رفع الحظر الأمريكي.. هل ينهي “أكتوبر” عقوبات “نوفمبر”؟

ينظر كثير من السودانيين ليوم الثاني عشر من أكتوبر المقبل، بكثير من التفاؤل، وغير قليل من الأمل، ذلك أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” سيقول فيه كلمته الفصل بشأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ الثالث من نوفمبر 1997م، أما برفعها كلياً، أو تعليقها لفترة أخرى. غير أن الخيار الأول يبدو – بحسب كثير من الشواهد – راجحاً أكثر من ذي قبل، ولا سيما بعدما اتخذ “ترمب” قراراً نادراً بإخراج السودانيين الموجودين في أمريكا من قائمة الأشخاص الذين يستحقون خدمات الحماية المؤقتة المخصصة للمهاجرين، بحجة أن الأوضاع في السودان قد تحسنت، وإنه ما من خطر على المهاجرين حال رجوعهم إلى بلدهم.
تقارب وشيك
وعطفاً على ذلك فقد رأى خبراء ومختصون أن هذا القرار سيقود لتمتين العلاقة بين الخرطوم وواشنطن أكثر مما مضى، لا سيما أن الأخيرة أقرت – في أكثر من منصة – بتحسن الأوضاع في السودان، في المسارات الستة الموضوعة لرفع العقوبات. وقريباً من ذلك فقد توقع الخبير الاقتصادي د. “بابكر محمد توم” رفع العقوبات نهائياً عن السودان في أكتوبر المقبل وعزا ذلك لعدة أسباب أجملها في انتفاء الأسباب التي بسببها فُرضت العقوبات، منوها في حديثه لـ(المجهر) إلى أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” نفسه مهتم ببسط التجارة والاستثمار الأمريكي على مستوى العالم. ومعلوم أن “ترمب” تحدى – والحديث لـ”بابكر” – الأوربيين في مرحلة سابقة، وقال إنه غير ملتزم بالاتفاقيات معهم وغير ملتزم باتفاقية المناخ العالمية ما يعني أنه يريد شق طريق استثماري عالمي.
ويصنف خبراء سياسيون الرئيس “ترمب”، بأنه براغماتي من طراز رفيع، وإنه يتحرك وفقاً لمصالح أمريكا الاقتصادية، وربما ذلك ما يجعله يتقارب مع خصوم تضعهم الإدارات الأمريكية السابقة في خانة العدو الإستراتيجي. وعطفاً على هذا يمكن الإشارة إلى أن الكونجرس الأمريكي ابتعث الأسبوع الماضي، وفداً رفيعا من أجل مناقشة ترتيبات ما بعد رفع الحظر مع الحكومة السودانية، حيث التقى الوفد بالنائب الأول لرئيس الجمهورية – رئيس الوزراء الفريق أول “بكري حسن صالح”، وبرئيس البرلمان البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” ووزير المالية الفريق “محمد عثمان الركابي”، ما يعزز – بحسب مراقبين – فرص رفع الحظر الأمريكي كلياً في أكتوبر المقبل.
ويعود “بابكر محمد التوم” ليسوق الأنظار نواحي سبب آخر يدعم توقعاته برفع الحظر الأمريكي كلياً، يتمثل في تناقص وربما زوال سطوة اللوبي الكنسي والصهيوني في أمريكا، مقابل سيطرة كبيرة “لترمب” على صناعة القرار، مضيفاً أن العالم ينظر للسودان على أنه لاعب رئيس في الحرب على الإرهاب، وفي إيقاف الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر والسلاح فضلا عن الإسهام في هدأة الأوضاع في ليبيا، بما يقلل من الهجرات غير الشرعية إلى أروبا.
وقريباً من حديث “بابكر محمد توم”، فإن الحكومة حصدت مؤخراً ثناءً كبيراً من الاتحاد الأروبي، لدعمه في مجال مكافحة الإرهاب والهجرات غير الشرعية والاتجار بالبشر، وهو ما يعزز – بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور “عبد الله الرمادي” – ترميم علاقات السودان الخارجية.
ولفت “الرمادي” في حديثه لـ(المجهر) إلى أن الإقبال الكبير من قبل الشركات والبنوك الأمريكية للاستثمار في السودان وبناء علاقات تجارية متينة معه، تعتبر دلائل واضحة على جدية الإدارة الأمريكية في رفع الحظر الاقتصادي عن السودان كلياً. مشيراً إلى أن رفع الحظر – حال حدوثه – سيحدث تطوراً ضخماً في علاقات السودان التجارية الخارجية وخاصة مع البنوك الأوربية والأمريكية.
اختراق كبير ..
الناظر إلى علاقة الخرطوم وواشنطن سيجد أنها شهدت اختراقاً سياسياً كبيراً، ولا سيما في الفترة الأخيرة، حيث توالت الوفود الأمريكية على السودان، بينما طار وزير الخارجية البروفيسور “إبراهيم غندور”، ورئيس البرلمان البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” إلى أمريكا، وهناك جلسا – للمرة الأولى منذ فترة طويلة – مع نافذين في البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي، ما كان له تأثير كبير في انعطاف علاقة البلدين نواحي التطبيع. ويرى الخبير الاقتصادي “بابكر محمد توم”، أن تلك الزيارات مهّدت لرفع العقوبات جزئيا، وتوقع أن تسهم في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية الإرهاب، بما يسهِّل لأمريكا الدخول بقوة في سوق الاستثمار السوداني، ولا سيما في ظل تنافسها مع روسيا والصين في أفريقيا.
