المحظور في شارع عبيد ختم .. (جر الشارع) .. أسواق ليلية لها رواج وزبائن !!

ظاهرة اجتماعية حديثة أطلت برأسها مؤخرا ، وكانت محدودة وفي إطار ضيق ، ثم اتسعت دائرتها مع مرور الزمن.. ربما لا يصدق المرء انتشارها السريع كالنار في الهشيم ..يقال عليها جر الشارع ومن المتعارف عليه أن جر الشارع يقمن به بعض الفتيات والنساء، ولكن أن يقوم الرجل بجر الشارع لرجل مثله هذا ما لا يتقبله العقل السليم، فهل هناك شخص يصدق ذلك ؟ وأن صدق هذا القول فيجب على المجتمع أن يستنكره ولا يتمازح به، فعندما سمعت عن هذا الظاهرة حاولت التأكد منها ولو ببعض المعلومات ، خاصة عندما حددت لي بعض المصادر بأن وجودهم في أحد المحطات الكبيرة بأحد الشوارع المشهورة مثل شارع عبيد ختم الممتد من جامعة إفريقيا جنوبا وحتي بداية جسر كوبر شمالا عند التقاطع مع شوارع بري.. هذا الشارع الذي سمي تخليدا لذكرى الشهيد إمام المجاهدين وحفظة القرءان عبيد ختم ، فمن المؤسف أن يكون مسرحا لمثل هذه الظواهر !!.

انطلاقة الشرارة

فالظاهرة ليست حكرا علي شارع عبيد ختم فحسب ، بل تمددت في شوارع أخرى وفي بعض محطات شارع جبرة جنوبي الخرطوم ..هنا توقفت قليلا في محاولة للاستعانة بأحد سائقي الركشة ، ولكن اختصر لي المشوار وقال إنه يعرف بعض المحطات التي يقف عندها الشباب من أجل الطلب وهذه المعلومة عرفها من خلال عمله طوال الوقت في هذه الاتجاهات، ومن خلال معرفته بهم أيضاً ثم أضاف بأن وجودهم بعد الساعة الحادية عشرة ليلا ، وبرغم تأخر الوقت ولكن بالفعل تحركت من المنزل حوالي الساعة الحادية عشرة وربع، حيث بدأت رحلة الجر وكانت بالركشة حيث انطلقنا من بداية شارع عبيد ختم بالخرطوم شرق ..

بداية المشهد

شارع عبيد ختم الذي يبدأ شمالاً من كبري كوبر مرورا بمحطة البلابل ولفة جوبا حيث ينتهي جنوبا عند المركز الإسلامي الأفريقي، ففي أثناء مرورنا بهذا الشارع كان كل شيء يبدو هادئا جداً فحالة الهدوء زادت من مخاوفي ومع ذلك كنت متلهفة لمشاهدة هذه الظاهرة ، والوقوف عليها ميدانيا حتى أصدق ما يقال، ففي بداية الأمر لم يشد انتباهي أي سلوك مريب أو مظهر يلفت نظري منذ بداية الشارع وحتى النهاية لم أشاهد شيئا، فقلت الحمد لله مايقال عن هؤلاء الشباب كذب وافتراء، فقلت لرفيقي: حتى نهاية الشارع لم أشاهد شيئا سوى فتيات الليل!! فاقترحت عليه بأن نعيد الجولة مرة أخرى.

