السودان ما بعد البشير

في أعقاب التصريحات المُتتالية التي أدلى بها الرئيس عمر البشير لصحيفة “الشرق الأوسط” و”قناة العربية” السعودية نهاية يناير ومطلع فبراير الحالي، والتي أبدى فيها البشير رغبة في سماع لقب رئيس سابق، مؤكداً أن الدستور المعمول به حالياً حدد دورتين للرئاسة.. عاد الجدل كثيفاً حول سؤال ما القادم، ومَن؟ وبدا واضحاً أن عضوية حزب المؤتمر الوطني فجّت الصمت وفتحت النقاش فيما بينها داخل بعض مجموعات التواصل الاجتماعي التي تضم أعضاءً من الحزب الحاكم.

تأصيل ودستورية!!

أمين حسن عمر، القيادي البارز في الحزب، والذي عُرف بمجاهرته بدعوات التجديد داخل الحزب، تلك التي ظهرت منذ قبل انتخابات 2015م، أعلن موقفه في إحدى مجموعات تطبيق التواصل الفوري (واتساب)، وقال أمين “إنّ البشير لم يُبايع خليفة للمسلمين وإنما بُويع رئيساً للسودانيين، مسلمهم وغير المسلم”، وواصل: “لم يرد في كتاب ولا سنة تخليد أحد في تكليف”، وكأنما أراد أمين قفل الباب أمام علماء الدين.. وهذا الموقف، هو أول رد فعل مُعلن من قيادي بارز في الحزب، غير أنه هو ذات الموقف الذي اتّخذه الرجل في ترشيح البشير للدورة الحالية قبل أن يظفر بانتخابات 2015م، وحاول أمين التأكيد على ذلك بقوله: “كنت أعتقد أن عدم ترشح الرئيس في الدورة الحالية رغم أن ترشحه كان دستورياً، كنت اعتبره غير متناسب مع روح وثيقة الإصلاح التي اقتضت التغيير سبيلاً للتطوير”، وتابع: “أما الآن فإن الدعوة لإعادة ترشيح الرئيس مردودة فهي مُخالفة للدستور كما أوضح الرئيس نفسه في لقاء العربية”.

تثبيت موقف!!

ويعتبر أمين أن الدعوة لتعديل الدستور لإتاحة ذلك يترتب عليها عواقب لدى آخرين. ويعتقد أن الرئيس نفسه والحزب في غنىً عن هذه الدعوات، ويثبت أمين موقفه الرافض لتعديل الدستور إذ يقول “إلا أن يقول قائل إن مَن خلَق الرئيس لم يخلق فى رهطه مثله أو من يفوقه” ويطالب أمين من يدعي ذلك عليه أن يأتي بالبيِّنة” ثم انفك أمين من لغته الأدبية التي تشبه رسائل الجاحظ أكثر من كونها موقفاً سياسياً، وخاطب الرئيس مُباشرةً في نهاية مداخلته، مُطالباً إيّاه بالترجل وتهيئة الحزب إلى مرحلة ما بعده، حيث قال: “أما أنا فالرأي الذي أحمله ان أفضل ما يفعله الرئيس وهو قمينٌ به وأشبه به أن يهيئ الحزب لقيادة جديدة تأتي بديمقراطية صادقة وأمينة فمن يرتضيه جمهور الحزب سيكون أقرب لكي يرتضيه جمهور الناس والله أعلم بالصواب وهو الهادي له”.

رغبة الحزب.. أم الرئيس؟

الذي يُفهم من رأي وموقف أمين حسن عمر أنّه يأتي رداً على دعوات واضحة برزت بين عُضوية الحزب تتجه إلى إعادة ترشيح البشير لدورة رئاسية ثالثة، ونادراً جداً أن يُعبر أعضاء الحزب الحاكم عن مواقفهم من التجديد في القيادة إلاّ فيما بينهم.

لكن، إذا ما عُدنا إلى ما قبل انتخابات 2015م ربما نجد الوضع مُتشابهاً، فقد برزت خلال مؤتمرات الحزب التي سبقت الانتخابات الأخيرة أصواتٌ عالية تطالب البشير بإعادة الترشح وعلى الرغم من أنّ موقف أمين الصريح يُعبِّر عن مئات غيره، وربما يزيد، لكنّ عَادةً، يصبح الحديث عن خليفة البشير داخل الحزب أقرب إلى الممنوع، إلاّ في الإطار الخاص.

