرة منذ عام 1952م لا تنتهي، ومآسينا كذلك!

وأمام تحدياتنا المختلفة والمتعددة يظهر نبوغ مذهل يعقبه سقوط مدوٍّ. النبوغ: إعلامي، والسقوط: هو الحقيقة، والأزمات هي التي تتفاقم!

ومثال ذلك اليوم ملف سد النهضة ومشكلة المياه بل ما تحمل من تهديدات وجودية لبلادنا. يعالج عسكر مصر ملف سد النهضة ومشكلة المياه بهذه الإجراءات العبقرية:

1) التوقيع على حق إثيوبيا في بناء السد، فخرج عن كونه مياهًا دولية إلى نهر محلي فأسقط المصريون حقهم في أن تحكمه الاتفاقات الدولية وليكونوا تحت رحمة قرارات إثيوبيا المحلية! فبنت إثيوبيا السد، وشرعت في بناء سدود أخرى، وقامت دول أخرى من دول المصب بخطط لبناء عشرات السدود. يعني لتكون في موقف (حتلاقيها منين ولا منين)! إنها العبقرية عندما تتجسد في واقع منقلب رأسًا على عقب!

2) خلاف قاتل مع السودان وإحياء ملفات خلافية بينية تتشدد فيها مصر لأن السودان لم يثبت ـ بالمليارات ـ أن حلايب وشلاتين من حقهم أسوة بتيران وصنافير!

أسفر هذا عن خسارة العمق الجنوبي والمباشر مع إثيوبيا والذي كان مهيأ للتحالف مع مصر لإبطال مشكلة سد النهضة ووأدها في مهدها. حتى تلمّس السودان مصالح مع إثيوبيا ومصالح في وجود سد النهضة! وضعُف حتى ارتمى في أحضان العدو أيضًا!

3) خلاف داخلي قاتل، وتقسيم سياسي ومجتمعي للبلاد وتخوين لأغلبية المجتمع ووصمه بالإرهاب من أجل اختياراته الحرة.

حتى «استمتع!» المصريون اليوم باستبداد سياسي تاريخي وإعلام أبهر الدنيا بكذبه! وقضاء يستمتع بالقتل اليومي وآلاف المسجونين ومئات المؤبدات، في قضايا ملفقة.

4) بناء حوالي 20 سجنًا جديدًا في أربع سنوات.

5) الذهاب إلى إريتريا بطبلة وزمارة، حتى يقطعوا الطريق على أنفسهم لعمل جاد، كان يجب ألا يشعر به العدو إلا وقد تحقق بالفعل!

6) تهيئة المجتمع المصري لا ليقف صفًا واحدًا يدافع بعزة عن حقه في المياه؛ بل تهيئته ليشرب أكبر كمية من مجاري الصرف (المكررة) على مر التاريخ وليأخذ الجائزة الأولى في العَبّ منها دون توقف أو تأفف!

7) مناكفة السودان ـ من قبل، في زمن مبارك ـ وتشجيع الجنوب بالإعلام والسياسة حتى تم الانفصال، وهو يدين في انفصاله لا لمصر بل لإسرائيل التي رفع أعلامها، وأصبح لاعبًا جديدًا مرشحًا للتحالف مع الإثيوبيين والتآمر على مصر.

8) التحالف مع العدو الصهيوني الذي شجع إثيوبيا على بناء السد والأخذ بنصائحه ـ كما صرح بيريز من قبل بإقناعه للمصريين في كيفية التعامل في موضوع السد والأخذ برأيه ـ والخضوع لابتزازاته وإعلان الضعف أمامه وأن ما يقرره العدو هو أمر واقع.

هذه العبقرية يقتنع بها اليوم شعب كان ـ (كان) ـ قد دوخ الصليبيين، وكسر التتار، وكان يدافع عن المسلمين في الهند بأساطيله، ويحمي مياه النيل بقوات يبدأ وجودها من إريتريا، وتبدأ حدوده الشمالية من جنوب تركيا، ويحكم إقليم برقة في ليبيا! ويحكم الحجاز ويرسل كسوة الكعبة ويكفل طريق الحجيج ويُخطب لحاكمه في الحرمين!
– أما إثيوبيا فقد عالجت الموقف هكذا:

1) الحصول على التوقيع القانوني من مصر واستغلال ظروف الانقلاب للابتزاز والحصول على مكسب الاعتراف بحقها القانوني فيه.

2) تحالف مع القوى الإقليمية التي يهمها مناكفة مصر وابتزازها، وظهر أنها قوى كثيرة.

3) التحالف مع السودان وإيجاد بل اختلاق واختراع وخلق مصالح مشتركة، حتى سمعنا بالأمس عن قنبلة سياسية كبيرة حيث يقول الإثيوبيون إن السودان وإثيوبيا ـ وليس مصر ـ هما شعب واحد. لقد فقدنا وحدة وادي النيل في عصر عبد الناصر والآن نعاديه حتى الْتحم مع شعب آخر!

4) المصالحة السياسية الداخلية حتى أفرجوا عن المعارضين السياسيين والسجناء منهم في مصالحة مجتمعية حتى لا يتركوا ثغرة لمصر أن تتدخل مجتمعيًا.

5) إخلاء السجون من السياسيين وتحويل أسوأ سجن بإثيوبيا ـ بل وفي أفريقيا ـ إلى متحف، للإعلان عن تولي عصر الاستبداد. (لم يصلوا بعد إلى عبقريتنا في شق المجتمع ومعاملة أغلبية المصريين لاختيارهم الإسلامي على أنهم إرهابيون وغير وطنيين وأعداء لبلادهم!).

عبقرية الإدارة الحالية تقود الشعب المصري الآن للتهيؤ ـ أو التقيؤ ـ استعدادًا لشرب مياه المجاري ـ والطعم عليك! ـ أو البديل الثاني وهو الجفاف القاتل؛ لتكون بين خيارين: الجفاف التام أو الشرب الزؤام!

أما الإثيوبيون فيستعدون لخيارات أمرها حلو، مكاسب بلا خسائر، وابتزاز لينالوا استصلاحًا زراعيًا ومشاريع كهرباء وقبض أموال لبيع المياه، وبيع الكهرباء، وشراء مواقف سياسية.

إنها عبقريات تستعصي على فهم الإنسان الطبيعي في يوميات بلادنا الجريحة، والمغيبة. المشكلة أن القطار يسير بنا سريعًا، الجميع يتوقع المحطة القادمة ويعلم أنها ليست على ما يرام. إلا أن يشاء الله أمرًا من عنده. فإلى الله المشتكى، وهو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ساسة بوست

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.