هل ستوافق الحكومة تفتيش السجون من قِبَل “الصليب الأحمر” .. خط رفيع بين السيادة والانقياد

“13” عاماً والحكومة تدرس طلباً لتفتيش السجون

القضاء: السودان استوفى الأحد الأدنى من المعايير الدولية لحماية النزلاء

القانون يمنح اللجنة الدولية طرح المبادرة ومن حق الحكومة الرفض أو القبول

السجون: محكومون بالإعدام تمتعوا بـ “الخلوة الشرعية” وأنجبوا وهم داخل الحبس

الخرطوم: محمد جادين

تشهد البلاد حالة من الحراك الدؤوب في حقول التشريعات في جانب مواءمتها مع القوانيين الدولية، إلا أن الأمر يمضي بصورة “سلحفائية” في بعض الملفات رغم التقدم في أخرى، ومنذ العام “2004” والحكومة تدرس طلب اللجنة الدولية للصليب الأحمر لزيارة السجون في البلاد لتفقد أوضاع “المحرومين من الحرية”، تُفاضل ما بين المزايا والسلبيات في هذا القرار، وتبحث عن خيط رفيع بين الشفافية والاحتكام للقوانين الدولية دون المساس بـ “السيادة” وهو ما تدرسه اللجنة الوطنية للقانون الإنساني المُكلفة من وزارة العدل لدراسة “الأسس القانونية الدولية والوطنية لزيارة لجنة الصليب الأحمر للأشخاص المحرومين من حرياتهم بسجون البلاد المختلفة”.

أسس قانونية

عقدت اللجنة الوطنية للقانون الإنساني ورشة بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمعهد العلوم القضائية بالخرطوم استمرت أكثر من ست ساعات، ضمت خبراء وقضاة وقانونيين بجانب إدارة السجون ومنظمات المجتمع المدني والمهتمين بهذا الشأن للخروج برؤية قانونية واضحة تعين الجهات ذات الصلة حول زيارة “الصليب الأحمر” لسجون البلاد.

في بداية الورشة، قدم رئيس البعثة الدولية للصليب الأحمر في الخرطوم جيرارد بيترنييه شرحاً وافياً عن الأسس القانونية الدولية التي تسمح للمنظمة ممارسة نشاطها من خلال اتفاقيات “جنيف” الأربع التي صادق عليها السودان، وأعلن أن البعثة قدمت طلباً لزيارة السجون في السودان منذ العام 2004، وقال إن الحكومة لم ترد عليهم بخصوص هذا الطلب لفترة تجاوزت ثلاثة عشر عاماً، وأوضح أن اللجنة في حالة النزاعات غير الدولية والظروف المحلية الأخرى التي تؤدي لفقدان البعض حرياتهم فإن كل ما يمكن أن يفعله “الصليب الأحمر” تقديم مبادرة يعرض من خلالها خدماته على السلطات الحاجزة باتخاذ تدابير لتوفير ظروف احتجاز مقبولة في ظل غياب الحد الأدنى من الضمانات التي تكفل سلامة الفرد، ونوه إلى أن الدولة لها حق الرفض في قبول زيارة الصليب والهلال الأحمر لتفقد السجون.

أعراف سودانية

من جهته، أكد نائب رئيس القضاء مولانا محجوب الأمين أن السودان استوفى الأحد الأدنى في القوانين الدولية المُتعلقة بحماية الأشخاص المحرومين من حرياتهم في جميع الإجراءات ما قبل المحاكمة والتحري والاحتجاز وتنفيذ الأحكام في جميع السجون الاتحادية والولائية والمحلية، أن التفتيش القضائي للسجون مستمر بموجب الرقابة القضائية على الأحكام، وأشار إلى أنه يوجد في كل ولاية قاضي استئناف مكلف برفع تقرير شهري لرئيس القضاء عن نتائج مراقبة السجون وأوضاع النزلاء، وقطع بأن جميع الجهات خاضعة لرقابة المحكمة العليا بما فيها جهاز الأمن وفقاً للدستور، وأكد أن النزلاء في سجون البلاد يتمتعون بحقوق تفوق حتى الموجودة في القوانين الدولية استناداً على الأعراف السودانية، منها “الخلوة الشرعية” وأكد أنها أصبحت معممة في كل السجون، وقال “إنها حدت من جرائم الشذوذ الجنسي داخل السجون”.

