القصة المدهشة وراء عودة افتتاح صالات السينما في السعودية

سودافاكس – السعودية :
يرجع رفع الحظر جزئياً إلى الرغبة في حثِّ السعوديين على الإنفاق على الترفيه داخلياً، بدلاً من السفر إلى بلادٍ مجاورةٍ. وقال مسؤولون إن السعودية تفوِّت على نفسها جني مليارات الدولارات سنوياً؛ لأن المواطنين ليست لديهم أي خياراتٍ ترفيهيةٍ. ويختار الكثير من السعوديين السفرَ إلى مدينة دبي القريبة في دولة الإمارات لمشاهدة الأفلام، والتسوُّق، واستكشاف المتنزهات العديدة بالمدينة.

ووفقاً لما تقوله الحكومة فمن المُتوقَّع أن يسهم إدخال صناعة السينما التجارية للمملكة بنحو 24 مليار دولارٍ في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وأن يُوفِّر نحو 30 ألف فرصة عملٍ دائمٍ بحلول عام 2030. وتسعى الحكومة في ظل خطة “رؤية 2030” إلى مضاعفة معدلات إنفاق الأسر على الأنشطة الثقافية والترفيهية، وفق تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

وكانت السينما التجارية قد حُظرت منذ الثمانينيات، حين دفعت السلطات السعودية نحو وضع معايير اجتماعيةٍ أكثر صرامةٍ.

ومن غير الواضح ما إذا كانت دور السينما الجديدة ستتضمَّن غرف عرضٍ منفصلةٍ لمنع الاختلاط بين الرجال والنساء في الأماكن العامة أم لا. ومن غير المعلوم أيضاً كيف ستُختار الأفلام للعرض.

تتوفر في المملكة العربية السعودية جميع مقومات صناعة الأفلام المحلية من صناع أفلام جريئين وقصص جديدة لم تُروَ من قبل، فضلاً عن جمهور نهم متعطش للترفيه والتسلية– كلها متوفرة في المملكة عدا واحدة فقط هي دور السينما؛ ولكن حتى هذه المشكلة وجدت حلاً لها للتو على يد ولي عهد البلاد، الأمير الشاب اليافع ابن القرن الـ21، ذي العقلية الإصلاحية، حسب هآرتس الإسرائيلية.

فللمرة الأولى منذ 35 عاماً، سمحت السلطات السعودية، يوم الإثنين 11 ديسمبر/كانون الأول 2017، بإنشاء دور عامة للسينما والأفلام في الدولة المحافظة. الآن وفيما تخطو البلاد المعروف عنها تمسكها بتقاليدها خطواتٍ حذرةً نحو تبني أشكال جديدة من الترفيه، يستكشف صناع الأفلام المحليون آفاقاً جديدة للفن السعودي عبر الإنترنت، الذي يستخدمونه لإطلاق أفلامهم ولتوسيع حدود تعبيرهم عن رأيهم، والمفاجأة هنا هي في الدعم الذي يلقونه من أمراء العائلة المالكة.

السعودية هي مستقبل صناعة الأفلام بالخليج

تقول بثينة كاظم، العضو المؤسس المساهم في منصة دبي المستقلة للأفلام، صالة “سينما عقيل”، “إن المملكة العربية السعودية هي مستقبل صناعة الأفلام بالخليج”، مشيرة إلى مجموعة أفلام سعودية جيدة خرجت في السنوات الأخيرة.

فقد عرضت كاظم في دارها للسينما 3 أفلام سعودية قصيرة، الشهر الماضي، أمام الجمهور في دبي، منها فيلم يدعى “وسطي” مبني على قصة حقيقية واقعية، حدثت أواسط التسعينيات عندما قامت مجموعة متشددين سعوديين بإيقاف عرض مسرحي في السعودية، وأنزلوا الممثلين من على المنصة، ما خفَّف الإقبال على المسرح في السعودية لسنوات أعقبت تلك الحادثة.

الفيلم من إخراج الكاتب والمخرج السعودي علي الكلثمي، وقد عرض العام الماضي في لوس أنغلوس، كما عرض لليلة واحدة، شهر يونيو/حزيران الماضي، في جامعة اليمامة بالرياض، على نفس المسرح الذي كان مسرح الحادثة إياها قبل 20 عاماً.

الكلثمي واحدٌ من أبرز رواد صناعة الأفلام السعودية، فهو مؤسس مساهم في C3 Films وTelfaz11 التي هي قناة يوتيوب، جمعت أكثر من مليار متابع منذ انطلاقها عام 2011.

أما عن فيلمه “وسطي” فهو واحد من أفلام سعودية قصيرة عديدة أنتجت العام الماضي، بتمويل من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، الذي كان إنشاؤه مبادرة من شركة النفط الوطنية أرامكو، واختير لها هذا الاسم تيمناً بمؤسس المملكة، الملك عبدالعزيز آل سعود. يقول الكلثمي إنها كانت المرة الأولى التي يتلقَّى فيها تمويلاً لفيلم من أفلامه من طرف جهة حكومية.

يقول الكلثمي “أظن أنه نظراً لما حققناه من نجاح تاريخي على الإنترنت… فقد نلنا ثقتهم لنروي قصصاً رائعة، قصصاً إنسانية في السعودية”.

الاستغناء عن دور السينما

فعن طريق استخدامها للإنترنت لعرض الأفلام، نجحت قناة Telfaz11 اليوتيوبية وغيرها من دور إنتاج الأفلام السعودية في التحايل على القنوات التقليدية لتوزيع الأفلام، وفي الاستغناء عن دور السينما؛ لكن مع ذلك يظل صناع الأفلام السعوديون يكابدون من أجل أن يقصوا حكاياتهم ضمن حدود تقاليد المملكة المحافظة، وحدودها المفروضة على حرية التعبير.

