الفريق طه عثمان

في موسم حج العام الماضي كنت في خيمة واحدة مع البروفسور محمد الأمين مدير جامعة النيلين..فجأة قفزت رسالة في (الواتساب) من أحد مصادري تفيد بصدور قرار بإعفاء الأمين من منصبه ..حاولت بشكل دبلوماسي أن أتحسس الأمر مع بطل الفيلم شخصياً.. وجدته خالي الذهن بل يمتليء حماساً بخطط تطوير جامعته..لكن بعد وصولنا الخرطوم بعد نحو أسبوع كان القرار قد تم بثه في الوسائط الرسمية ..حينما تسلم الأمين القرار الرئاسي كان تاريخه يعود إلى أيام خلت..هذا يعني أن الخبر قد تسرب من القصر الأبيض قبل أن يصل إلى العنوان الصحيح .

منذ نحو (٤٨) ساعة أو يزيد سرت في الأسافير والصحف الإلكترونية أخباراً تفيد بإعفاء الفريق طه عثمان من منصبه كمدير لمكاتب الرئيس..تطورت الشائعة وأصبحت خبراً يُسيطر على كل مجالس الخرطوم..رغم ذلك لم يصدر توضيحاً رسمياً يؤكد الخبر أو ينفيه..مازالت الحكومة تتعامل مع الإعلام بالذهنية القديمة التي تعتقد أن المواطنين سينتظرون سماع القرارات المهمة من نشرة الأخبار براديو أم درمان ..الحقيقة أن الإعلام الجديد أعاد دمج الأدوار..لم يعد هنالك مرسل للمعلومة وآخر مستقبل لها ..ربما العامل البسيط الذي يقدم واجب الضيافة في المكاتب السيادية يكون مصدراً لأهم خبر.

بالطبع من المحتمل أن يتم إعفاء الفريق طه عثمان ومن قبل ذلك تم إعفاء صلاح قوش دون أن تتوقف عقارب الساعة الحكومية ..بل أن تغيير مديري المكاتب في الأحوال العادية لا يحتاج إلى كثير من المبررات السياسية باعتبار أن شاغل الوظيفة موظف تنفيذي وليس صانع سياسة..لكن مشكلة الفريق طه عثمان والتي أشرت إليها في مقال سابق تكمن في كونه موظف صغير يطّلع بأعباء كبيرة..وكان من الأفضل إعادة ضبط ذاك الوضع حتى يتسق مع الوصف الوظيفي لكن ذلك لم يحدث..لهذا يكتسب أي خبر سالب أو موجب عن الفريق طه زخماً إعلامياً تحتاج معالجته إلى حكمة.

هنالك عدد من السيناريوهات في حالة الفريق طه عثمان.. إن صح خبر الاستغناء عن خدماته لا أعتقد أن ذلك وقتاً مناسباً وبين يدي الرجل ملفات كثيرة ومعقدة ترتبط بمستقبل البلد بكامله..في مثل هذه الحالة يتم الإبعاد عن الأضواء بشكل متدرج كما حدث مع الفريق صلاح قوش الذي تم تعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية لبعض الوقت قبل أن يتحول لاحقاً إلى سجين سياسي بتهمة تدبير انقلاب عسكري.. أي تحريك للفريق طه يمكن أن يقرأ كذلك في أجواء الأزمة الخليجية التي لا تقبل أطرافها موقفاً عقلانياً من السودان .

السيناريو الآخر أن الخبر مجرد إشاعة أو أن هنالك نية لم تكتمل أركانها.. هنا كان من الواجب على الدولة أن تتحرك لحماية شاغل وظيفة عامة.. لم يكن المطلوب أن ترد الحكومة برسالة واتساب.. بل هنا المطلوب صناعة خبر يظهر فيه الفريق طه..مثل أن يقابل وزير خليجي أو يجري مقابلة صحفية محدودة ..أو حتى يظهر مع الرئيس في برنامج الراعي والرعية في ليالي رمضان.

بصراحة..بات هنالك خلل واضح في مؤسسة الرئاسة.. هنالك ثقرة إعلامية لم يتمكن الدكتور عبدالملك البرير من سدها رغم أنه يشغل وظيفة مرموقة تعني بردم المسافة بين السياسة والإعلام ..ولعل الإجابة على سؤال أين طه عثمان يبرز زوايا هذه الأزمة السياسية والإعلامية.
الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.