الظاهرة تتفشى والتذمّر يتزايد تأخر وفقدان أمتعة المسافرين جواً

لم ينس وهو عائد إلى السودان من دولة الامارات العربية التي ذهب إليها في زيارة قصيرة أن يسجل زيارة إلى السوق لشراء بعض الهدايا لأسرته ورغم أنه قطع وعدا على نفسه بعدم حمل أمتعة كثيرة حينما يعود إلى الخرطوم إلا أن سحر السوق بإمارة دبي بماركاته العالمية ومعروضاته الفاخرة جذبه وجعله يخلف وعهده، وفي خاتمة المطاف وجد أنه يحمل ثلاث حقائب وهو في طريقه إلى المطار للسفر إلى الخرطوم، فكان لزاما عليه أن يحمل معه واحدة في يده عند صعودة إلى الطائرة على أن يشحن الاثنتين، ثمة تشاؤم اعتراه غير أنه استبعد التأخير في مطار الخرطوم بسبب ما يحمله من هدايا، ولكن ما يخبؤه له القدر كان أبعد من مجرد تأخير في المطار العريق.

مفاجأة غير متوقعة

رغم أنه كثير الأسفار إلا أنه لم يسبق له أن تأخر في أحد المطارات بسبب أمتعتة لحرصه الكبير على عدم حمل الكثير منها، وبعد وصوله إلى مطار الخرطوم على متن خطوط طيران عربية محترمة انتظر مثل غيره أمام سير “العفش” كما يطلقون عليه وهو الذي يحمل الأمتعة بعد تفريغها عليها ليدور داخل صالة الوصول ليأخذ كل حقيبته عند دوران السير في شكل دائري وانتظر صاحب قصتنا أكثر من ساعتين ثم توقف دوران السير فجأة وأخبره الموظف بالمطار أن هذه كل الامتعة التي حملتها الطائرة، تسللت إلى دواخله موجة من الاستياء وذلك لأنه استلم حقيبة ولم يعثر على الأخرى ، فلم يجد غير استفسار الشركة الناقلة عن أمر حقيبته الأخرى فكان أن تم إخباره بعدم شحن جزء من البضائع بالإمارات لأن السعة المحددة قد اكتملت وهي خمسة وعشرون طنا، مع وعد من الموظف بإحضار حقيبته في اليوم التالي.

خبر سار وغريب

في اليوم التالي وعند الموعد المحدد توجه نحو المطار وفي ذات توقيت هبوط الطائرة التابعة للشركة العربية حضر ووقف أمام السير بترقب مشوب بالتخوفات، ومرة أخرى لم تصل حقيبته، ومجددا وعد قاطع من مندوب الشركة بإحضارها بعد ثلاثة أيام في الرحلة التالية، عاد إلى منزله وهو في قمة الاستياء وقضى يومه الأول والثاني وقرر الذهاب في اليوم الثالث مبكرا لاستلام حقيبتة وفي حالة العدم المطالبة بتعويض وكان الغضب يتملكه ،غير أن مكالمة هاتفية لم يتعرف على رقم صاحبها أحدثت تغييرا كاملا في مجري أحداث حقيبته، وذلك حينما أخبره المتصل على الطرف الآخر بعد أن استوثق من اسمه أن حقيبته بحوزته، ويكمل صديقنا القصة قائلا: “كم كان رجلا نبيلا ذلك الذي اتصل علي هاتفيا فقد أخبرني أنه أخذ بالخطأ حقيبة كان يعتقد أنها تعود إليه وحينما هم بفتحها في المنزل وجد أنها لشخص آخر، ولحسن حظي فقد وجد بداخلها مفكرة وضعتها لحكمة يعلمها الله وكان بها عدد من أرقام الهواتف وقد أجرى الرجل عددا من الاتصالات وفي النهاية عرف أنني صاحب الشنطة فأحضرها لي”. ويضيف ضاحكا: “في الوقت الذي كنت أتردد على المطار لاستلامها وأجد اعتذارا مكرورا من مندوب الشركة وتأكيدا بأن الحقيبة ما تزال في الإمارات فإذا بها تأتيني من شخص آخر من جبل أولياء”.