ولا تنحصر أسباب رفع العقوبات في الأسباب الاقتصادية وحدها، أو في سباق الدول الكبرى في المضمار الأفريقي، فهناك محفزٍّات سياسية فتحت شهية أمريكا وجعلتها تتجه لرفع الحظر، أبرزها – بحسب كثير من الخبراء – طرح الخرطوم لمبادرة الحوار الوطني، وتشكيل حكومة توافقية من خلال الاهتداء بمخرجاته. وليس بعيدا من هذا المنحى، فإن الخبير الاقتصادي دكتور “عادل عبد العزيز الفكي” يرى أن الظرف السياسي في السودان يميل لدعم الرفع الكلي للعقوبات، مشيراً في عموده المنشور بـ(الأحداث نيوز) إلى أن تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وما استتبعه من توسيع المشاركة السياسية في الحكم، وإيقاف العمليات العسكرية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، واستقرار الأوضاع في دارفور، وتسهيل وصول الإغاثة لضحايا الحرب، كلها تبرهن على وفاء الحكومة بمتطلبات المسارات الخمسة الموضوعة من قبل أمريكا لرفع العقوبات، مما يعزز من فرص رفع الحظر الأمريكي كلياً.
ولفت “الفكي” إلى أن أمريكا ترى أن وجود حكومة قوية ومستقرة في الخرطوم، من شأنه أن يدعم الاستقرار الأمني في منطقة القرن الأفريقي، ويمنع تداعيات انهيار الدولة في جنوب السودان، ويدعم الاستقرار في ليبيا منعاً للهجرة غير الشرعية إلى أروبا.
واتساقا مع رؤية “بابكر محمد التوم”، فإن “عادل عبد العزيز”، يرى أن انزعاج أمريكا من التمدد الاقتصادي الصيني عقب إعلان بكين عن تعاقدات آجلة لتوريد البترول لها باليوان الصيني بدلا عن الدولار الأمريكي، بضمان مخزونها الهائل من الذهب، علاوة على خطر التمدد العسكري الكوري الشمالي بعد تجربتها للقنبلة الهيدروجينية والصواريخ البالستية العابرة للقارات، كلها عوامل ترجح قيام الإدارة الأمريكية بمراجعة علاقاتها وتحالفاتها، بما في ذلك العقوبات الأمريكية على بعض البلدان ومن بينها السودان، بما ينبئ بالرفع النهائي للعقوبات الاقتصادية على السودان في أكتوبر المقبل.
ثمرات مأمولة..
حسناً، فيمكن القول- استناداً إلى رأي الخبراء – أن الخرطوم تبدو أقرب من ذي قبل للتخلص من ربقة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ الثالث من نوفمبر 1997م، ويمكن الاستزادة في القول بأن علاقة الخرطوم وواشنطن لا تبعد عن خط التلاقي والتطبيع الكلي، وهو ما يقودنا للتساؤل عن ثمرات رفع الحظر وعن حصائد ذلك التقارب حال حدوثه؟ وهنا يجيب الخبير الاقتصادي الدكتور “عبد الله الرمادي” بأن هذا التقارب يصب في مصلحة إعادة النظر في ديون السودان الخارجية قبالة البنك الدولي بصورة خاصة ونادي باريس والجهات الأخرى بصورة عامة، لافتاً إلى أن الإدارة الأمريكية تعاملت مع قرار فك الحظر الاقتصادي على السودان باستثناء واضح يتجلى في التنفيذ الفوري للقرار لحظة إصداره وهو ما عدّه يتنافى مع القوانين الأمريكية التي تمهل جميع القرارات فترة 6 أشهر لدراستها.
وفي السياق فإن د. “بابكر محمد توم”، يرى أن هناك تغييراً كبيراً في نظرة أمريكا والأسرة الدولية للسودان، لدرجة أنه أصبح في نظرها – والحديث “للتوم” – لاعباً أساسياً من خلال موقعه الإستراتيجي ومن خلال دوره المتوازن في عاصفة الحزم والأزمة الخليجية ودعمه للوساطة التي تقوم بها الكويت، فضلا على أنه لم يعد في نظر العالم دولة متطرفة ولا إرهابية ولا تهدد جيرانها، لجهة أن موقف السودان مع جنوب السودان ظل محل إشادة دولية كما أن استقباله اللاجئين أيضاً محل تقدير.
وحتى تحصد الخرطوم كل الحصائد المتوقعة، فإن “التوم” يرى أن هناك شروطاً واجبة السداد ينبغي على الخرطوم توفيرها فوراً، مثل تهيئة الأجواء لوصول الاستثمار الأجنبي وتحديد فرص لها كما فعلت الحكومة مع روسيا، من خلال تحديد مربعات ومناجم ذهب للاستثمار الأمريكي، ودعا لإزالة التضارب بين المركز والولايات فيما يتعلق بالقوانين، بالإضافة إلى العمل على الاستفادة من أمريكا في مجال التدريب وبناء القدرات.
رحاب عبد الله
المجهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.