مسؤولية وحماية

وشرح منسق قسم الاتصال المستشار باللجنة الدولية للصليب الأحمر البروفيسر أوميش كلام، ما يمكن أن تقدمه البعثة من خدمات تعين الجهات المختصة في ترقية بيئة السجون وفي جوانب أخرى كالإطعام وتقديم خدمات صحية وقبل ذلك المُساعدة في حماية وضمان احترام كرامة حقوق الإنسان، وأشار إلى أن هذا مبدأ أساسي على الدول والجهات ذات الصلة أن تضطلع بمسؤولياتها تجاه من تحتجزهم وحماية كرامة وسلامة جميع الفئات من سجناء الحروب وأسرى النزاعات الدولية والمحلية والمدنيين الموجودين في أماكن الحروب والكوادر التي تعمل في المجال الإنساني والجرحى والغرقى وأفراد الطواقم الطبية ورجال الدين، ونوه إلى أن أطراف النزاع تقع عليها مسؤولية توفير الحماية لهؤلاء الضحايا في أربعة جوانب أساسية تتمثل في إيقاف الانتهاكات، والحد من تأثيراتها، وعدم السماح بتكرارها والعمل على إيجاد مُحاسبة لمرتكبي هذه التجاوزات.

وأوضح أوميش أن “الصليب الأحمر ” في زيارته للسجون يعتمد على الحوار الثنائي والسري والشفاف مع إدارة السجن نفسها، وقال إن الحديث لا يتجاوز محل الاحتجاز، ما لم يلتزم المسؤول المُباشر باحترام الحماية، وقال إن المنظمة فقط كل ما تفعله في هذه الحالة إخطار المسؤول الأعلى منه في الإطار المحلي.

أوضاع السجون

من جانبه أكد ممثل إدارة السجون العقيد محمد حسن محمد سنادة في ورقة بحثية عن “السجون، الإصلاح” أن النزلاء في البلاد يتمتعون بحقوق تفوق الموجودة في القوانين الدولية مثل “الضمانة” والزيارة الزوجية “الخلوة الشرعية”، وأشار إلى أن عدداً كبيراً محكومون بالإعدام تمتعوا بـ”الخلوة الشرعية” وأنجبوا وهم داخل السجون، بالإضافة إلى قبول نزلاء في الجامعات امتحنوا من داخل السجون، وأشار إلى أن كل القوانين واللوائح الخاصة بالسجون منذ العام 1925 حتى آخر قانون صدر في 2013، وآخر لائحة سنة 2017 جميعها متوافقة مع القوانين الدولية لحماية النزلاء، بل شملت مزايا لا توجد في القوانين الدولية استناداً على الأعراف السودانية، وأشار إلى تمتع النزلاء بالضمانة الفردية والجماعية وضمانة الـ “5” أشخاص من القبيلة الواحدة.

وتحدث سنادة من واقع تجربته وعمله في السجون المختلفة استناداً على دراسة أعدها بوصفه شاهد عيان، وقال إنه في العام 2010 بسجن كوبر عايش تجربة المحكومين بالإعدام من حركة العدل والمساواة الذين تم القبض عليهم في أحداث أم درمان في العام 2008، وأكد أنهم تمتعوا بكافة الحقوق منها الخلوة الشرعية وأنجب بعضهم وهو داخل السجن، بالإضافه إلى آخرين امتحنوا لشهادة الأساس والثانوي من السجن وتم قبولهم في الجامعات، بل تمت مناقشة رسالة دكتوراه لنزيل محكوم بالإعدام.

وفي جانب الزيارات للنزلاء، قال إنها في السودان تفوق المعايير العالمية التي تمنح الزائر حق رؤية السجين من خلال كابينة زجاجية أو من خلال حاجز التحدث معه عبر الهاتف، وأضاف: “هذا الواقع ليس موجوداً لدينا في السودان والزيارات تتم بصورة مباشره”.