حينما أعلن الرئيس البشير عدم رغبته في الترشح لدورة ثانية لانتخابات 2015م، وجاء ذلك في صحيفة “الراية” القطرية عام 2012م، حيث قال الرئيس في رده على سؤال الصحيفة ” أبداً.. لن أترشّح مجدداً والمؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني سيعقد العام المُقبل وهو يعقد كل أربعة أعوام ومؤتمر عام 2013 سيكون مؤتمر إعادة البناء حيث سينتخب المؤتمر العام رئيس حزب المؤتمر الوطني المقبل والذي سيكون بالتالي مرشحاً للرئاسة عام 2015″.

وأعلن الرئيس موقفه ذاك من قطر، قبل ثلاث سنوات من انتهاء دورته الرئاسية، والآن يُعلن البشير نفس الموقف، أيضاً، قبل ثلاث سنوات من انتهاء دورته الحالية في 2020م.

أزمة بديل؟!

الراجح، أن تبرز أصواتٌ داخل الحزب تطالب البشير بالبقاء وهو ما يبدو واضحاً من خلال حديث أمين، لكن التوقيت الذي يختلف تماماً عن ذاك الذي أجمع فيه كل الحزب على أن يكون البشير هو رئيسه القادم، ربما ينبئ بحالة انقسام داخل الحزب، لكن بمُعادلة أخرى، لم يتهيأ الحزب لإعداد خليفة لرئيسه الحالي، وعلت في الفترة الأخيرة مزاعم تهميش الحزب في أعقاب تشبيه رئيسه له بالحزب الاشتراكي بعدما تم أُبعد من الحزب صقوره، وإن كان ذلك تحت مظلات الإصلاح والتجديد، إلا أن ضعف الحزب أصبح واضحاً بعد انتخابات 2015م، وتراجعت قوة مؤسساته على حساب سلطة اليد الواحدة، وهو ما قد يوجه الأصوات من جديد للتمسك بالبشير ولو اضطراراً.. وليس مُرجحاً أن تظهر بعض القيادات لتقدم نفسها بديلاً عن البشير، كما حدث قبل بدء الدورة الحالية، والتي أخرجت بعض هذه القيادات عن دائرة الفعل الحزبي والتنفيذي.

تطلعات وواقع.

خلال المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني الأخير، والذي دفع بالبشير مُرشّحاً للحزب في انتخابات الرئاسة التي حَصدها لاحقاً، ثار جدلٌ كثيفٌ، عن الدور الذي أداه القيادي البارز علي عثمان مُحمّد طه لترجيح الكفة لصالح البشير، ووقتها، وصف أمين حسن عمر موقف طه بالإكراه المعنوي للعضوية، حيث قال في حوار صحفي عقب المؤتمر العام للحزب “عندما تم فتح باب الترشيح، لم يكتف الأستاذ علي عثمان بترشيح الرئيس البشير فقط، وإنما قام بإلقاء خطبة طويلة بين أيدينا خلافًا للمُعتاد. وأنا لا أفسِّر هذا إلاّ بأنه نوع من الإكراه المعنوي، لأنه لو جاء هذا من شخص ليس له وزن قيادي بهذا المستوى، ربما قلنا إنّ هذا رجل متحمس”.. أمس الأول، قال القيادي في المؤتمر الوطني نافع علي نافع إنّ حزبه يُعد من أكثر الأحزاب السودانية تنظيماً وله عضوية، وحديث الرجل الذي كان خلال مؤتمر تنشيطي لوحدة الأساس، لا يُمكن قراءته بعيداً عن جدل الترشح وإعادة الترشيح.

يبقى من الطبيعي أن يكون هناك تَيّارٌ داخل الحزب يضغط باتجاه وقف أيّة مُحاولات لإعادة ترشيح البشير، مقابل تيار يضغط باتجاه إبقاء الرئيس رئيساً وإن كان هذا التيّار الرافض لإعادة الترشيح لا يُعبِّر عن مَوقفه بشكلٍ مُعلنٍ، إلاّ أنّ السؤال الذي سيبقى ماثلاً أمامه، هل هناك بديل متفق عليه داخل الحزب؟ أم يضطر ذاك التّيّار إلى السير بالاتجاه الواقع..؟
التيار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.