تقع قبالة القصر الجمهوري شجرة الموت.. مطب قاتل بشارع النيل

لم يضع أربعتهم في أذهانهم أن عبورهم شارع النيل في تلك الأمسية سيكون آخر مشوار في حياتهم، فكل شيء كان يمضي هادئاً، وهم يقودون العربة في طريق يقع قبالة القصر الجمهوري، وأهم المرافق السيادية بالبلاد، وفجأة وجد سائق العربة شجرة ضخمة أمامه، حاول تفاديها إلا أنه لم يتمكن لتصطدم مركبتهم الفاخرة بشجرة تقع في منتصف الطريق ،شجرة من كثرة تسببها في حوادث سير مميتة أطلقوا عليها لقب الشجرة المسكونة، وآخرون لم يجدوا اسماً أفضل من شجرة الموت، وبأرواحهم التي فاضت إلى بارئها ارتفع برفاق لاعب السلة بالهلال أحمد بركات ضحايا هذه الشجرة التي ما تزال في مكانها رغم تسببها في عديد حوادث قاتلة.

ثلاثة حوادث

حينما توجهنا نحو موقع الحادث وجدنا آثاره ما تزال شاخصة فزجاج السيارة الأمامي التصق بالشجرة الملعونة وبدأ المشهد مأساوياً، ورغم أن الطريق يخلو تمامًا من المارة لوجود القصر الجمهوري الذي تختفي تماماً أمامه حركة الراجلين، إلا أن رجلاً وجدناه يجلس بالقرب من ديوان الحكم الاتحادي وهو مرفق حكومي يقع إلى الشرق من القصر الجمهوري، وحينما سألناه عن هذه الشجرة والحوادث التي تسببت فيها، قال إنه لا يعرف كافة تفاصيلها، إلا أنها وبحكم عمله في هذه المنطقة فإنه شاهد ثلاثة حوادث لم تتسبب في موت أحد إلا أن الإصابات بعضها خطير، وقال إن الشجرة التي تقع في منتصف الطريق يتفاجأ بها صاحب المركبة ويتحاشى الاقتراب منها إلا أنه إن لم يكن منتبهاً بشكل جيد فإن مصير سيارته الاصطدام بها، وقال إن الحوادث الثلاثة التي شاهدها أوضحت له أن هذه الشجرة ليست مسكونة، ولكن وجودها في هذا الموقع يعتبر خطأ فادحاً، وأنه يجب على الجهات المسؤولة إزالتها بغض النظر عن رمزيتها التاريخية، ويرى أن أرواح المواطن أهم منها.

انقلاب عربة

أما صاحب عربة الأمجاد الذي التقيناه غرب القصر الجمهوري، فقد أكد أنه حينما يقترب من الشجرة التي سماها بالملعونة فإنه يبطئ من سرعته ويتوخى الحذر كثيراً، وذلك لأنها حسب قوله تسببت في الكثير من حوادث الحركة، وقال إنه شاهد عيان على انقلاب عربة حاولت سيدة تقودها تفاديها إلا أنها فشلت في التحكم في العربة والتي لحسن حظها فإنها لم تصطدم بالشجرة رغم أنها تدحرجت بعيداً “وانقلبت” مرتين وخرجت المرأة وأبناؤها دون أن يصابوا بأذى جسيم، ويرى سائق الأمجاد الذي ــ فضل حجب اسمه ضرورة إزالة الشجرة.

اللبخ والحوادث

يعتبر شارع النيل من أشهر شوارع الخرطوم، حيث يربط الخرطوم من الغرب إلى الشرق وتوجد بها أعداد كبيرة من أشجار “اللبخ” العملاقة، وهي شجرة معمّرة ونادرة والتي تنمو على حواف الوديان الكبيرة، ويصل ارتفاعها في كثير من الأحيان إلى 40 مترًا وعرضها إلى 6 أمتار، وهي من الأشجار القوية التي تقاوم أقسى الظروف وتعمر لسنوات طويلة، ويعود تاريخها في السودان إلى ثلاثينيات القرن الماضي حيث أحضرها الإنجليز من الهند، وهي من الأشجار التي تنمو في المناخ الاستوائي، وظلت أشجار (اللبخ) واحدة من المعالم البارزة على امتداد كورنيش النيل نظراً لظلالها الكثيفة التي تقاوم قساوة طقس الصيف في الخرطوم، وقد عاصرت شجرة الموت هذه الكثير من الأحداث السياسية المتعاقبة، وظلت صامدة أمام التقلبات الطبيعية وفي مواسم الأعياد والمناسبات الكبرى يتم تلوينها وتزيينها.

نظرة فنية

سألت مهندساً مختصاً في الطرق عن وجود شجرة في طريق يشهد كثافة مرورية، فقال بعد أن رأى أهمية حجب اسمه إنه مر كثيراً عبر شارع النيل من الخرطوم في طريقه إلى أم درمان، مبيناً أن شجرة اللبخ التي تقع على مقربة من القصر الجمهوري في مثلث منتصف الطريق تعتبر تاريخية وأن المسؤولين بمحلية الخرطوم أراداو الاحتفاظ بها عبر تصميم جسم هندسي في الطريق يجعلها أقرب إلى “الصينية”، إلا أن المهندس يعتقد بأن التصميم أثبت عدم نجاعته، فهو ــ والحديث للمهندس ــ مثلما أطال عمر الشجرة إلا أنه تسبب في عدد من حوادث الحركة، وهذا يعني انتفاء أغراضه تماماً لجهة أن أرواح المواطنين أكثر أهمية من الآثار التاريخية، ويعتقد أن الحل الهندسي يتمثل في تشييد شكل جديد لحماية الشجرة في حالة إصرار الجهات الحكومية على بقائها.

أما الحل الأكثر موضوعية، فهو إزالتها تماماً، وذلك لأنها تشكل خطراً حقيقياً على حياة المواطنين.
ناجي الكرشابي

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.