ماذا تُريد مصر من السودان ؟

سودافاكس :
عجبت من مصر التي منذ أن سطا رئيسها الجديد على الحكم وضعت العداء للسودان على رأس أجندة سياستها الخارجية، وبالرغم من أن ملف السودان ظل منذ القدم يُدار من قِبل الاستخبارات المصرية وليس من قِبل وزارة الخارجية وظل سفراء مصر المتعاقبون على السودان من رجال المخابرات، إلا أن مصر كانت في الغالب تُدير تآمرها على السودان بشيء من الدهاء والحكمة التي تقتضي مراعاة السرية تجنباً للمواجهة المفتوحة التي ظلت مصر تخشى أن تنقل الصراع إلى الشعبين ولكن مصر في عهدها الجديد انقلبت على كل ثوابت الاستراتيجية المصرية في التعامل مع السودان.

صحيح أن تغييراً هائلاً في توجهات النظام المصري حدث عقب ثورة الربيع العربي التي نصبت مرسي رئيساً لمصر ولكن المعلوم أن ذلك التحول كان شيئاً فوقياً لم ينزل إلى المستوى الأدنى الذي ظل محكوماً بالدولة العميقة التي سرعان ما أطاحت بمرسي وعادت الأمور إلى ما كانت عليه ثم سرعان ما تصاعد التوتر والعداء بمرور الأيام والسنون تحت الحكم الجديد إلى أن بلغ مداه الأقصى بالكيد للسودان من خلال ما تقوم به حالياً في دولة جنوب السودان.

لا أحتاج إلى تبيان أن أهم باعث لتزايد الكيد المصري للسودان يأتي من تلقاء علاقة السودان بإثيوبيا خاصة وأن السودان قد اتخذ موقفاً مستقلاً لم ترضه مصر فيما يتعلق بسد النهضة الذي احتل مؤخراً مكاناً علياً في استراتيجية مصر الأمنية والاستخبارية.

ذلك ما جعل مصر تسعى إلى تطويق السودان من خلال جيرانه ولذلك لا غرو أن تطرق أبواب الرئيس إدريس دبي في تشاد ذات التأثير الهائل على الأوضاع في دارفور، ومعلوم ما فعلته مصر السيسي ولا تزال في ليبيا التي تساند فيها حفتر المعادي للسودان والداعم للحركات الدارفورية المسلحة وكذلك من تلقاء اريتريا التي تستغل العلاقة بمصر للكيد لكل من السودان وأثيوبيا.

مهدت مصر للتأثير على الأوضاع في دولة جنوب السودان بما يتيح لها توظيف تلك العلاقة لخدمة أجندتها في السودان بتقوية علاقتها مع حكومة الجنوب من خلال إقامة بعض المشاريع وتقديم بعض المعونات التي شملت دعماً عسكرياً ولوجستياً مستغلة في ذلك الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية مما أتاح لها موطئ قدم فاعل في السياسة الجنوبية إذ توغلت استخبارات مصر داخل القوى السياسية الجنوبية وتمكنت من الدخول إلى غرف نومها واصطياد فيل ضخم خلال الأيام القليلة الماضية من خلال إبرامها اتفاقاً في القاهرة جمع أعدى أعداء السودان وأعني به كبير أولاد قرنق باقان أموم الذي أحيته استخبارات السيسي بعد موت سريري أوشك أن يزهق أنفاسه، ولا أحتاج إلى أن أذكِّر بأفعال هذا الرجل البغيض ضد السودان ويكفي عبارته الحاقدة وهو يغادر بلادنا بعد الانفصال 🙁 ارتحنا من وسخ الخرطوم) و(باي باي للعبودية) و(باي باي للعرب)!

نعم ، لقد تمكنت الاستخبارات المصرية من إبرام اتفاق بين حكومة دولة الجنوب التي شاركت بقيادات مبتعثة من الرئيس سلفاكير ومجموعة العشرة المعارضة بقيادة باقان أموم بعد عدة اجتماعات ضمت د.مجاك أكوت وربيكا قرنق وكوستا مانيبي، وفي الغالب سيعود باقان لموقعه السابق كأمين عام للحركة الشعبية بل أن الاستخبارات المصرية تعكف الآن على ترتيب لقاءات بين قيادات الحركة الشعبية شمال (حشش) بغرض رأب الصدع بين مجموعتي عرمان والحلو .

أقولها ضربة لازب وبدون تردد رغم ما يشي به الاستقبال الودود الذي قوبل به الرئيس البشير من قبل مضيفه اليوغندي موسيفيني إن أصابع يوغندا ليست بعيدة عما جرى ويجري بين مصر وأطراف الأزمة في دولة الجنوب وكذلك بين أطراف (حشش) فمشروع السودان الجديد ظل ولا يزال بنداً ثابتاً لن يتزحزح عنه موسيفيني حتى لو تزحزحت الجبال الراسيات فهو الذي ظل ينافح عن الهوية الأفريقانية للسودان التي ظلت تشغله وزميله قرنق منذ أيام الدراسة الجامعية في العاصمة التنزانية دارالسلام في ستينيات القرن الماضي كما ظل يناهض الهوية الإسلامية والثقافة العربية وهي ذات الأفكار التي ظل قرنق يناضل في سبيلها متأثراً بمانديلا في حربه ضد سيادة البيض في جنوب أفريقيا وبالمناضلين الأفارقة ضد حكم البيض في روديسيا وبالأفارقة في زنجبار الذين أطاحوا بحكم العرب في زنجبار التي تحولت إلى تنزانيا وكان قرنق وموسيفيني طالبين فيها أيام مذابح العرب في زنجبار في ديسمبر 1964 وقد تأثرا بتلك الواقعة وظلت محفورة في ذاكرتهما حيث استلهماها في حربهما ضد هوية السودان الإسلامية.

إذن فإن مصر تسعى أولاً إلى أن يكون لها دور أكبر في ورقة دولة الجنوب بل وسحبها من السودان الذي تعول أمريكا ودول الإيغاد على دور يلعبه لطي خلافاتها وأزماتها المتفاقمة ثم أهم من ذلك الحرب على السودان من تلقاء الجنوب خاصة بعد مجيء باقان أموم وإحياء مشروع السودان الجديد وتوحيد (حشش) التي ستلعب دور مخلب القط الذي ظلت تقوم به قبل انفجار الحرب والصراع في دولة جنوب السودان.

معلوم أن أكبر أولاد قرنق وأكبر خلفائه بعد مصرعه هما باقان في الجنوب وعرمان في الشمال ومعلوم كذلك أن باقان هو الذي صرح بعد انفصال الجنوب بأن مشروع السودان الجديد لن يموت بالانفصال فهو قائم من خلال الوحدة (الخطة أ) ومن خلال الانفصال (الخطة ب) التي كان المفترض أن يدشنها باقان وعرمان وكانا يضغطان خلال مفاوضات أديس أبابا التي أعقبت الانفصال قبل انفجار الأوضاع في الجنوب

من أجل إقامة مشروع السودان الجديد ونجحا بالفعل في إبرام اتفاق نافع عقار الذي سميناه وقتها(نيفاشا تو) الذي نحمد الله تعالى أن الرئيس البشير أجهضه وأغلق مدخلاً بغيضاً للشيطان الرجيم في تلافيف الجسد السوداني الطاهر .
الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.