اشتباكات القوانين السودانية على طاولة الإدارة الأمريكية (الردة والزي الفاضح تتصدر القائمة)

سودافاكس – السودان :
* غندور: قضايا الحريات الدينية وقضايا حقوق الإنسان محمية عبر الدستور..
* المؤتمر الشعبي: حتى في عهد الرسول، كان هناك من يؤمن ويكفر ويزداد كفراً..
* هيئة العلماء: السودان لم يشهد صراعاً دينياً وعقدياً.. والإسلام يرفض كافة مظاهر الظلم والتعدي..
* المادة (38): لكل إنسان الحق في حرية العقيدة الدينية والعبادة، ولا يُكره أحد على اعتناق دين لا يؤمن به.
* الدستور: الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان جزءا لا يتجزأ من الدستور
* باحثة: المواثيق الإقليمية العربية رفضت الحق في تغيير الدين واكتفت بالتأكيد على الحق في حرية الاعتقاد

الجريدة: ماجد القوني

قضية (مريم) مازالت ماثلة في فضاء الحريات الدينية في السودان، وهل كانت مسلمة أم إرتدت..؟ تساؤل مازال حاضراً في حوارات حرية التدين، وفي مايو الماضي جرت محاكمة شاب سوداني بتهمة الردة، على خلفية تقدمه بطلب رسمي لتغيير ديانته في البطاقة القومية من مسلم إلى (لا ديني).. حيث تقدم محمد صالح الدسوقي (23 سنة)، بطلب رسمي إلى قاضي محكمة أم درمان لتغيير ديانته، لكن القاضي رفض الطلب لانتفاء صفة الاختصاص، ليفاجأ الشاب في اليوم التالي باستصدار أمر باعتقاله بعد أن تقدم محام سوداني ببلاغ ضده يتهمه فيه بالردة. وأخضع الشاب إلى المحاكمة، تفاصيل المحاكمة وتداعياتها أشعلت مجالس قانونية وسياسية، بلائحة من المطالب.. إضافة لعشرات القضايا التي رشحت عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. ومذكرات تقدمت بها منظمات مدنية عن انتهاكات لحقوق الأقليات الدينية، تحركات ربما جعلت الإدارة الأمريكية تدعو الحكومة السودانية لإعادة مناقشة قضايا الحريات الدينية..

رفض سياسي
احتجاجات سياسية عقبت محاكمة الشاب محمد صالح، حيث طالب حزب المؤتمر السوداني وقتها الحكومة بإطلاق سراح الشاب، وإلغاء تهمة الردة في القانون الجنائي لتعارضها مع حقوق الإنسان ودستور البلاد، فضلا عن القوانين الدولية، وأعتبر المحاكمة وقتها انتهاكا للحريات الدينية وحرية المعتقد المنصوص عليها في دستور البلاد.
التداعيات الأخيرة حول الحريات الدينية دفعت المؤتمر الشعبي أكثر الأحزاب الدينية التي تقدمت بإطروحات حول تجديد الفكر الإسلامي، للتوافق ودعم الطرح الذي تقدم به نائب وزير الخارجية الامريكي جون سليفيان، بشأن الحريات الدينية في البلاد، فيما يتعلق بحرية الاعتقاد والغاء مادة الردة والزي الفاضح .حيث اكد القيادي بالمؤتمر الشعبي د. ابوبكر عبدالرازق أن مطالب المسؤول الامريكي التي طرحها لعدد من رجال الدين اخيراً، تمثل برنامج الحزب ومخرجات الحوار الوطني، واشار الى ان حزبه يدعو لحرية الاعتقاد في الحياة لكونها تتسق مع القرآن الكريم .واكد بأنهم كحزب عقائدي ومشارك في الحكومة، ضد اي تجريم على الردة والمعاقبة عليها، ودعا الحكومة لتطبيق الحريات ايماناً دينياً منها، وليس مطالبة من مسؤولين غربيين، وشدد على ضرورة ان لا يساءل احد لتقلباته في اختيار مذهبه الديني ، وزاد (حتى في عهد الرسول عليه السلام، هناك من يؤمن ويكفر ويزداد كفرا.

