سياسيون بـ (الكاكي).. لزوم التكليف

مستجدات كثيرة بدأت تحلق في سماء العاصمة الخرطوم، وقد خلقت واقعاً محتدماً جراء ما خلفته من أزمات كثيراً، ما فسرت على أنها مهددات خارجية، ولكن أصحاب الرؤية الأخرى يرونها رفض شعبي واحتجاجات لموجات الغلاء الطاحن الذي جاء مصاحباً لموازنة العام 2018،

وزاد من تضخمها الارتفاع الحاد للدولار مقابل الجنيه السوداني، ليسجل أعلى حالة هبوط له منذ استقلال البلاد. بيد إن التدخلات بالقطاع الشرقي لدى الحدود الإريترية من قبل القوات المصرية التي اتخذت من قاعدة ساوا العسكرية هناك مقراً لها وبعض القوات المعادية للحكومة السودانية، هي الأخرى رسمت ملامح غول ومهدداً للأمن القومي السوداني، وتربصاً دولياً في ظل الهيمنة الواضحة على المشهد السياسي لظهور ما يسمى بـ“الأحلاف” على الخارطة السياسية الدولية، إذ كان ذلك التدافع نحو المنطقة نتاجاً طبيعياً لذلك التطور غير مأمون الجوانب.

كل هذه المآملات فرضت واقعاً جديداً ودفعت والي الخرطوم ورئيس المؤتمر الوطني بالولاية الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين إلى دعوة أنصار حزبه إلى ارتداء البزة العسكرية “الكاكي”، وذلك لمجابهة التحديات التي تقابل الحكومة في المرحلة الحالية. وقال الوالي، وهو يخاطب أعضاء الحزب في العاصمة “أدعو عضوية المؤتمر الوطني الاستعداد لإخراج الكاكي من الدواليب وارتدائه مرة أخرى والذهاب لأرض المعركة دفاعاً عن السودان وعزة وكرامة شعبه”.
يأتي هذا النداء بعد فترة من آخر مرة استنفر فيها الحزب قيادات وأنصار الحزب المؤتمر الوطني إبان معارك أبوكرشولا ومناهضتها لعمليات الجبهة الثورية التي استهدفت تلك المنطفة.

ارتداء الكاكي
ربما هي المرة الأخيرة التي لجأت فيها قيادات الحزب الحاكم لارتداء الكاكي بعد اجتياح عناصر الجبهة الثورية لتلك الولاية الهادئة، وقد مثلت تلك العملية دافعاً معنوياً كبيراً استطاع من خلالها الحزب الحاكم أن يبسط هيمنته وصورته التي حاولت الحركة الشعبية أن تخصم منها الكثير من خلال المناكفات السياسية وقتها.. ولما كانت هذا الدعوة قد صدرت من رئاسة الحزب (الولاية) لكل الأنصار بداعي الالتفاف حول الحزب وحمايته بارتداء الكاكي من المهددات الخارجية -بحسب السيد الوالي- فإن هذه الخطوة أعادت للأذهان صور ومواقف قديمة اعتبرها البعض العودة لعهد الكاكي بعد انقضاء تلك الحقبة بغض النظر عن ما تحقق خلال تلك «التجريدات» وفقاً لتسمية قوات الدفاع الشعبي لها الجناح العسكري الذي ينشط من خلاله كل عناصر حزب المؤتمر الوطني والمواطنين في أوقات عرفت بـ»زمن الحصار» الدولي والإقليمي للإرادة السودانية التي فضلت الاستقلال عن أوارم وتعليمات الاستكبار الأوروبي كما يقال وقتها. ويرى بعض المحللين السياسيين أن الظروف الراهنة لا يتطلب التعامل معها على نسق «حي على الجهاد» كما كان تتعامل قيادات الحكومة مع العناصر لدى ظهور أية مهددات خارجية أو داخلية تنوي العصف بالوضع وتقول ذات الاتجاهات إن الدعوة التي بعثها سيادة الفريق أول والي الخرطوم لعناصر الحزب بارتداء الكاكي كل التوقعات تذهب إلى أنها مصوبة تجاه قمع الاحتجاجات المتنامية والمرتقبة ضد الغلاء عقب الزيادات الكبيرة التي طرأت على أسعار المواد الغذائية وغيرها من المطلوبات اليومية رغم إصرار الحكومة على وجود مهددات خارجية.

