“قبعة الكاوبوي” قبعة رعاة البقر التي يعتمرها سلفاكير رمزاً للعلاقة مع الولايات المتحدة حتى متى يستمر في اعتمارها بعد فقدان الثقة بين واشنطن جوبا.. ربما يهبط سلفاكير منتصف الأسبوع في الخرطوم فتأملوا القبعة السوداء هل ثمة تغيير طرأ عليها؟

الكثير من زعماء العالم يتخذون سمتاً أو هيئة معينة يظهر عليها أمام وسائل الإعلام وشعبه حتى لكأنها تصر على نمط صورة ذهنية ثابتة ما أن تأتي سيرة هذا الزعيم فتتخذ صورته في الخاطر الهيئة التي يظهر بها، حتى إن ميشيل أوباما السيدة الأمريكية الأولى السابقة كشفت مؤخرا بعد مغادرة زوجها الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض أنه على مدار فترة إدارته للولايات المتحدة التي وصلت إلى 8 سنوات كان يرتدي (البدلة السوداء) نفسها، أما رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت فظل يعتمر قبعة (أو برنيطة) رعاة البقر الأمريكيين حتى أصبحت جزءا لا ينفصل عن مظهره، ولكن لقبعة سلفاكير قصة لا تنفصل عن ميلاد دولة جنوب السودان نفسها، تلك الدولة الوليدة التي ظهرت إلى الوجود في العام 2011 كدولة خديج تتولاها القابلة الأمريكية بالعناية والرعاية، وفور الميلاد وضعت دولة جنوب السودان ليس في حضانة (حديثي الولادة) بل في غرفة حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة الذين لا خوف عليهم، وضمنت لها الرعاية الامريكية توالي الاعترافات بالاستقلال على نحو لم تحصل عليه حاليا كردستان وكاتلونيا رغم أن الإقليمين الساعيين للانفصال عن العراق وإسبانيا اتبعا نفس الإجراءات الديمقراطية عبر الاستفتاء الشعبي على تقرير المصير، كما جرى في جنوب السودان، ولكن ذلك المولود الجديد سرعان ما انزلق في حرب ضروس بين الإخوة الاعداء اندلعت في ديسمبر من العام 2013 ولا تزال مشتعلة بين أنصار الرئيس سلفاكير ومؤيدي نائبه السابق رياك مشار زعيم المعارضة المسلحة، على خلفية ذات طابع إثني وقبلي بحت، وهنا بدأت العلاقة بين واشنطن وجوبا تتوتر مع استمرار القتال وتفاقم الازمات الإنسانية والأمنية التي عصفت بأحلام المنادين بالسلام والاستقرار في الدولة الوليدة، وتطاول أمد الحرب الأهلية التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأكثر من ثلاثة ملايين نازح، مع هذا الوضع الجديد والمأزوم في جنوب السودان بدأت الاصوات داخل الولايات المتحدة تتعالى توبيخا للسياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما الذي أدار ظهره للازمات في أفريقيا وتوجه إلى محاربة داعش في العراق وسوريا ولم ينجح في ذلك، ثم ركز في ولايته الثانية على انجاز الاتفاق النووي مع إيران الذي يثير الجدل حاليا، وبما أن الاوضاع في جنوب السودان لم تشهد استقرارا بعد كل المحاولات الاقليمية والدولية والمبادرات واتفاقيات السلام التي أبرمها الفرقاء في جنوب السودان، فإن العلاقة مع واشنطن تبعا لذلك أصبحت تتنقل من توتر إلى آخر، وساهم بعد آخر في القطيعة بين واشنطن وحليفتها السابقة وهو توتر العلاقة بين جوبا والامم المتحدة، حيث طالب تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش مطلع العام الجاري مجلس الأمن الدولي بممارسة الضغط على حكومة جنوب السودان لتفعيل قرار نشر القوة المؤلفة من 4000 عنصر لحفظ السلام، وهو القرار الذي كان قد أقره مجلس الأمن في أغسطس من 2016 في أعقاب تصاعد وتيرة العنف الذي شهدته العاصمة جوبا في شهر يوليو من نفس العام.