مفاجأة من العيار الثقيل

وهنا حاولت إرجاع البصر كرتين فعندما رجعت إلى بداية شارع عبيد ختم وكل تركيزي بأن أجد شيئا غريبا أو تحركات مشبوهة فعند أول صينية بشارع عبيد ختم وجدت مفاجأة غير سارة وأصبحت أنظر للموقف في ذهول، حيث ظهر شاب لا يتجاوز عمره الخامسة وعشرين عاماً وكان يرتدي بنطالا ضيِّقاً يقال عليه “جي فايس” باللون الرمادي وتي شيرت باللون الأحمر الفاقع (صارخ) ووجهه شديد البياض يبدو أنه من أثر كريمات التبييض وكان يداعب في شعره بأنامله من حين إلى حين آخر بطريقة ايحائية لها أكثر من معنى ودلالة وإشارة ..! وهنا قال لي مرافقي: انظري.. هذا واحد من الجماعة، فسألته هل هذا جاري الشارع ؟! فرد بسرعة وقال لي : نعم وسرعان ما وجهت له سؤالاً آخر: كيف عرفت ذلك؟ قال: انتظري وسوف تشاهدي بعينيك.. واستمر قائلا سوف تشاهدين العجب ! الشاب ذو الشعر “المسبسب” و(المفلفل) في آن واحد كان يبعد مسافة قليلة من بعض الناس الذين ينتظرون المواصلات (رغم أن عددهم كان قليلاً جداً) لتأخر الوقت، ظل منتظراً (فريسته) ونحن كذلك في انتظار من يقلّه فانتظرت ما يقارب الخمس دقائق ولم تقف له أي عربة وبعد برهة من الزمن ظهرت له عربة صغيرة كانت مظللة، فقلت له: ربما كان يعرفه ؟ قال لي: ألم تصدقي؟ فقلت له: لم أصدق…!

وعند لفة المطار تجد المثير

مسلسل الاثارة والتشويق والابهار لم يتوقف عند شارع عبيد ختم بأركويت بل هناك تشابك وتشابه بين شارع عبيد ختم وشارع إفريقيا شرقي العمارات، حيث تحركت إلى أن وصلت لفة المطار إلى شارع مدني شمالاً، ثم قال: أكثر وجودهم يوم الخميس، فعندما وصلنا الحديقة الدولية رأيت واحدا أيضا من الشباب جارّي شارع، وكان مرتدياً بنطالاً وتيشيرت باللون الأبيض ووضع على عنقه قماشا بالأحمر وكان يرتدي ساعة أشبه بأسورة الفتيات، فجاءت عربة كبيرة باللون الرصاصي ولكنها غير مظللة .. أضاء النور الأمامي بطريقة مسرعة ثم أطفأه (كنتك الخطرات) بمعنى تعال ، فتحرك نحوه ذاك الشاب ثم ركب العربة وعندما وصلت مستشفى القلب شاهدت موقفا غريبا بعض الشيء حيث يقف شاب لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين عامًا ويرتدي لبسة كاملة (لبسة هندية) ثم وقفت عربة صغيرة ذات لون أبيض وبها اثنان من الشباب وبعد قليل وقفت أيضاً عربة أخرى بذات اللون فأصبح الشاب بين العربتين فتنحى الشاب جانبا وبدأ متضجرا بعض الشيء فتحرك رفيقي بالركشة نحوه قائلاً له: مالك يا شاب؟ قال له: هؤلاء غير أخلاقيين (عواليق وبعض الكلمات البذيئة ) ثم ضحك رفيقي وتحرك، وظل يضحك وكنت في حيرة مما سمعت، وبعد برهة من الزمن وصلنا إلى صينية السوق المركزي فاتجهنا نحو الشرق في ذات الزلط الرئيس فقال لي مرافقي: انظري لهذه العربة البيضاء إنها تبحث عن ضحية فسألته: كيف عرفت ؟ قال: من خلال ترددي الكثير بهذه الشوارع، قال: سوف أقول لك بعض المعلومات عندما تجدين عربة صغيرة تكثر من الإنارة والانخفاض (الكنتيك) وتسير ببطء وتتوقف، ثم تسير تأكدي بأنها تبحث فلنتبعها، وبالفعل كنا خلفها كلما تحركت العربة تحركنا وكلما هدَّأت من السرعة كان رفيقي كذلك إلى أن وصلت العربة شارع جبرة ..