وأكد سنادة وجود رقابة لصيقة من القضاء نفسه عبر مسؤول مهمته تفتيش السجون في البلاد، هذا بجانب جهات أخرى تجري زيارات تفقدية للوقوف على حقيقة الأوضاع مثل اللجنة القانونية بالمجلس الوطني.

وأقر سنادة بأن أوضاع السجون لم تصل مرحلة الكمال وأشار إلى مشاكل الاكتظاظ وتردي البيئة، وقال إن السجون أصبحت قديمة جداً وتحتاج إلى إعادة تأهيل وأعلن عن بناء “5” مؤسسات إصلاحية ذات سعات كبيرة في ولايات البلاد المُختلفة.

وأشار إلى أنه في حال الاكتظاظ الشديد تتحرك إدارة السجون مع القضاء لتفريغ الدوائر ومعالجة أوضاع النزلاء الذين استوفوا شروط إطلاق السراح أو تبقت لهم فترة قصيرة مع مراعاة حسن السير والسلوك بالتنسيق مع لجان الغارمين، والأخذ في الاعتبار أوضاع النساء اللاتي يصحبن صغارهن في السجن، بجانب الأطفال الجانحين، ونزلاء الحق الخاص لبعض المواد البسيطة في “النفقة” والإعسار.

وقال إن من المشاكل التي تواجه السودان وتخلق المزيد من الاكتظاظ نزلاء “يبقى لحين السداد”، وأشار إلى أنهم يشكلون عبئاً كبيراً على الدولة، ودعا اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمساعدتهم في هذا الجانب.

دراسة

وقدم ممثل اللجنة الوطنية للقانون الإنساني د. عمر الكباشي دراسة وافية عن الأسس القانونية الدولية والإقليمية والوطنية لزيارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للأشخاص المحرومين من حرياتهم بسجون البلاد المختلفة أعدتها لجنة مصغرة ضمت الدكتور عمر إبراهيم كباشي من جمعية الهلال الأحمر السوداني، والمُستشار أحمد المُتكسي من وزارة العدل، والمستشار إيمان محمد عبد الله، من الاتفاقيات الدولية، وأحمد عمر بابكر من وزارة الخارجية، والمستشار أمل أبو القاسم من وزارة العدل.

وأوضحت الدراسة أن اللجنة ناقشت طلب الصليب الأحمر لزيارة سجون البلاد منذ اجتماعاتها في العام 2005، وأكد أنه تم التداول في هذا الشأن بصورة كبيرة لكنه لم يتم التوصل لاتفاق، وأشار إلى أن آراء الأجهزة الحكومية كانت واضحة في رفضها لهذه الزيارات خاصة وزارة الخارجية وجهاز الأمن والمخابرات الوطني وغيرها من الأجهزة الحكومية، وبرر بأنه لم يسبق أن تمت دراسة هذا الأمر قبل حتى تستبين هذه الجهات موقفها القانوني لتبني عليها قرارها في السماح أو حرمان اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة المحرومين من حرياتهم إذا عرضت تقديم خدماتها، وأشار إلى أن اللجنة الوطنية أصدرت في أغسطس من العام 2016 قراراً بتكوين لجنة مصغرة لدراسة الأسس القانونية بموجب هذا القرار، وأعلن أن هذه الدراسة بُنيت على فرضيات منها القانوني والعملي في المؤسسات الحاجزة، وقال إنها اعتمدت على المنهج التحليلي للنصوص الدستورية والقانونية وإيراد التجارب العملية لما يتمتع به هؤلاء المحتجزون داخل المؤسسات المعنية داخلياً، ودراسة عرض خدمات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وما هي هذه الخدمات على اعتبار أن المحتجزين هم من نزاع مُسلح غير دولي، ولا يمتد ليشمل أنواعاً أخرى من المحتجزين سواء كانوا مُنتهكين لنصوص القانون الجنائي أو قوانين وطنية أخرى والمقارنة بتطبيق النصوص القانونية في الدول الأخرى تتشابه ظروفها مع المحلية مع إيراد تجارب جمعية الهلال الأحمر السوداني في هذا المجال.

