خذوا الحكم من (مذيعة قناة CNN)!

أتمنى ألا تكون فاتتكم متعة مشاهدة مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترمب” أمس في (الكابتول).. بعد انتهاء المراسم سار ترمب وزوجته مع سلفه أوباما وزوجته حتى سلم الطائرة الهيلوكبتر.. ثم عانقه بحرارة مودعاً، وصعد أوباما مع زوجته “ميشيل” إلى داخل الطائرة.. وأغلق الباب، ورُفع سلم الطائرة.. ثم بعد قليل ارتفعت الهيلكوبتر عن الأرض، وحلقت في السماء.
مذيعة قناة CNN التي كانت تعلق على الهواء مباشرة قالت بصوت مؤثر: (رغم أن أوباما يعلم من أول يوم دخل فيه البيت الأبيض أن لحظة الوداع قادمة لا ريب فيها.. إلا إن الأمر عندما يصل مرحلة الحقيقة يصبح مؤثراً وحزيناً للغاية.. لكن هذا ما تركه لنا “آباؤنا المؤسسون”..).
رغم إنها جملة عابرة.. إلا إنها تصيب كبد الحقيقة التي ظللت أكتب عنها كثيراً.. بل وأفردت لها فصلاً كاملاً في كتابي (كيف أضاعوا السودان).. قلت إن (الآباء المؤسسين) في السودان لم يتركوا لنا إرثاً مؤسسياً يبني وطناً مستقراً.. كل الذي خلفوه لنا معارك سياسية، و(يوميات) لا تصلح أساساً لوطن شامخ قوي بمؤسساته وشعبه..
نحن وطن فاقد لمفاهيم قيم التأسيس الأخلاقية، التي تمثل أحد أهم أركان بناء الأمة القوية المستقرة.. فالوطن ليس مجرد حدود سياسية، بل قيم راسخة عميقة الجذور.
ما نعاني منه اليوم لن ينقشع بمخرجات حوار مهما كثرت.. ولا بحكومة (وفاق وطني) مهما احتوت من ألوان الطيف السياسي.. بل بإعادة بناء المفاهيم التي يجب أن تقوم عليها الدولة السودانية.. فنحن دولة بلا (آباء مؤسسين)، وبلا مفاهيم.. تحكمها (يوميات) تدير الأزمة المزمنة.
إعادة هيكلة الدولة السودانية تتطلب النظر بعمق في دور (طبقة السياسة) في الدولة.. لن يهتم أو يقلق المواطن بمن يحكمه إن لم يكن مصير المواطن مرتبطا بمن يحكمه.. فالمطلوب إذن (تصغير الحكومة) لصالح (تكبير المجتمع).. أن تصبح الحكومة مجرد الجسم السيادي المنظم، بلا تغول على قدرة المجتمع في حكم نفسه.. لكن الواقع الراهن، الحكومة تزداد تغولاً على حياة المواطن إلى الدرجة التي تشتري له (الشيلة)، وتحتفل به في الزواج الجماعي.
هذا ليس مجرد (تنظير) بعيداً عن واقع التطبيق، فالأمم المتقدمة الراشدة في عالم اليوم تقوم على مثل هذه المفاهيم.. تنزوي الحكومة في أضيق مكان، وتترك المجتمع يدير نفسه.
فصل السلطة عن الثروة.. واقعنا اليوم على قدر أهل السلطة تؤتى الثروة.. يجب ألا يرتبط القرار الإداري في أي موقع بالمال.. بتشريعات تكبل قرار التصرف في المال العام إلا وفق قانون وتفويض من البرلمان أو المجالس التشريعية.
هناك خلل في قوام وهيكل دولتنا.. تجعلنا ندور في دائرة مفرغة بلا طائل.. فالسودان ليس (دولة) بالمفهوم الحديث.. هو مجرد (عموديات).. كل عمدة مخير في عموديته بأوسع ما تيسر.
عثمان ميرغني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.