سويسرا وأموالها الطائلة.. لماذا أصبحت تمثل مشكلة كبرى لدول العالم؟

بفضل جهوده الرامية إلى إضعاف الفرنك، تمكّن البنك الوطني السويسري من جمع 750 مليار دولار من الأسهم والسندات والنقد. وهو ما أثار نقاشاً حيوياً حول ما يجب على الدولة فعله بهذه الأموال، وعن مالكيها.

في الوقت الحالي، يحتفظ البنك الوطني السويسري بهذه الأموال، مستثمراً إياها حول العالم، لكن ليس في سويسرا. على سبيل المثال، استثمر البنك 2.7 مليار دولار في أسهم شركة أبل بنهاية مارس/آذار.، وفق ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

ويعتقد بعض المشرعين والعديد من الاقتصاديين أن صندوق الثروة السيادية المُنشَأ خارج البنك الوطني السويسري عليه أن يستثمر قسطاً من أمواله في الوطن.

العام الماضي، بلغت أرباح البنك الوطني السويسري 24.5 مليار فرنك (25.4 مليار دولار)، أو ما يعادل 3000 دولار تقريباً لكل مواطن سويسري.

والبنك الوطني السويسري ليس الوحيد القادر على إدرار الأرباح. العام الماضي، حقق جهاز الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حوالي 100 مليار دولار من حافظة السندات الخاصة به. وتمكنت البنوك المركزية لمنطقة اليورو من تحقيق الأرباح كذلك، إلا أنها مررت قدراً كبيراً منها إلى خزاناتها.

وتسمح الاتفاقية الحالية بين البنك الوطني السويسري والحكومة، والمستمرة حتى 2020، بتوزيع أرباح تُقَّدَر بحوالي ملياري فرنك سنوياً. وكان البنك الوطني قد وضع معظم أرباحه في هيئة مصدات مالية للحماية من الخسائر الضخمة في الأوراق المالية، مثلما حدث قبل عامين حين ارتفعت قيمة الفرنك.

قانون جديد

وفي الوقت ذاته، يرغب عشرات البرلمانيين السويسريين في تغيير الاتفاقية، في يونيو/حزيران دعموا تشريعاً قدمته المُشرعة الاشتراكية سوزان ليوتِنيغر أوبرهولزر لاستخدام بعض الاحتياطات المالية وأرباحها لإنشاء صندوق سيادي للثروة. وعلى عكس البنك الوطني السويسري الذي يستثمر احتياطاته في أصول خارج سويسرا فقط، من شأن الصندوق السيادي أن يستخدم هذه الأموال في الداخل السويسري، معززاً من النمو طويل الأمد، حسبما يقول داعموه.

وذكر مشروع القانون أنه “يجب استثمار جزء من الاحتياطات النقدية، أو الإيرادات التي تولّدها على الأقل، لصالح العامة والأجيال المستقبلية منذ الآن، بما في ذلك استثمارات البنية التحتية أو في الصناعات ذات الأهمية الاستراتيجية”.

إلا أن فرص تمرير هذا القانون ضئيلة في الوقت الحالي، فالبنك الوطني السويسري متشكك في الفكرة، والجناح التنفيذي السويسري راغب في الإبقاء على الأموال في أيدي البنك المركزي، إلا أنه من المرجح أن يستمر الجدال مشتعلاً، خاصة إن استمرت الاحتياطات في تحقيق المزيد من الأرباح.

ويجنى البنك الوطني السويسري الأموال جراء رغبة العديد من الأجانب في التمتع بأمن الأصول السويسرية، وضخهم السيولة النقدية إلى سويسرا. ولمنع قيمة الفرنك من الارتفاع والإضرار بالمصدرين السويسريين، طبع البنك المركزي المزيد من الفرنكات السويسرية وباعها، وهو ما ترتب عليه ملكية البنك المركزي الكثير من الأصول الأجنبية، التي حصل عليها مجاناً تقريباً.

ورفض البنك الوطني السويسري التعليق على مشروع القانون الحالي، إلا أنه رفض سابقيه. وصرّحت المتحدثة الرسمية باسم البنك الوطني بأن “تحويل أجزاء من هذه الاحتياطات إلى صندوق سيادي للثروة، من شأنه أن يقيد قدرة البنك الوطني على إدارة السياسة المالية”، في إشارة إلى احتمالية إنشاء صندوق سيادي للثروة.

بالإضافة إلى أن بيع أسهم أبل وتحويل العائدات إلى فرنكات سويسرية لأجل بناء الطرق والجسور على سبيل المثال، من شأنه أن يرفع قيمة الفرنك السويسري مجدداً وهو ما لا يرغب البنك الوطني السويسري في فعله.

وكان المجلس الفيدرالي السويسري، الجناح التنفيذي للدولة، قد رفض اقتراحاً مشابهاً في السابق، في ديسمبر/كانون الثاني، مشيراً إلى حسن إدارة البنك الوطني السويسري لأمواله. وسيعلن موقفه من أحدث مشروعات القوانين المقدمة في الخريف. ولا يمكن للحكومة الاستيلاء على احتياطات البنك الوطني السويسري مباشرة، بل سيكون عليها تعويضه، عن طريق الديون على الأرجح، إلا أنه سيكون بوسعها استخدام أرباحه المستقبلية التي تسلمتها بالطريقة التي تراها.

صناديق سيادية

وتمتلك العديد من الدول الأخرى صناديق سيادية للثروة. تملك النرويج واحداً لإدارة ثروتها النفطية، وتمتلك الصين وسنغافورة صناديق لإدارة احتياطاتها الأجنبية. ما يُفرِّق سويسرا عن غيرها هو أن الفرنك السويسري ليس مجرد عملة، بل يُعامَل كسلعة مماثلة للذهب أو النفط، لاسيما بعدما أثبت قوته وثباته، خاصة في أوقات عدم اليقين العالمي، بفضل الاقتصاد السويسري الثري، ودينه المنخفض.

وذكر ديدييه سورنيت، الأستاذ بالمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ، في بحث أجراه عام 2015 لدعم الصندوق السيادي للثروة في سويسرا أن الفرنك يعتبر “نوعاً من موارد السلع الافتراضية” التي ينبغي مشاركة قيمته “مع جميع المواطنين ويقدم [الصندوق السيادي السويسري] أداة طبيعية لذلك”.

ونشر البنك الوطني السويسري أرباح النصف الأول التي وصلت إلى 1.2 مليار فرنك، وهي قيمة أقل من المعتاد، حيث وازن اليورو الأقوى الدولار الأضعف. كما ربح أيضاً بعض الفوائد والأرباح. ويمكن أن يحين دور الجزء الرئيسي إذا ازداد ضعف الفرنك بشكل واسع وبدأ البنك الوطني السويسري في بيع الأسهم والسندات الخارجية لدعم العملة، وتحويل الأرباح الوهمية إلى أرباح حقيقية.

وصرّح دانيال كالت، أحد كبار الاقتصاديين السويسريين لدى مجموعة UBS: “قد ينتج عن ذلك ما يقرب من 40-50 مليار فرنك كأرباح [على مدار 3 أعوام]، وليس فقط على الورق (أرباح وهمية) لكن أرباحاً حقيقية” في حالة ضعف الفرنك وتمكُن البنك الوطني السويسري من عكس معاملات الميزانية العمومية ببطء. وتتمثل فكرته في أخذ الأرباح التي يمكن تحصيلها – التي يقول بأنها قد تصل إلى 15 مليار فرنك في العام – كرأس مال ابتدائي لإنشاء صندوق.

هاف بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.