ثوابت الأمة
هيئة علماء السودان أعلنت رفضها لمطالب الإدارة الأمريكية بإلغاء أو تعديل ععد من القوانين، أبرزها المتعلقة بالردة والزي الفاضح، ونقلت الهيئة رفضها لنائب وزير الخارجية الأمريكية (جون سيلفيان) في الاجتماع الذي ضم رجال دين مسلمين ومسيحيين، معلنين أن الاستمساك بثوابت الأمة قرار أجمعت عليه الأمة وأهل القِبلة، وقالت الهيئة أن السودان لم يشهد صراعاً دينياً وعقدياً وأن الإسلام يرفض كافة مظاهر الظلم والتعدي. ذات الموقف أكده رئيس مجّمع الفقه الإسلامي الدكتور عصام أحمد البشير حيث أشار إلى أن ثوابت الشريعة خط أحمر، وبالرغم من أنه قد بدأ وكأنه أوصد الباب أمام محادثات الحريات الدينية، إلا أن المجمع شرع في دعوة هيئة علماء السودان وكيانات دينية أخرى لمزيد من المناقشة.

حالة إلتباس
الدولة السودانية على لسان وزير الخارجية أعلنت أن قضايا الحريات الدينية وقضايا حقوق الإنسان محمية عبر الدستور، إلا أنه حسب خبراء: هنالك حالة من الاشتباك في المصطلح القانوني حول مفردتي (الرِدة وحرية الاعتقاد)، ففي الوقت الذي نادى فيه الدستور السوداني بحرية الاعتقاد، لم يشر في الوقت ذات لإمكانية تغيير المرء لديانته، بل سعى القانون لمعاقبة من يقوم بذلك، حيث تنص المادة (126) من القانون الجنائي السوداني: يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الاسلام او يجاهر بالخروج عنها بقول صريح او بفعل قاطع الدلالة. يسستاب من يرتكب جريمة الردة ويمهل مدة تقررها المحكمة فاذا اصر على ردته ولم يكن حديث عهد بالاسلام ، يعاقب بالإعدام . تسقط عقوبة الردة متى عدل المرتد قبل التنفيذ.

المواثيق الدولية
في الباب الثاني من وثيقـــة الحقــوق جاء في الفقرة (3) (تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءا لا يتجزأ من هذه الوثيقة).. وبالرغم من السند القانوني الخاص بجملة من التشريعات الخاصة بحقوق الإنسان التي دعم الدستور جانب منها، إلا أن الجدل مازال يتكاثف حول العديد من القضايا ويثير قانونيون للتصدى لبعض الإنتهاكات، التناقض بين القوانين والتشريعات استدعى حوارات وإن بدأت قبل مئآت السنين إلا أنها لم تُحسم بعد.. إضافة إلى أن المادة (38) من دستور السودان أشارت إلى أن لكل إنسان الحق في حرية العقيدة الدينية والعبادة، وله الحق في إعلان دينه أو عقيدته أو التعبير عنهما عن طريق العبادة والتعليم والممارسة أو أداء الشعائر أو الاحتفالات، وذلك وفقاً لما يتطلبه القانون والنظام العام، ولا يُكره أحد على اعتناق دين لا يؤمن به أو ممارسة طقوس أو شعائر لا يقبل بها طواعية.