ظروف ومواقف
ويقول الفريق أول ركن محمد محمود جامع رئيس الأركان الأسبق لـ(الإنتباهة) إن دعوات الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين نابعة من انفعاله بالقضية وهاجس تأمين البلد كلها حتى لا تؤخذ على حين غرة. وقال أتفق معه أن يكون كل السودانيين على استعداد وبعد الحوار الوطني يقول جامع كل الأحزاب صارت «حزب حاكم» وهو يقصد بهذا النداء أن يكون كل الناس على استعداد وأن يكونوا على قلب رجل واحد، خاصة وأن محدثنا رجل كان على قمة الهيئة العسكرية ويدري الكثير عن مقدرة القوات النظامية على حماية البلد من المهددات الخارجية والأمنية من عدمها لذلك لا نشكك في أن يكون حديثه مخالفاً للحقيقة حينما يشير إلى أن قواتنا بالكاد تقوم بتغطية المطلوب من المساحات السودانية، لكنه قال إن الشعب السوداني معروف بروحه الوطنية ودوماً يكون على قلب رجل واحد في كل الملمات وتشهد عليه موقعة كرري في وقت لم يستبعد وجود الأخطار وإحاطتها بالسودان من كل صوب. وحول ما أن الظروف التي تدفع القيادات لارتداء الكاكي قد باتت مواتية أم لا، يقول جماع إن انفعال الوالي بقضيته وحماسه للبلد هو الدافع الوحيد لمثل هذا الموقف، آخذاً في الاعتبار أن غلاء الأسعار وموجة الرفض الشعبي لها بالطبع لا تخلو من انفعال الوالي الذي هو أيضاً لا يسره ذلك الغلاء بيد إن المهدد الأمني موجود ولا يخفى بجانب إن الوالي حتماً لا يقصد تأمين نفسه بدعوته لأنصار الحزب بارتداء الكاكي ولا تأمين الحكومة، وأنما تأمين البلد التي تعاني، ومن المصلحة العامة تأمين البلاد وحدودها.

شهداء النفرات
لم تحفل حكومة بمثل ما حفلت به حكومة الإنقاذ وهي تجد الاستجابة الواسعة لارتداء الكاكي حينما دعا داعيهم أن هلموا للدفاع والجهاد وقد اعتبرت بـ»الظاهرة» والإنقاذ تستنفر قادتها من الوزراء والقواعد للدفاع عن البلد وعن الحكومة التي يمثلونها بشكل أكبر من غيرهم إذ شهدت ساحات المعارك الكبرى في منقلا وننقلا والميل أربعين والأهوال وصيف العبور، مواجهات عاصفة بين تلك النفرات والتجريدات التي استجابت لارتداء الكاكي من المدنيين والقيادات السياسية والشبابية، وبين القوات في الطرف الآخر حركات ومتمردين على النظام بصور وأشكال مختلفة. ويقول سيادته جامع عن الشهداء الذين استجابوا لمثل هذه النفرات والدعوات وارتدوا الكاكي وواجهوا المهددات في أوقات سابقة، إنهم كثر ولا يمكننا أن ننساهم أو حصرهم في هذه العجالة. وسمى بعضهم من الوزرء مثل محمود شريف ومحمد أحمد عمر وصبيرة وود الريس وغيرهم. وقال لا ينبغي أن نخصص منهم بالذكر لأنهم كلهم صفوة ولبوا نداء ربهم وهم يدافعون عن البلاد ولم يولوا الأدبار، وزاد إنه ورغم أن الدنيا أقبلت عليهم بالاستوزار والشهادات العالية والرفيعة، إلا أنهم عندما استشعروا بالخطر وهو يحدق بالبلد تركوا كل ذلك خلفهم ولبوا نداء الواجب ومضوا إلى ألله شهداء وتضحية. وعن الذين الذين استشهدوا من الطلاب قال إنهم كثر أيضاً ولكن منهم علي الفتاح وفضل المرجي مثالاً ويجب ألا ننساهم وقد اصطفاهم الله سبحانه وتعالى. أما قواتنا المسلحة والشرطة فهؤلاء الاستشهاد في سبيل حماية البلد يعتبر من واجباتهم ويرجون أجر ذلك من الله. أما الذين يختلفون مع الإنقاذ وحكومة المؤتمر الوطني فهم يقولون بأن المسلحين من أعضاء الوطني تورطوا، في إزهاق حياة أكثر من 200 شهيداً، أثناء هبة سبتمبر المجيدة 2013. متخوفين من أن تقود هذه النفرة والدعوة إلى ارتكاب مثل تلك الأحداث في مواجهة الرافضين لموجات الغلاء المستعرة هذه الأيام.

الانتباهه.

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.