تجارب

واستعرضت الدراسة تجربة السودان وتجارب الدول الأخرى في حق زيارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للأشخاص المحرومين من حرياتهم، وأكدت أن نظام السجون في السودان قائم على إرث إصلاحي قديم وبسياسة راسخة خاصة في مجال التشريع واللوائح والقوانين، صارت خاضعة للتعديل بما يتوافق مع مطلوبات الإصلاح وذلك منذ العام 1952، وأكدت الدراسة أن السجون في البلاد تفوقت على كثير من الدول وسبقتها في معايير مُعاملة النزلاء خاصة فيما يتعلق بالاتصال مع العالم الخارجي لأنه يُمثل المرتكز الأساسي في العملية الإصلاحية وتعديل سلوك النزيل وإعداده ليواصل حياته مع المجتمع.

وأكدت الدراسة أن القانون الذي يحكم تنظيم السجون في السودان هو قانون تنظيم السجون ومعاملة النزلاء القومي لسنة 2010 والذي تم بموجبه تعريف المحروم من حريته بأنه النزيل في المادة “4” الشخص المحكوم عليه وغير المحكوم عليه ويشمل الأحداث، وهذا التعريف يشمل السجين بموجب قضائي والمحتجز بموجب أمر من جهة مختصة والأسير بموجب قانون القوات المُسلحة لسنة 2007 تعديل 2013، وصدرت بموجب قانون تنظيم السجون ومعاملات النزلاء القومي سنة 2010 لائحة تنظيم العمل بالسجون، ومعاملة النزلاء للعام 1997 تعديل العام 2001، وأشارت إلى أن الفصل التاسع أوضح أن تراسلات وزيارات النزلاء خاصة في الفقرة “2” تنص على الزيارة لغير المحكوم تكون بإذن كتابي من السلطة التي أمرت بحجزه، وفي الوقت الذي يحدده مدير السجن، كما تسمح اللائحة في الفصل العشرين بزيارة غير المحكوم عليه بموجب الفقرة “59” بعد تصديق الجهة التي أمرت بحبسه، أما الفصل العشرون فقد أورد في شأن حفظ ومعاملة المتحفظ عليهم لدواعي الأمن والنزلاء السياسيين نصاً في الفقرة “73” يُسمح بزيارتهم بموجب تصديق من الجهة الآمرة بالاعتقال أو الحجز وتتم الزيارة بحضور مندوب تلك الجهة ما أمكن ذلك، وأشارت الدراسة إلى أن الأمم المُتحدة اعتمدت بالإجماع النص المُنقح لوثيقة “القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” في ديسمبر من العام 2015، ويُظهر النص المُنقح العديد من التطورات الكبيرة في مجال حقوق المُحتجزين والعدالة الجنائية منذ العام 1957.

مطلوبات

نصت القوانين الدولية أنه يحق لجميع المحتجزين الحصول على الخدمات والسلع الأساسية والخروج في الهواء الطلق يومياً والحصول على الماء والغذاء والخدمات الصحية والتفاعل الإنساني البناء بما في ذلك التواصل مع أفراد عائلاتهم حقوقاً أساسية لكل واحد منهم، ويشمل هذا المنهج الوصول إلى جميع السجناء الذين تحميهم اتفاقيات جنيف أو يندرجون في اختصاص اللجنة الدولية لا سيما الأشخاص المحتجزون لأسباب تتصل بأمن الدولة، فضلاً عن فحص جميع المنشآت والمرافق التي يستخدمها السجناء أو المخصصة لهم وتكرار الزيارت وإمكانية إجراء مقابلات مع المحتجزين الذين يقع اختيار اللجنة الدولية عليهم على انفراد دون رقيب مع اقتراح سبل عملية لتحسين المُعاملة التي يلقاها المحتجزون وظروف الاحتجاز بهدف حماية أرواح المحتجزين والحفاظ على كرامتهم، وشددت القوانين على أن التبعات الإنسانية لسوء بناء هياكل السجون الجديدة قد تفضي إلى كارثة وتعرض سلامة المحتجزين للخطر وصحتهم العقلية والنفسية والبدنية في كثير من الأحيان، وشرعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إنتاج دليل حول تخطيط السجون وتصميمها من المتوقع أن يصدر خلال العام الحالي 2017 الهدف منه التشجيع على إمعان النظر في مسألة بناء سجون جديدة لإيجاد حلول بديلة قبل النهوض بعملية البناء وكيفية ضمان الأخذ بعين الاعتبار المراحل المناسبة للتبعات الإنسانية المترتبة على عمليات التخطيط والتصميم السليم ليس فقط بالنسبة للمُحتجزين ولكن أيضاً لموظفي السجون والمجتمع ككل.

