نظرة مغايرة لحياة (الشيخ) .. الترابي .. من منظور (قيصر)

ما يزال زعيم الإسلاميين، الراحل د. حسن عبد الله الترابي، محل جدل وسجال. أفكاره ينتطح حولها الناس، وأقواله متوزعة بين المعارضة والتأييد، ولكن الخلاصة في كونه حياً طالما سارت أفكاره وأعماله وحكاياه في الأرض، هذا وإن كان تحتها أيضاً.

وتحت لافتة (سيوسيولجية السياسية والتاريخ)، أقام مركز التنوير المعرفي منتدى عن الترابي مابين العام 1932- 2016 لإظهار وجه الراحل بعيون أستاذ التاريخ بجامعة الخرطوم ومدير المركز د. قيصر موسى الزين.

ويقول قيصر في مستهل الحديث أن الترابي يمتاز بالعديد من الخصال والصفات التي فرقت بينه وبين أقرانه منذ نعومة أظافره وذلك رغم حرمانه المبكر من حنان الأم التي توفت عنه وهو في سن السبع سنوات.

ويضيف الزين إن د. حسن الترابي كان مشبعاً بالقراءة والكتابة ومهموماً بشأن الإسلام والمسلمين، وهو الأمر الذي يكاد أسهم بشكل مباشر في تكوين شخصيته منذ وقت مبكر عندما دخل في جدال ونقاش مع كبار الأئمة والدعاة حول مسيرة الدعوة ومسلكها حيث استدل د. قيصر الزين بالنقاش الذي دار بين الترابي وأحد قاده الصوفية حول اعتقاد اتباع الحاكم والعلاقة مابين الشيخ ومريديه، ورأي الترابي أن الطرق الصوفية والجماعات الدينية (السلفيون) بأنهم أشخاص كان ينبغي عليهم لعب أدوار أكبر مما يقومون به وسط المجتمع السوداني والاكتفاء بفكرة التابع والمتبوع دينياً، بل العمل على توعية و استنارة المجتمع لإزالة الجهل على الرغم من كون الراحل قد نشأ في بيت يؤمن بـ(التصوف) وصاحب خلفية ختمية.

مداراة

أبان قيصر بأن الترابي سياسي ومفكر كان يهتم بالعمل السياسي على حساب عدم الإعلان عن عديد الأفكار خشية الفتنة ونشوب الخلافات، قائلاً إنه من المؤكد أن حسن عبدالله الترابي لعب دوراً محورياً في رسم التاريخ السوداني في فترة من الفترات بل ووضع بصمة خاصة له حتى وان لم ينجح في تثبيت جميع القناعات ونشر الأـفكار التي كان يحملها.

حيث ركز أيضاً على قضايا العالم المعاصر، وقد استمد هذه النظرة من مكتسبات المراحل الدراسية التي التحق بها من مدرسة حنتوب ومروراً بجامعه الخرطوم والدراسة خارج السودان بجامعة السوربون ودراسته القانون الدستوري والتعرف على ثقافة ونهج السياسية الفكرية المتطورة للغرب أيضاً.

حراك إسلامي

قال قيصر باستفادة الراحل الترابي من المتغيرات التي طرأت على جماعة (الإخوان المسلمون) في خمسينيات القرن الماضي، وشغل الفراغ الذي لحق بها من خلال ظهور ما يعرف بـ(الحركة الإسلامية) وهي الأخرى حملت إطواراً ومفاهيم مختلفة، حيث كان سلوك ونهج الوسطية ومخالفة قناعة رئاسة الجماعة والتنظيم الدولي بالاحتكام إلى الديمقراطية الحديثة وهي ماعرف بالشورى عند الإسلاميين.

بيد أن قيصر ألمح إلى خصلة أخرى كان يتمتع بها الترابي، وهي أمر قد يوصف بالمعيب في القدرة علي التكيف مع الجميع الأوضاع والأنظمة السياسية ، وهي أن الترابي كان براغماتياً في بعض الأحيان عازيًا ذلك إلى مقولة كان يرددها الترابي نفسه عندما يسئل عن هذا الأمر بأن الأمور تقتضي الوجود في كافة الظروف والأوضاع ما قد يجعلك تضطر إلى التكيف والتكتيك لأجل عبور ما أـنت فيه حال واجهتك أزمة.

واقعية

يمضي قيصر موسى الزين بالحديث في أحد محاور سيوسيلوجية الترابي بأن شخصيته قد رسمت في أوقات كثيرة صورة مخالفة لما هو متوقع حيث كان يعتقد البعض أن الترابي قد يكون شخصية أسطورية.

بيد أن نتيجة وحصيلة مسيرة الترابي أنه يمكن الول بأنه استطاع النجاح في تحقيق ما كان يصبو إليه سياسياً و فكرياً، قائلاً إنه يود التأـكيد على أن الراحل شخص امتاز بالربط ما بين فترات تاريخية مختلفة والخروج من النمط المعتاد لعديد من السياسيين والمفكرين السودانيين والعرب والأوربيين أيضاً بينما كانت السلطة واحده من الوسائل والأدوات عند الترابي لتحقيق المبتغي والهدف.

لافتا إلى أن أولوية الترابي كانت العمل السياسي، مع مراعاة جوانب من الأهمية بمكان خاصة الاجتماعية منها والقدرة على إحداث التماسك مع الإدراك والمعرفة التامة أن الجماعة كانت تقوم على النزوع العملي وهدف الوصول للسلطة باعتبار أنها مفتاح التغيير.

مشدداً على واقعية الترابي، وقال هو صاحب معتقد أن الدولة هي المفتاح وبخلاف ذلك بالإمكان أن يذهب كل شي هباءً منثوراً من دون تحقيق وحصد أي فؤائد تذكر.

نجاح

ينوه قيصر بأن الترابي لم يكن من الأشخاص الذين يصرون على تطبيق نهج ومفهوم وضع تأسيس لدولة ذات طابع أسلامي بالسودان، وشرح بأنه يعني القوانين والدستور حيث كان يضع في الاعتبار ويراعي لحالة التعدد والتنوع الاجتماعي الذي يعيش فيه أهل السودان. لا سيما أن الإيمان العميق والقناعة الراسخة لشخصية الترابي بأن تجربة حكم الإسلاميين للسودان ومامرت بها من متقلبات كانت ناجحة وهو ماذكره الترابي في لقائه الشهير مع الإعلامي المصري بقناة الجزيرة، أحمد منصور، ببرنامج شاهد على العصر وبث بعد رحيله.

ليبقى

مؤكد أنه مهما اختلف الناس مع شخصية الترابي، فهو يظل علامة فارقة في تاريخ السياسة السودانية لما له من قدرات وإمكانيات استطاع بها الوصول إلى السلطة والدخول في خصومات وخلافات أفضت به إلى غياهب السجون في كثير من الأحيان من قبل الأنظمة التي تعاقبت على حكم السودان ، حيث أن الثمانين عاماً من عمره سخرها لأجل توصيل مفاهيمه وأفكاره وكسر حواجز الأنماط الاجتماعية الموجودة والمتوارثة سياسياً واجتماعيا.
الهضيبي يس
الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.