لم تكن أوضاع المملكة دوماً بهذا الشكل، فقد كانت هناك دور للسينما في أنحاء السعودية بين الستينيات والثمانينيات، إلى أن رجحت يد المتشددين المتدينين واتسع نفوذهم في ميدان الحياة العامة، ففي الأعوام التي تلت تلك الفترة، ظل بإمكان السعوديين أن يستأجروا أفلاماً من محلات الفيديو، ولكن مشاهد الغرام والبذاءة كانت تحذف. كذلك أتيحت للسعوديين مشاهدة الأفلام عبر القنوات الفضائية.

أما الآن فقد بات ممكناً أمام السعوديين بثّ أفلامهم على الإنترنت، فقناة Telfaz11 تجمعها شراكة مع موقع يوتيوب.

بعض الأفلام المحلية تنتَج لأغراض ترفيهية محضة، لكن أفلاماً أخرى تخوض في بحر التحديات التي يجابهها الناس كل يوم في المملكة.

عام 2013 دخل فيلم “وجدة” السعودي التاريخ، لأنه أصبح أول فيلم سعودي يشارك في مسابقة الـAcademy Awards الأميركية، إلا أنه لم يرقَ ليترشح لنيل جائزة الأوسكار. يروي الفيلم قصة طفلة في الـ10 من العمر تحلم باقتناء دراجة هوائية مثل الصبيان في حي بيتها المحافظ المتشدد، الذي يفصل الرجال والنساء، ويفصل الصبيان عن البنات في المدارس. الفيلم من كتابة وإخراج المخرجة السعودية هيفاء المنصور، التي صوَّرت الفيلم بأكمله في المملكة العربية السعودية.

وهذا العام ستخوض المملكة من جديد غمار المنافسة لنيل جائزة الأوسكار عن فئة الأفلام الأجنبية بفيلمها “بركة يقابل بركة”، من إخراج محمود صباغ، الذي كان عرضه الأول في مهرجان برلين للأفلام السينمائية، فبراير/شباط الماضي. الفيلم اشتهر بأنه أول فيلم سعودي عاطفي، وهو يروي قصة موظف يقع في حب فتاة سعودية اشتهرت بمشاركاتها على “إنستغرام”، حتى ذاع صيتها محلياً وباتت شخصية معروفة في مجتمعها.

ومع أن 4 سنوات تفصل إنتاج الفيلمين عن بعضهما، فإن كلا الفيلمين يعالجان قضية الاختلاط وفصل الجنسين في المملكة العربية السعودية، التي ما زالت تطبق هذا القانون دون تساهل.

إرخاء المملكة للقيود

إن ظهور المشهد السينمائي على الساحة السعودية يتزامن مع إرخاء المملكة للقيود التي كانت مفروضةً على التسلية والترفيه، بعد عقدين من الزمن، خلت فيهما المملكة من صالات السينما وحفلات الموسيقى.

فوليّ عهد المملكة الشاب ذو الـ32 عاماً، محمد بن سلمان، سيرث عرش مملكة بها أكثر من نصف السكان تحت عمر الـ25 عاماً، معظمهم ينشطون على شبكات التواصل الاجتماعي التي تفتح لهم أبواباً وآفاقاً على العالم، بعيدة عن حدود الرقابة الحكومية في بلدهم.

ويقف ولي العهد وراء مسودة مشروع طموح لإحداث تغييرات وتحولات جذرية في اقتصاد البلاد ومجتمعها، فهو يرغب في تشجيع السعوديين على إنفاق المزيد من أموالهم محلياً داخل البلاد، بما في ذلك مضاعفة إنفاق العائلات السعودية على الترفيه والتسلية داخل المملكة.

ومع أن كبار شيوخ ورجال دين المملكة ذوي النفوذ، وكثيراً من المواطنين يرون أن في نمط الترفيه الغربي إثماً، إلا أن في دعم الأمير ولي العهد لهذا النمط إشارة إلى أن المملكة عمّا قريب قد تفتتح دوراً وصالات سينما لعرض الأفلام؛ ففي أغسطس/آب الماضي، موّلت مؤسسة “مسك” غير الربحية التي يملكها ولي العهد العرض الأول لفيلم أكشن عربي ثلاثي الأبعاد في العاصمة الرياض، وكذلك عرضت لأول مرة وبشكل مشابه أفلاماً أخرى في مدينة جدة الساحلية.

كذلك دعمت الحكومة مهرجانَ أفلامٍ سعودياً، أُقيم على مدار السنوات الأخيرة في مدينة الظهران شرقي البلاد، وفي هذا العام شارك في المهرجان 60 فيلماً سعودياً بعروضها الأولى.

بعد مشاهدة الأفلام السعودية القصيرة في “سينما عقيل” بدبي، وبعد التقائها بصناع الأفلام قالت صانعة الأفلام الشابة الطامحة لمياء الشوير، التي نالت لتوها شهادة ماجستير من فرع لوس أنغلوس لأكاديمية نيويورك للأفلام، إنها تشعر بالثقة حيال مستقبل صناعة الأفلام السعودية.

وختمت الشوير بالقول: “لدينا قصص رائعة كثيرة لنرويها، سواء كانت قصصَ إنجازات ونجاحات، أم كانت قصصَ تحديات، فمجتمعنا غني بالقصص والأفكار”.
هافينغتون بوست

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.