تكاليف باهظة وتنقل مستمر .. إيجار المقار الحكومية.. وزارات تحت رحمة (السماسرة)

برغم فخامة المبنى، وتطاول عمائره، واصطفاف عشرات الفارهات الـ (جياد) ذات اللوحات الصفراء الحكومية تحت ظلاله، تفاجأ بأن المقر الحكومي للوزارة الرفيعة محض مقر مؤجر بمبلغ مالي ضخم جداً، والمفارقة أن صاحب العقار عادة ما يزايد الوزارة ويخيرها بين رفع قيمة الإيجار أو رمي مقتنيات الوزارة في الشارع العام، ولا تجد الأخيرة بداً من النزول عند مطالبه.

وزارات وإيجارات

ثمة أكثر من خمسة وزارات لا تملك مباني حكومية خاصتها وتلجأ للإيجار من الأفراد لتوفير مبني يكون مقراً للوزارة. من أبرز تلك الوزارت العمل والإصلاح الإداري، والتعاون الدولي، وتنمية الموارد البشرية والاستثمار.

وبالعودة للوزارات المذكورة آنفاً نجد أن وزارة العمل والإصلاح الإداري تستأجر مبنى ضخماً يطل على شارع الجامعة بمبلغ مالي يقدر (72.000.000) جنيه وهو ما جعل الوزير أحمد بابكر نهار يتظلم لدى البرلمان يوم (الاثنين) ويشكو من ارتفاع الإيجار واصفاً المبنى بأنه يفتقر للمواصفات البيئية السليمة.

ولم يكن أحمد بابكر نهار وحده من يشكو من ارتفاع الإيجارات فقد سبقه في ذلك وزير التعاون الدولي إدريس سليمان الذي وقف أمام البرلمان قبل أسبوعين يشكو حال وزارته وقال: إنهم في السوق بمعنى أن الوزارة تستأجر مبانيها، وقد تستعين في ذلك بالوسطاء (السماسرة)، مطالباً بأن توفر لهم الحكومة مقراً دائماً يضم كل الإدارات بالوزارة.

وقبل عام ونيف طالب وزير تنمية الموارد البشرية الصادق الهادي المهدي بأن يكون لوزارته مقراً دائماً بدلاً من الإيجار الذي تعاني الوزارة من ويلاته بسبب المبالغ المالية الضخمة التي تدفع له.

ولا تملك وزارة الاستثمار مقراً دائماً وتستخدم الإيجار وسيلة في توفير مبان لإداراتها المتعددة، وهو ما كان محل شكوى الوزير مبارك الفاضل، في الوقت الذي تجلس فيه وزارة الإرشاد والأوقاف على رصيف الإيجار، وبالبرغم من كثرة مباني الأوقاف بالسودان إلا أن الوزارة لا تزال تتجول في المباني المؤجرة!!.

يذكر أن الأوقاف كانت تستغل مبنى يتبع لها ويطل على شارع النيل على أيام الوزير أزهري التجاني، بيد أن الوزارة فضلت الانتقال لمبنى آخراً بعد هدم المبنى لدواعٍ تتصل بالتعمير والتجميل .

شكوى دائمة

الشاهد في الأمر أن البرلمان ظل يتلقى شكاوى متكررة من الوزراء حول عدم توفير مبانٍ ثابتة لوزارتهم مما يضطر المالية لدفع مبالغ ضخمة تذهب كإيجارات على ميزانية الوزارات، وظل وزير العمل والإصلاح الإداري أحمد بابكر نهار أكثر الوزراء شكاية من الإيجارات التي تعاني منها وزارته، في مقابل ذلك اضطرت الوزارة للانتقال من برج فخيم بشارع الجامعة إلى برج آخر بذات الشارع لتقليل الصرف البذخي على الإيجار .

أبراج تحت التشييد

قبل أسابيع خلت استصرخ وزير التعاون الدولي إدريس سليمان نواب البرلمان مطالباً بتوفير مقر ثابت لوزارته وقال: إن الإدارات المختلفة بالوزارة أصبحت في السوق، ويجب توفير مبانٍ للتعاون الدولي.

وبالرغم من (مانديت) الوزارة المهم، فإن التعاون الدولي مرت عليها سنوات ووزراء كثر من لدن جلال الدقير وكمال حسن علي إلا أن الحكومة فشلت في توفير مقر ثابت لها، ولكن اللافت للأمر أن ثمة برج قيد التشييد يطل على شارع الجمهورية يحمل اسم برج التعاون الدولي.

ومن المعروف أن الوزارة كانت تعمل ضمن مبانٍ تتبع للتخطيط، ثم تحولت لمجلس الوزراء، وتم تعمير المباني بشكل عمارة ضخمة، ثم انتقلت لمباني وزارة المالية بعد حل الوزارة.

في المقابل تمكنت أكثر من وزارة من تشييد أبراج ضخمة خاصة بها ومن ثم تمزيق فاتورة الإيجار.

ما وراء الإيجارات

يرجع كثير من المراقبين أن كثرة إيجارات الوزارات يرجع لإنشاء الحكومة وزارات من أجل الترضية الأمر الذي أسهم في تكاثر الوزارات والفشل في توفير مبانٍ لها ويرى خبراء أن الحل في دمج الوزارات لتوفير أموال الإيجارات بصورة عامة سواء كان إيجار مباني أو إيجار عربات للعمل في خدمة الوزارات .

وزراء بدون مكاتب

إلى ذلك نما إلى علم (الصيحة) أن ثمة أكثر من وزير دولة لا يملك مكتباً خاصاً به ضمن الوزارات جراء ضيق المساحة الممنوحة للوزارة، ولجأ كثير من الوزراء لاستخدام مكاتبه الخاصة بدلاً من مكاتب الوزارات التي يعملون بها .

وفي الصدد يرى الخبير الاقتصادي أحمد مالك أن إيجارات المباني الحكومية تفتح الباب واسعاً أمام الفساد، بالتالي تصبح الدولة هدفاً لجحافل المفسدين والسماسرة، وقال مالك لـ (الصيحة): إن ضعف الخدمة المدنية أسهم في لجوء الحكومة للسوق، وقال: إن على الدولة عدم اللجوء إلى السوق أو الإيجار، وإنما عليها أن تقوم بتوفير مبانٍ لكل جهاتها الحكومية، واردف بيع المباني الحكومية مثل النقل والمخازن أسهم في تفشي ظاهرة الإيجارات.

وينبه أحمد مالك بأن بعض الموظفين باتوا يستغلون الإيجارات عبر العمل كسمسارة والمغالاة في أسعار الإيجار، وربما يكون المؤجر هو أحد المالكين لمبنى الوزارة ويعمل بها كموظف.

حل حكومي

يشير أحمد مالك إلى أن الحكومة تملك الحل الناجع لمسالة الإيجارات خاصة وزارة المالية التي تمتلك مبانٍ كثيرة في العاصمة الخرطوم، عطفاً على موجود مباني للمؤسسات العسكرية فارغة دون أن يشغلها أحد، ويمكن أن تعمل الحكومة على استغلالها وتمزيف فاتورة الإيجار .

الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.