بيان بالعمل

ونحن نغالب رهق السفر ورغبة النوم بعد رحلة شاقة وطويلة من جدة إلى مطار الخرطوم كانت الساعة قد أشارت إلى السادسة صباحا وهو الموعد الذي وصلنا فيه إلى مطار الخرطوم بعد أن ظللنا في مطار جدة لأربع ساعات متواصلة في انتظار إقلاع طائرة الخطوط الجوية السودانية والتي وللأمانة فقد حضرت في مواعيدها إلا أن كثرة الأمتعة تسببت في تأخير إقلاعها، وبعد الوصول الى مطار الخرطوم تمت إفادتنا بان الامتعة ستأتي عبر سير يقع جنوب صالة الوصول التى أدينا داخلها صلاة الفجر وانتظرنا أكثر من نصف ساعة، لتتهلل أساريرنا بعد أن بدأ السير يمشي الهوينا وهو يحمل الحقائب وكل منا يمني نفسه باستلام “شنطته” والتوجه نحو المنزل للنوم، غير أن نصف المسافرين في الرحلة التي كانت في الثامن والعشرين من شهر فبراير لم يستلموا أمتعتهم، حيث أخبرنا الموظف المسؤل بأنه لم يتم شحنها من مطار جدة، فتوجهنا إلى منازلنا وقد تملكنا الغضب والاستياء وبعد مضي 48 ساعة بدأت الامتعة في الوصول وكان على كل مسافر التوجه نحو مخزن الأمتعة وإبراز جوازه لاستلام حقائبه، غير أن زميلنا أبوذر عبد المطلب وحتى كتابة هذا التحقيق لم يستلم اثنتين من حقائبه التي مضى عليها أكثر من أسبوعين فكل يوم يتوجه إلى المطار يتم إخباره بأنها ستصل في الرحلة التالية، أما مياه زمزم فقد صرف بعض القادمين بتلك الرحلة النظر عنها لأنها أيضا لم يتم إحضارها كاملة.

بدون مستندات

من الملاحظات التي كانت مكان تداول ونقاش بين القادمين في رحلة سودانير خواتيم شهر فبراير أن المسافرين كانوا يتحلقون حول السير بأعداد كبيرة وحينما يرى أحدهم حقيبته يمد يده ويخرجها من السير ويذهب حال سبيله، وهذه الطريقة اعتبرها كثيرون خاطئة ومحفوفة بالمخاطر وذلك لعدم وجود موظف مسؤول عن تسليم الأمتعة بالسير أو يعمل على مراجعة مستندات الشحن وجواز من يستلمها من السير، وكثير من المرافقين استلموا حقائبهم وذهبوا حال سبيلهم دون أن يطلب منهم أحد إبراز ما يؤكد ملكية الأمتعة، وأشار مغترب من الجزيرة يدعى محمد إلى أن هذه الطريقة البدائية من الممكن أن يستغلها بعض ضعاف النفوس في أخذ حقائب آخرين والخروج بها من المطار دون أن يوقفهم أحد لمساءلتهم عن مستنداتها الرسمية وإجراء مطابقة بينها وجوازه، وشكا أيضا من تأخير الأمتعة، مؤكدا ان هذا الأمر حدث له في أكثر من رحلة بين جدة والخرطوم وأنه كثيرا ما وجد نفسه مجبرا على ترك حقائبه بعد تخلفها والسفر إلى أهله ومن ثم العودة إليها بعد ايام، معتبرا ان هذا الامر يفسد عليه فرحة الوصول إلى الوطن.

في مخزن البضائع

يوم ذهابي لاستلام حقيبتي بمستودع البضائع بمطار الخرطوم التقيت عدد كبير من المواطنين الذين كانوا أيضا يريدون تسلم أمتعة تخلفت عن الحضور معهم من مطارات مختلفة، فمنهم من ظل منتظرا لعشرة ايام ومن ظل يتردد على المطار لأسبوع كامل، ومنهم شاب يدعى عثمان قال إن حقائبه من إحدى الدول العربية لم تحضر منذ اسبوعين من عودته الى السودان ومنهم من استلم حقائبه، لحسن حظي فقد تسلمت حقيبتي بعد مرور 24 ساعة فقط من عودتي الى البلاد وهذا جعلني اسأل موظفا داخل مستودع البضائع عن شركات الطيران التي تعجز عن احضار الامتعة في ذات رحلة المسافر فقال إن الامتعة الموجودة بالمخزن تتوزع على معظم الشركات الوطنية والاقليمية والعالمية التي تحط رحالها بمطار الخرطوم مبينا أن الأمر ليس حصريا على شركة طيران محددة، وشككا من تراكم الامتعة لعدم حضور أصحابها لاستلامها.

قوانين الشحن

تؤكد قوانين منظمة الطيران العالمية أن رحلة حقيبة السفر مع الراكب تبدأ من مكاتب البيع بشركة الطيران التي من واجباتها التنبيه على الراكب بنوعية الحقائب التي يجب أن تكون بصحبته، ومراعاة أن يكون الوزن الأقصى للحقيبة ثلاثين كيلو غراما حسب تعليمات سلطات الطيران في العديد من الدول، على أن يسجل الراكب اسمه وعنوانه المؤقت اثناء السفر والدائم ورقم هاتفه وذلك على حقيبته، وبعد اقلاع الطائرة يرسل ضباط شحن الشركة برقية الى وجهة الطائرة توضح تصنيف الحقائب حسب الدرجات والترانسيت،وانه في حالة عدم وصول الحقائب الخاصة على نفس الطائرة فإنه على الراكب التوجه مباشرة الى مندوب الشركة المتواجد بصالة الوصول لتحرير محضر بتخلف حقائبه لإحضارها له.