أوتو ستوب من نوع آخر

وفجأة أوقف رفيقي الركشة ثم بدأ ينادي على إحدى النساء يا – فلانة يا فلانة- وبالفعل وصلت فألقى عليها التحية ثم قالت له: ممكن توصلني معك إلى استوب جبرة؟ هؤلاء الشباب ضيعوا عليَّ شغل سمح خلاص، فعندما ركبت كانت امرأة تبدو كبيرة في العمر ربما تجاوزت الأربعين عاماً ثم سألها رفيقي كيف السوق معاكم ؟ ردت قائلة: للتو وصلت ،ولكن عامة السوق الأيامات دي كعب شديد، ثم سألها مرة أخرى: ناس فلان قاعدين يجوا؟ ردت بغضب شديد: الله أكبر عليهم .. موَّتوا لينا السوق بقينا ما قادرين نشتغل معاهم، ثم سألها مرة أخرى وحالياً بشتغلوا وين؟ قالت له: أكثر شغلنا أصبح في نهاية زلط جبرة وأنت متجه شمال على المكنيكية ثم قالت: أنا وصلت خلاص الاستوب أقيف.. فوجهت لها سؤالا أثناء نزولها (وأنتِي ماشة وين ؟) ردت بكل تلقائية : (عايزة أضرب تلفونات أشوف الحاصل شنو)، فتحركنا في ذات الاتجاه الذي وصفته لنا ومازالت آمامنا العربة الصغيرة، وعندما وصلنا محطة وقود بتروناس وجدنا شاباً يقف وكان يرتدي”رداء مسطرا وتي شيرت بالازرق “.. وهنا توقفت العربة الصغيرة وتوقفنا نحن أيضاً ولكن لم يركب.. يبدو أنه كان يتجادل معه وعندما اقتربت “الركشة” التي كانت تقلنا في هذه الليلة العجيبة، سمعت كلمة “شوية زيدا حبه”، وكانت بطريقة لينة ثم قال لي رفيقي: أنتِ عارفه قاعد يتفق معه على المبلغ ولكن الظاهر بسيط، فلذلك قال له شوية زيدو حبة، ثم أضاف: أنتِ عارفه في جماعة بغشوهم ما بدفعوا ليهم، فلذلك لابد أن يتفق معه في السعر، فقلت له: حتى في هذه الأشياء يوجد الغش؟ ضحك رفيقي فتركناهم يتحاجّون.

حكاية الشواذ

ثم رجعنا مرة أخرى بشارع جبرة الرئيس المتجه إلى السوق العربي فعندما وصلنا الصينية وجدنا أحدهما مقبلا نحو الصينية فانتظرناه حتى وصل ثم قال له رفيقي: (عواطف ازيك)، رد له قائلاً: (بتاع الركشة هوي أحسن ليك أمشي عديل أنا سألتك) ثم ضحك رفيقي، فسألته (كيف تقول له عواطف وأنت شايفوا راجل)؟ فقال لي: (كل الجماعة ديل بنادوا بعضهم بأسماء البنات يعني مثلاً عاطف يقال له عواطف وسالم يقال له سلمى وعوض يقال له عوضية، وهكذا بنادوا بعضهم البعض بأسماء البنات وبتشاكلوا مثل البنات في الجكس (الأولاد ) ويقول لك دا حقي ودا حقك، وهكذا فهذه الفئة من الشباب يقال عليهم الشواذ) ثم بدأ يسرد لي رفيقي بعض المعلومات عن هؤلاء الشباب الذين يجرون الشارع قائلاً: هل تعلمين يا أستاذة أن هؤلاء الشواذ هم قوم لوط وهم شواذ المجتمع ولكل قاعدة شواذ وهذه طبيعة البشر ، فتجدهم أقرب للعنصر النسائي أكثر من الرجالي وتصرفاتهم كلها تصرفات نساء، وهناك بعض الأشخاص يرونهم غير طبيعيين وقد يصفهم البعض بأنهم من شواذ المجتمع فهؤلاء الأشخاص بشر طبيعيون جداً ولكن نسبة لظروف اجتماعية جعلتهم شواذاً وغير طبعيين، فمثلاً هناك من نشأ في وسط مجموعة من الفتيات وترعرع معهن فأخذ كل تصرفاتهن وطريقة حديثهن وتجد البعض منهم يرتدي مثل الفتيات ولو لاحظت كل الشباب الجارين الشارع يرتدون مثل الفتيات وذات التصرفات وتجد معظمهم لصيق جداً بالمطبخ والطباخة والبعض منهم مهنته بالنهار طباخ وليلاً يجر الشارع.