تضارب

أشارت الدراسة إلى تضارب في التعريفات بين القوانين السودانية وتشريعات الصليب الأحمر الدولي بشأن زيارة المحرومين من الحرية، وأوضحت أن اتفاقية المقر بين الحكومة ولجنة الصليب الأحمر الموقعة في أغسطس من العام 2014 لم تأت بنصوص توضح حقها في زيارة المحرومين من حرياتهم، إلا أن الاتفاقية في ديباجتها أشارت إلى اختصاصها وفقاً لاتفاقيات جنيف والبروتوكلات الملحقة بها والنصوص المُتعلقة بالحماية والمُساعدة دون تمييز للأشخاص والمتأثرين من النزاعات المسلحة غير الدولية، وأوضاع العنف بهدف التخفيف من معاناتهم الإنسانية.

ونوهت الدراسة إلى أن كل هذه الأسس القانونية تُشكل أساساً قوياً في حالة النزاعات الدولية، ولكن في حالة النزاعات غير الدولية، فإن لجنة الصليب الأحمر تعرض خدماتها على السلطات الحاجزة، وما يُشكل عائقاً قانونياً موافقة تلك السلطات علي طلبها مع العلم أنه ليس هناك إلزام على هذه السلطات في معاهدات دولية أو إقليمية تسمح بزيارة المحرومين من حرياتهم، إلا أن دراسة اللجنة الوطنية نوهت إلى أن ما ورد في القانون الدولي الإنساني العُرفي يُشكل التزاماً على السودان يعطي الحق للجنة الدولية للصليب الأحمر لعرض خدماتها للسلطات الحاجزة لزيارة المحرومين من حرياتهم وتقديم الخدمات لهم، وأوضحت اللجنة أن الأعراف الدولية أضعف من الاتفاقيات الدولية التي تفتقر إلى عنصر الإلزام أو الجزاء الدولي مما يوضح ضعف الأساس القانوني للاستناد إليه للمُطالبة بذلك الحق من السلطات الحاجزة، وأشارت الدراسة إلى أنه بمقارنة تعريف المحرومين من حرياتهم في القانون السوداني واتفاقيات جنيف خاصة المادة الثالثة المُشتركة والبرتوكول الثاني الملحق باتفقيات جنيف في النزاعات غير الدولية، نجد أنه لا يوجد تعريف قانوني محدد لهم في الاتفاقيات الدولية، بينما القانون السوداني واضح في التعريف لكلمة النزيل والسجين والمُحتجز في السجون السودانية، وما يُمكن القول معه إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليس لها تعريف محدد للشخص المحروم من حريته، وفي السودان النزيل والسجين والمحتجز بأمر أي جهة مختصة داخل البلاد، وأكدت أن الوضع القانوني الحالي يخلق إشكاليات مُتعددة للسلطات الحاجزة وللجنة الدولية للصليب الأحمر في طلب زيارتها للمحرومين من حرياتهم، ويتمثل ذلك في ضبابية نص المادة الثالثة المشتركة حيث أن التعريف فضفاض في صياغته، ولم يُحدد تعريفاً واضحاً للمحروم من حريته في ظل النزاع الداخلي المُسلح والفرق بينه وبين النزيل بسبب مخالفته قوانين داخلية قد تكون جنائية أو غير ذلك.