تعويضات واجبة

وذات منظمة الطيران العالمية فقد قررت أن تمنح شركة الطيران مهلة قدرها21 يوماً حتى تستدل على مكان الحقيبة ونقلها إلى المطار الذي وصل إليه راكبها، وفي حالة عدم الاستدلال على الحقيبة خلال هذه الفترة تلزم بدفع التعويضات اللازمة للراكب على فقدان حقيبته ،وفي حال وصول الحقائب تلزم شركة الطيران الاتصال عليه للحضور إلى المطار للتعرف على حقائبه ومن ثم استلامها وفي حالة تعرض حقائب الركاب للتلف يحرر المسافر محضر برقم الحقيبة التي تعرضت للتلف علي ان يحرر مندوب الشركة محضر لإثبات حق الراكب في الحصول على تعويض سواء بالنسبة للحقيبة نفسها التي تعرضت للتلف أو للمحتويات التي فقدها المسافر.

مطبات جوية

سألت مصدرا رفيعا بشركة طيران وطنية عن أسباب تخلف الامتعة وفقدانها، فأكد في بداية حديثه بعد أن رأى أهمية حجب اسمه- أن حالات تأخر وفقدان الامتعة تشمل كل شركات الطيران الوطنية والعالمية، وأرجعها الى سببين أحدهما فني ويتمثل في مسار الطائرة وقال اذا كان بها مطبات جوية واشكاليات فإن الكابتن وقبل إقلاعه يطالب بخفض كميات الأمتعة المشحونة على متنها والاستعاضة عنها بوقود اضافي وذلك لأنه سيجد نفسه مجبرا في حالة المطبات على الارتفاع الى أعلى وهذا يحتاج الى زيادة في الوقود، وقال إن السبب الثاني تجاري ويتلخص في ان الكثير من الركاب لا يلتزمون بالوزن المحدد وهذا يجعل شركة الطيران تلجأ الى اخذ حقيبتين على سبيل المثال لكل راكب، وقال إن الركاب لا يملكون ثقافة معرفة نوعية الطائرة التي سيسافرون عليها لأن بعض الطائرات ذات السعات المحدودة لا تحمل أمتعة كثيرة وفي هذه الحالة فإنها تتركها في محطتها التي غادرت منها على أن تحضرها في رحلة لاحقة، مؤكدا على أن سلامة الطائرة والراكب تأتي مقدمة على الامتعة لذا فإن الامتعة تتخلف عن الوصول مع المسافر في ذات رحلته.

فقدان وتعويض

من ناحيته يشير مدير إدارة النقل الجوي السابق بسودانير معتز الحاج عبد اللطيف الى أن أسباب تخلف الامتعة تعود لاسباب مختلفة من ضمنها سعة الطائرة، لافتا في حديث لـ(الصيحة) الى أن الطائرات ذات السعات المحدودة من الركاب مثل التي تحمل أقل من 130 راكبا على سبيل المثال لا تتمتع بمستودعات كبيرة أسفلها وأن هذا لا يمكنها من شحن كل أمتعة ركاب الرحلة الواحدة، وتلجأ إلى تركها في محطة المغادرة وشحنها في رحلات أخرى، وقال إن تراجع نسبة حركة السفر جعلت شركات الطيران تفضل تسيير رحلات بطائرات صغيرة حتى لا تقع عليها خسائر، وقال انه في كثير من الاحيان تذهب الامتعة الي غير وجهتها المحددة وان هذا أمر دائم الحدوث ويتسبب ايضا في تأخر وربما فقدان الامتعة، مبينا انتهاج شركات لنظام تتبع البضائع حتى لا تفقدها، موضحا وجود سبب ثالث يتمثل في ان بعض المسافرين وبعد وصولهم الى محطتهم الاخيرة فإنهم يحملون امتعة اشخاص آخرين دون قصد، وأكد ان قوانين الاتحاد الدولي للطيران تلزم شركات الطيران بتعويض المسافرين الذين يفقدون حقائبهم، وقال إن شركات التأمين هي التي تدفع التعويض حيث تدفع عن كل كيلو عشرين دولارا بعد أن يكمل المسافر الاجراءات التي تؤكد فقدانه امتعته، وقال إن هذه المشكلة عالمية ولم تجد لها شركات الطيران حلا نهائيا.
الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.