قعدات

وأكثر اجتماعاتهم مكان القهوات (جلسات الجبنات) وأكثر إقامتهم في بيوت سوق المتعة والبعض منهم تجده عند بعض بيوت الطرب (الفنانين والفنانات) وجزء قليل منهم في بيوت بعض الناس المهمين في المجتمع وأصحاب المناصب العليا حتى يشكِّلوا لهم حماية كبيرة (تبادل منفعة) والبعض منهم يصادقون أصحاب المادة (المال ) فهؤلاء الشباب تجدهم دائماً بعيدين كل البعد عن مجتمع الرجال ، وقريبين جداً جداً من مجتمع النساء ،وتجد البعض منهم يدعون الغناء وخاصة الغناء الهابط وأغاني الهمز واللمز (المكايدات والمطاعنات) ولا يستطيعون الغناء في أي مكان إلا في قعداتهم الخاصة أو حفلاتهم الخاصة أو حفلات من هم يشكلون لهم حماية و معظم حفلاتهم التي يقومون بها تجدها من غير إضاءة ( لا توجد كشافات إنارة) حتى يتركوا براحتهم من غير مضايقات عن طريق نظر أو تعليق من قبل الناس المعازيم والبعض منهم يضع في يديه حناء مثله مثل المرأة خاصة إذا كانت لديه حفلة، ويتحدثون مثل الفتيات (الحناكيش) وتجد البعض يتخوف منهم، لأن البعض منهم يتميزون بألفاظ غير لائقة، ثم سألته سؤالاً مباشراً من أين أتيت بكل هذه المعلومات؟ قال: كنت أقطن معهم في منزل واحد وبرحلهم كل مشاويرهم، فلذلك عرفت عنهم الكثير ثم قال: والحق يقال إنهم أشخاص طيبون جداً.

آخر الليل

عندما وصلت المنزل شارفت الساعة على الواحدة والنصف فأكتشف بعد ذلك أن هذه الظاهرة ليست موجودة فقط في شارع عبيد ختم وشارع جبرة ولكنها موجودة أيضاً في مناطق أخرى ومنتشرة فشاءت الظروف بأن آتي بسوق أم درمان وخاصة البوستة ، وفي أثناء مروري بأحد محلات الملابس في سوق أم درمان سمعت اثنين من الشباب يتبادلون أطراف الحديث وكان أحدهما يشكو للآخر فاقترح عليه الآخر، قائلاً: والله بعد دا إلا كان تجر الشارع ، فقلت لنفسي : هل جر الشارع هذا سهل بهذه الطريقة.

هرمون نسائي

فكان لابد أن التقي بإحدى طبيبات علم النفس من أجل تفسير هذه الظاهرة فالتقيت بالدكتورة هالة حاج أحمد ، دكتورة علم النفس والاجتماع قائلة : بالفعل هذه الظاهرة موجودة، ولكن الشباب الذين يجرون الشارع كما ذكرت هم في الأصل ضحايا وفي الغالب تعرضوا لتحرش وحالات اغتصاب منذ صغرهم فأصبحوا على هذا الطريق، ولم يستطيعوا الرجوع إلى حالاتهم الطبيعية، وهناك البعض من الشباب لهم هرمون نسائي أكثر من الرجال فلذلك تجدهم يتحدثون ويتصرفون مثل الفتيات ثم أضافت من الصعب ضبط مثل هذه الظاهرة، لأن وجود شابيْن أو دخولهما في شقة واحدة ليس فيه شك، فلذلك لم تكن واضحة، ولكن هذه لا تفسر بأنها غير موجودة، ومن خلال هذا التحقيق نطالب بوجود عقوبات رادعة لكل مغتصب أو متحرش، أقلها الإعدام حتى نستطيع بتر هذه الظاهرة من جذورها وإلا سوف يصبح الأمر أسوأ من ذلك.

التيار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.