وشدّدت الدراسة على أنه لا يمكن تدارك الآثار الناجمة عن زيارة الصليب الأحمر للسجون في السودان على الصعيد الوطني المُتمثل في سيادة الدولة، إذ أن تمكين البعثة من وصول السجون يجعل زيارتها مفتوحة لكل النزلاء بغض النظر عن تصنيفهم داخل السجون، فضلاً عن عدم السيطرة على موظفي اللجنة الدولية خلال استجوابهم للنزلاء حيث أن من شروط زيارة الصليب الأحمر الاستماع إلى النزيل على انفراد، هذا بجانب صعوبة التعامل مع السلطات الحاجزة في فرز وتصنيف المحرومين من حرياتهم بسبب النزاعات المُسلحة غير الدولية أو الداخلية ما يؤدي إلى خلق التعقيدات مع السلطات الحاجزة إذا تمت هذه الزيارات.

توصيات

أوصت اللجنة الوطنية للقانون الإنساني المُختصة بدراسة الأسس القانونية الدولية والوطنية لزيارة لجنة الصليب الأحمر للأشخاص المحرومين من حرياتهم بسجون البلاد المختلفة بضرورة إيجاد تعريف دولي قاطع ومُحدد للأشخاص المحرومين من حرياتهم في الاتفاقيات الدولية أو تعديل نصوص البروتكول الثاني المُلحق باتفاقيات جنيف في النزاعات غير الدولية لسنة 1977، ودعا لمواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية في تعريف الأشخاص المحرومين من حرياتهم وتحديدهم تحديداً نافياً للجهالة في النزاعات المُسلحة غير الدولية حتي يُمكن فرزهم إذا تمت الموافقة على زيارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لهم، فضلاً عن دراسة القانون الدولي العرفي وقواعده والمُمارسات الدولية الراسخة في هذا المجال مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر حتى يتسنى معرفة مدى إلزامية تلك الأعراف دولياً على الدول خاصة على السودان بما يتوافق مع تشريعاته الوطنية حتى يُمكن تطبيقها وهي التي لا تتبع بالضرورة بنية المُعاهدات القائمة، وأوصت الدراسة بأنه يمكن تطبيق تجربة جمعية الهلال الأحمر السوداني بالتعاون مع اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني وذلك بما لديها من قانون صادر في العام 2010 مُحدداً فيه إمكانية قيامها بزيارة المحرومين من حرياتهم وبما تملكه من قدرات بشرية ومادية في تقديم المُساعدة اللازمة لهم .

ودعت التوصيات لدراسة التجربة الأردنية باعتبارها رائدة في هذا المجال ومواءمتها مع الواقع السوداني في معاملة المحرومين من حرياتهم بتكوين الفريق الوطني من منظمات المجتمع المدني مع ضرورة إخضاعهم لدورات تدريبية مكثفة توضح أدوارهم في رصد ومتابعة حالة المحرومين من حرياتهم في السجون بموجب تشريع تصدره الدولة، بجانب دراسة قوانين الجهات الحاجزة في السودان كأجهزة أمنية من قوات مُسلحة وشرطة وأمن ومخابرات والتي لديها كامل الحقوق في عدم السماح للجنة الدولية لزيارة المحرومين من حرياتهم إذا كانت التهم الموجهة إليهم تتعلق بمخالفة قوانين وطنية تنزل عملها أو غيرها ما يجعل تلك الأجهزة تتمسك بحقها كاملاً في منع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من عرض خدماتها، هذا مع الاستفادة من تجارب الصليب الأحمر في تقديم الخدمات وبناء السجون بمواصفات معينة والدعم اللوجستي بمختلف أنواعه لأماكن الاحتجاز بموجب اتفاقية واضحة المعالم وبشروط محددة لضمان تقديم تلك الخدمات دون المساس بسيادة الدولة في مجال المحرومين من حرياتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.