عندما يموت الناس بالسيانيد

ادى انتشار التعدين الاهلى فى السودان الى احداث تلوث كبير فى البيئة ، وتحولت الارض الطينية الخصبة والمناطق الريفية النقية والهادئة الى اكبر مكان للتلوث ، حيث يستخدم المنقبون ذات الاساليب التى تم بها استخراج المعادن فى عهد الممالك الفرعونية حيث وجدت مؤشرات عن السيانيد في المومياوات ، وبذات القدر فإن اراض شاسعة من السودان تتعرض الى هذا التلوث ، بينما تتبادل مؤسسات الدولة ووزارتها ومستوياتها (المحليات ، والولايات ، والوزارات ) الاتهامات دون ان يكون هناك بروتكول محدد لاستخدام هذه المواد الخطرة ، ليس على الراهن وانما على المستقبل ، وحسب التعريفات الطبية فإن تسمم السيانيد ( إما بشكل حاد وسريع أو بصفة بطيئة مزمنة ، ويعمل السيانيد، حال دخوله الجسم بشكل سريع، على ظهور أعراض التسمم ، والتي تشمل الصداع والدوخة وعدم التوازن في الحركة وضعف نبض القلب وظهور اضطرابات في إيقاع نبض القلب والقيء والتشنج والدخول في غيبوبة والوصول إلى مشارف الموت، ربما خلال دقائق).
أما التعرض المزمن لكميات ضئيلة ومتواصلة من السيانيد، فقد يُؤدي إلى رفع نسبة السيانيد في الجسم، ما ينتج عنه ضعف متواصل في عضلات الجسم والجهاز العصبي ، والسيانيد الان يتم استخدامه على نطاق واسع ، ويحمله الهواء الى مناطق السكن ، ويتسرب فى الارض ومع بشائر الخريف تحمله السيول الى الوديان والحفائر ، ويكون مهلكا للناس وللحيوان ، وقد يتغلغل فى الآبار ويختلط بمياهها النقية ويمثل خطرا ماثلا للاجيال القادمة وللحاضر.
(2)
لقد شكل التعدين الاهلى نقطة فارقة فى حياة الكثير من الاسر والمجموعات واحيا مناطق كثيرة واحدث اعادة توازن للاقتصاد السودانى بعد انفصال الجنوب ، وسجل السودان نقلة كبرى فى الانتاج حيث احتل المركز الثانى افريقيا وازاح غانا بعد ان تجاوز انتاجه 09 طنا سنوياً ووفر للخزينة موارد تفوق 3 مليارات دولار ، وقد نشطت الوزارات فى تطوير السياسات التسويقية للذهب ، وطرق منح الترخيص لشركات التنقيب ومع الضغط الشعبي تطور الامر الى مساهمات اكبر فى جانب المسؤولية الاجتماعية وتخصيص نسبة معينة ، وتلك كلها مبادرات واسهام جيد ، ولكن ما زال الاهتمام بالبيئة والانسان راهنا ومستقبلا فى محطة متأخرة ، وحتى القوانين المنظمة ما زالت رهن التداول والحوار والنقاش والجدل وتحديد الصلاحيات .
(3)
ان عمليات (الكرته) وبناءً على مشاهدة تجرى على مقربة من المنازل ، ويحمل الهواء روائح المواد السامة وسيكون لذلك اثره فى تزايد حالات الربو والامراض التنفسية ، وعلى الاقل هذا ما نشاهده فى سهل البطانة ، وفى الوديان حيث مجرى المياه والسيول ومراتع الثروة الحيوانية ، يتسرب السيانيد والزئبق فى التربة ونخشى ان تتحول هذه الارض البكر الى وحل من التلوث البيئى والسموم المتراكمة.
ان اى تصديق للاستثمار ولاى شركة لابد ان يكون قرينا بقدرتها على التخلص من هذه المواد الضارة وان يتم تحديد بروتكول واضح يحدد كيفية التعامل مع المواد الضارة ، وان يتم احكام التنسيق بين وزارتى البيئة والمعادن لضمان قياسات مستمرة للبيئة ومصادر المياه والمرعى وتسريع القوانين الضابطة للاداء ، وربما من المبكر الحديث عن صحة المعدن والتأمين على حياته وعمق الابار واجراءات السلامة ، فما زلنا فى مرحلة حماية المجتمع ثم حماية الفرد ، وتلك لعمرى حالة بئيسة.
الصحافة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.