“سيبقى مرتفعا” حتى مع رفع العقوبات الاقتصادية واصل سعر الدولار الارتفاع مقابل الجنيه، والخبراء يردون ذلك إلى خلل هيكلي في الاقتصاد السوداني

بالرغم من رفع حظر العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان، والمجهودات الكبيرة التي يبذلها الأمن الاقتصادي لمحاربة تجارة العملة، من خلال المداهمات والقبض على التجار عبر الكشات، إلا أن الدولار ظل مرتفعاً، ويرى خبراء اقتصاديون أن ذلك ناجم عن تراجع قيمة الجنيه في مقابل الدولار، كنتيجة للخلل الهيكلي وضعف الإنتاج وسياسات سعر الصرف، بالإضافة للسياسات الاقتصادية الخاطئة.
ولا يرى عبد الحليم إسحاق – خبير اقتصادي – بوادر تحسن على المدى القريب، وحصر المسببات في بقاء سعر الدولار مرتفعا في الخلل الهيكلي الذي أصاب الاقتصاد منذ وقت ليس بالقريب، ويتوقع أن يصل الدولار إلى أقصى حد، واسترسل قائلاً: “الخلل الهيكلي، وضعف الإنتاج وسياسات سعر الصرف، وشروط الاستثمار، جميعها تكالبت على الجنيه”، وأردف: “ليس من المعقول أن نفتح الباب لاستيراد جميع السلع وأشياء يمكن أن تصنع بالداخل”، وأضاف عبد الحليم عن المقاطعة الأمريكية وانعكاساتها السالبة على التحويلات في السابق، ولكن بعد رفع الحظر الاقتصادي يجب وضع دراسة حقيقية وفعالة من أجل الخروج من الأزمة، وأشار إلى عدم الاستفادة من الدعم الخارجي والمساعدات الأخرى، بجانب استمرار الحرب في عدد من المناطق ساهم بقدر كبير في خروج مناطق الزراعة عن دائرة الإنتاج، علاوة على الإنفاق الأمني والعسكري الذي ظل يستنزف الميزانية العامة. وحول الحلول المطلوبة لإنقاذ الجنيه من الضياع، طالب عبد الحليم بضرورة مراجعة إدارة العملية الاقتصادية في البلاد برمتها، مشيراً إلى أن الأجهزة المعنية تعاني من أزمات كبيرة، سواء في بنك السودان، أو وزارة المالية، ودعا لوضع سياسات اقتصادية، تعمل على معالجة الخلل الواضح في الاقتصاد، وذهب إلى أن الخلل يبدو متمثلاً في الأشخاص الذين يديرون العملية في جوانبها التقنية والفنية، ولفت إلى أن الإصلاح في ما يتعلق بالبناء المؤسسي يحتاج إلى عمل كثير، مذكراً بأنه غير فاعل في ما يختص بإدارة الشأن العام، وتقديم الخدمات، خاصة وأن الأزمة متكاملة، ملاحظاً أن الأمور الاقتصادية تدار بسياسة، وليس هناك تخطيط استراتيجي، منادياً بعملية إصلاح جذري إن أرادت الدولة العودة بالجنيه لسيرته الأولى.
وفي ذات السياق، أشار محمد الناير الخبير الاقتصادي، في حديثه لـ(اليوم التالي)، إلى أن وصول الدولار لأكثر من عشرين جنيهاً، فيه فارق كبير ينم عن حدوث تشوهات في الاقتصاد، إذا ما واصل الانخفاض، مشيراً إلى أن الفارق كبير ما بين السعرين في السوق الموازي والسوق الأسود.
وأضاف الناير قائلاً: “إن السوق الموازي أصبح يؤثر تأثيراً كبيراً على السلع والخدمات، ولكن إذا طرحنا ما هي الأسباب، نجد أنها تكمن في حدوث مضاربة على الدولار، وامتهان جهات كبيرة تجارة العملة غير المشروعة”، وقال إن ذلك سيؤثر تأثيراً مباشراً على شرائح المجتمع في عيشهم وحياتهم. وطالب الناير الجهات القائمة على محاربة تجارة العملة غير المشروعة، بإنزال أقصى العقوبات على المتلاعبين باقتصاد البلاد، مشيراً إلى أن هؤلاء يعملون على تدمير الاقتصاد الوطني ويستحقون توقيع أقصى العقوبات مقابل ذلك. وتساءل الناير هل يعقل أن تساهم واقعة سياسية في ارتفاع الدولار؟، أو أن ينخفض الجنيه مقابل الدولار، لمجرد شائعات دخول وديعة معينة إلى بنك السودان، أو يرتفع بصورة كبيرة مجرد أرقام فقط، كل تلك المسببات تستطيع أن ترفع سعر الدولار مقابل الجنيه، الأمر الذي يشير إلى أن الاقتصاد لا يستند إلى إنتاج زراعي أو صناعي، وأصبح الاقتصاد قابلاً للتأثر بكل الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية، وكل ذلك ينتج من خلال المضاربات التي تتحكم في السوق. وأكد الناير في هذا الصدد أن الجوانب الأمنية وحدها لا تكفي لمحاربة السوق الأسود، مطالباً بتوفير سياسات أخرى تكون أكثر فعالية، بالإضافة إلى جانب الإجراء الأمني. يبدو أن المحاربة بآلية واحدة لم تجد فتيلاً، خاصة وأن الأمن ظل يقف على هذه المراقبة من سنوات ولم يسجل الجنيه في الفترة الفائتة أي حالة تحسن أو انتعاش.
وختم حديثه قائلاً: “الحل الأنجع يكمن في زيادة الإنتاج والإنتاجية، وهي تعني زيادة إنتاجية الفدان التي من شأنها أن تقلل تكلفة الإنتاج وتسهم في خلق وفرة، وتقلل من حجم الواردات وتزيد حجم الصادرات، وهذا ما يحقق استقراراً مستداماً”.
أيمن أبكر
اليوم التالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.