وتنشر الأمم المتحدة 17 ألفا من عناصر القبعات الزرقاء في جنوب السودان مكلفين بحماية المدنيين، ويعيش أكثر من 200 ألف شخص في مخيمات للأمم المتحدة، الخلافات بين المنظمة الدولية وجوبا ليست فقط حول عدد قوات حفظ السلام ومواقع نشرها أو حتى الاتهامات لجيش جنوب السودان بارتكاب انتهاكات ضد عناصر حفظ السلام وموظفي الاغاثة التابعين للامم المتحدة، بل هناك فجوة كبيرة على المستوى السياسي وكيفية حل الازمة في جنوب السودان التي اندلعت بعد عامين فقط من حصول البلاد على استقلالها، حين اتهم الرئيس سلفا كير نائبه السابق رياك مشار بالتآمر لتنفيذ انقلاب ضده، فآخر مبادرات السلام التي أطلقتها منظمة الايقاد واعتبرتها الولايات المتحدة مبادرة سلام اقليمية جديدة وفرصة الاخيرة لإنهاء الحرب، تم استقبالها من حكومة جنوب السودان بفتور حسب تعبير جان بيير لاكروا نائب الأمين العام لقوات حفظ السلام في خطابه أمام مجلس الأمن منتصف اكتوبر الجاري حين قال: “بالنسبة لمنتدى إحياء (اتفاق السلام) المعلن من ايقاد، أبدت الحكومة في جنوب السودان ردا فاترا”.
توتر العلاقة مع الامم المتحدة هو بالضرورة توتر مع الولايات المتحدة التي وصلت علاقاتها مع جنوب السودان إلى حافة الانهيار عندما كشفت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي لرئيس جنوب السودان سلفا كير أن الولايات المتحدة «فقدت الثقة» في حكومة بلاده، بسبب تفاقم الحرب الأهلية، وإن عليها إحلال السلام وإلا فقدت دعم واشنطن.
وقالت للصحافيين بعد الاجتماع مع سلفاكير في جوبا الأسبوع الماضي: “أبلغته بأن الولايات المتحدة عند مفترق طرق، وأن كل قرار سيتخذ من الآن فصاعداً سيستند إلى أفعاله”.
وحذرت الأمم المتحدة التي تتطابق رؤيتها في جنوب السودان مع الولايات المتحدة من أن العنف في جنوب السودان يوفر (أرضاً خصبة) للإبادة الجماعية، ونفت حكومة سلفاكير مزاعم الأمم المتحدة حول وجود تطهير عرقي.
وأضافت هيلي «لقد أدرك أن الأمريكيين محبطون من قيادته في جنوب السودان. أوضحت له ذلك. وأدرك أن كل المساعدات أو العون الذي يأمل في تقديمه ليس هبة». ولم تذكر تفاصيل حول الإجراءات التي قد تتخذها واشنطن، لكنها قالت إن كير «فهم ما كنت أحاول قوله».
وكانت السفيرة ذكرت قبل وصولها إلى جوبا أن واشنطن تدرس كيفية الضغط على سلفاكير من أجل تحقيق السلام، رغم أنها أشارت إلى أن سحب المساعدات قد لا يجدي نفعا.
وقالت هيلي لإذاعة «آي» في جنوب السودان: «فقدنا الثقة في الحكومة ونحتاج الآن لاستعادة الثقة، والسبيل الوحيد لذلك هو من خلال العناية بالشعب كله».
وطالبت سلفاكير بإتاحة الوصول الكامل ودون انقطاع للمساعدات الإنسانية وبإحلال السلام والاستقرار في البلاد، وأشارت إلى أنها طرحت جدولاً زمنياً على سلفاكير للتحرك، من دون ذكر أي تفاصيل.
من جهته، قال نيال دينق نيال كبير مستشاري رئيس جنوب السودان، إن «الرئيس أبلغ هيلي بأن حكومته ومهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أقامتا آليات تعمل بشكل مشترك لتحسين الوضع الإنساني والتعامل مع المشاكل الإنسانية»، مضيفاً أن «سلفاكير قال إن القوات الحكومية ستلتزم أيضاً بوقف للقتال من أجل تهيئة الأجواء للحوار».
إذن العلاقة بين واشنطن وجوبا وصلت إلى فقدان الثقة وأن هناك شروطا وضعتها واشنطن امام طاولة الرئيس سلفاكير من قبل المبعوثة الأمريكية يجب الوفاء بها لإصلاح العلاقة بين البلدين،
وهناك أكثر من رواية لقبعة الكابوي التي ظل يعتمرها سلفاكير، منها أن هذه القبعة هدية من الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب لسلفاكير، ورواية أخرى تقول إنها هدية من السيناتور الأمريكي مسؤول الشؤون الخارجية جون كيري الذي أصبح وزيرا للخارجية في ادارة الرئيس باراك أوباما، وهي الرواية الأرجح لأنها موثقة بالصورة، ولكن الثابت أنها هدية رمزية للعلاقة المميزة بين سلفاكير وواشنطن، واليوم قد وصلت العلاقات إلى درك فقدان الثقة، وهي المحطة قبل الأخيرة من الطلاق البائن، يبقى السؤال هل يواصل سلفاكير اعتمار قبعة الكابوي الأمريكي وينفذ شروط المبعوثة الأمريكية لاستعادة الثقة بين الطرفين، أم يخلع القبعة الأمريكية ويصبح حاسر الرأس من الحماية الأمريكية؟
محمود الدنعو
اليوم التالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.