حرية الاعتقاد والردة
الباحثة نادية أبو زاهر الحق في تغيير الدين رغم وجود إجماع بين المواثيق الدولية والإقليمية على أن حرية الاعتقاد حرية مكفولة لكل فرد، وتم النص على هذه الحرية بشكل صريح ومباشر ولا مجال للبس فيه. إلا أن ليس جميع المواثيق الإقليمية والدولية أشارت بنفس الوضوح والصراحة، إلى أنه مشمول في الحق في حرية الاعتقاد. كما كان الحال بالنسبة للمواثيق الإقليمية العربية، وربما يعود ذلك لخصوصية الشريعة الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها من دول العالم الإسلامي التي تعتبر أن الحق في تغيير الدين قد يتعارض معها، لما قد يدخل الحق في تغيير الاعتقاد ضمن ما يطلق عليه في الإسلام الردة وعقوبة المرتد حسب جمهور الفقهاء هي القتل.. اختلف الكتّاب العرب في كيفية تناولهم الحق في تغيير الدين من حيث ارتباطه بالحق في حرية الاعتقاد ورؤيتهم لموقف الإسلام منه. والآراء التي اعتبرت أن الإسلام يتعارض مع الحق في تغيير الدين أو التي لم تعتبر أنه يتعارض معه، وبرزت بشكل كبير بعد دراستي جمال البنا ومحمد سليم العوا اللتان نشرتا في العام 2002 في موقع إسلام أون لاين، والتي اعتبرت أن عقوبة الردة لا توجب القتل مخالفة بذلك جمهور الفقهاء، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل استدعى رد الفقهاء على ما جاء في الدراستين. الحق في تغيير الدين من الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية التي اعتبرته بعضها يدخل في الحق في حرية الاعتقاد. إلا أن الحق في تغيير الدين لم تشر إليه جميع تلك المواثيق بنفس الوضوح والصراحة. فإن كانت بعض المواثيق الدولية قد اعتبرته مشمولا في الحق في حرية الاعتقاد وأكدت عليه بشكل صريح ومباشر، فإن بعضها الآخر لم يشر إليه على الإطلاق كما كان الحال بالنسبة للمواثيق الإقليمية العربية، وربما يعود ذلك لخصوصية الشريعة الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها من دول العالم الإسلامي التي تعتبر أن الحق في تغيير الدين قد يتعارض معها، لما قد يدخل الحق في تغيير الاعتقاد ضمن ما يطلق عليه في الإسلام الردة وعقوبة المرتد حسب جمهور الفقهاء هي القتل. عدم إشارة بعض المواثيق الإقليمية العربية للحق في تغيير الدين واكتفائها بالتأكيد على الحق في حرية الاعتقاد، يشبه الكيفية التي تناول بها غالبية الكتّاب العرب للحق في حرية الاعتقاد، من حيث تأكيدهم على أن حرية الاعتقاد يكفلها الإسلام لكن دون أن يشيروا إلى أنه يتضمن الحق في تغيير الدين أو الإشارة إلى موقف الإسلام منه. إلا أن هذا لا يعني عدم وجود أصناف أخرى من الكتّاب التي أشارت إلى الحق في تغيير الدين سواء بشكل صريح أو ضمني، إلا أن الإشارة الصريحة لرؤية الكتّاب لموقف الإسلام من الحق في تغيير الدين سواء تلك التي تعتبر أن الإسلام يتعارض مع الحق في تغيير الدين أو التي تعتبر أنه لا يتعارض برزت بشكل كبير بعد دراستي جمال البنا ومحمد سليم العوا اللتان نشرتا في العام 2002 في موقع إسلام أون لاين لا سيما بعد أن اعتبرت أن عقوبة الردة لا توجب القتل، مخالفة بذلك جمهور الفقهاء.

المحرر
خطوات توقعها مراقبون للشأن السوداني، بعد قرارات رفع الحظر الأمريكي عن السودان، وقالوا وقتها أن الرفع سيكون مشروطاً، وأن محاولة التدجين قد بدأت للتو، لتأتي بعدها مباشرة تصريحات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية حول أن الولايات المتحدة أثارت مسألة الحريات الدينية خلال محادثات بشأن تخفيف العقوبات عن السودان.. لقاء الإدارة الأمريكية بقيادات دينية سودانية سعت من خلاله لسبر أغوار الحريات الدينية خاصة بعد التقارير التي أودعتها منظمات حقوقية حول قيام السلطات السودانية باعتقال وترويع رجال دين مسيحيين وهدم كنائس ومحاولة إغلاق مدارس كنسية، واتهام نساء وأدانتهم بتهمة ارتداء أزياء غير محتشمة، وجلدهن.

محادثات الإدارة الأمريكية مع المسؤولين السودانيين، من المتوقع أن تناقش قضايا الحريات الدينية ومستقبل حقوق الانسان، تمهيداً لرفع العقوبات كلياً عن السودان بحلول الثاني عشر من أكتوبر القادم.. مواجهات فكرية من المتوقع أن تبرز من داخل المؤتمر الوطني حول إمكانية التخلي عن ثوابت من أجل تحولات تواكب الخارطة السياسية، بين تيارات رفض مازالت ترى أن الوقت لم يحن لتحقيق التجربة الإسلامية، وأخرى ترى أن المشروع أعلن فشله، وحان الوقت للإنخراط في منظومة الحقوق.
الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.