عصيان الصحافيين

قائمة طويلة من الصحافيين ضمن حملة “العصيان” المزمع اليوم…صحيح أنّ الصحافي هو ضمير أمّته ولسان حالها المعبر عن آمالها وآلامها،أو هكذا ينبغي أن يكون الحال…وصحيح أيضا أنّ الصحافي ينبغي أن يتبنّى الموقف الذي يعبّر عن تطلعات الشعوب للحرية والحياة الكريمة …

لكن من الخطأ المهني أن يكون إنحياز الصحافي للشعب من خلال تبني موقف سياسي معيّن، فالصحافي لا يتبنّى المواقف السياسيّة للأحزاب سواء أكانت حاكمة أو معارضة ،بل يتناول هذه المواقف بالمعالجات الصحافيّة،رصداً وتحليلاً وتعليقاً وبمنتهى المسؤوليّة والموضوعيّة والمهنيّة وبقدر من الحياد المطلوب، وهدفه في ذلك هو الإسهام في تكوين رأي عام مستنير ، ولا يهمه بعد ذلك إنْ تطابقت وجهة نظره مع وجهة نظر أي جهة أم تقاطعت معها، الصحافي ليس مطلوباً منه تبني المواقف السياسية بل تناولها وتشريحها وتحليلها وتسليط الضوء عليها لتوضيح ما إذا كانت تصب في معين المصلحة العامة ،أم في الوعاء الحزبي الضيّق،أم في الذاتي الأضيق…

لذلك أرى من الخطأ المهني أن يتبنى الصحافيون العصيان، أو الدعوة إليه لأنّ هذا عمل الأحزاب فهي من تدعو قواعدها وليس الصحافي من يفعل ذلك ،فلكل من السياسي والصحافي حدود عمله ومسؤوليته ،ولأنّ مثل هذا الموقف السياسي “الصارخ” سيفقده الحياد المهني المطلوب في حده الأدنى، وسيضعه في قفص الاتهام بتبني أجندة السياسيين، ومثل ذلك أيضاً الموقف الذي تبناه نقيب الصحافيين “الرزيقي” بتوعده منسوبي “الشيوعي” حرباً ضروساً لكونهم دعوا فقط للعصيان الذي هو حق مكفول ومشروع للشعوب، وللأحزاب أنْ تدعو له…

كتبت كثيراً عن المسافة المهنيّة التي يجب أن يوجد فيها الصحافي… مسافة واحدة بين كل الأحزاب لتمكنه من رؤية الجميع من زاوية واحدة وبدون “تغبيش” أو مؤثرات…والصحافي هنا مثل القاضي العادل تماماً لا فرق عنده بين المتخاصمين سواء أكان أحدهم كافراً أو مسلماً، نصرانياً أو يهودياً،ولنا في القاضي “شريح” الذي حكم لصالح اليهودي في مواجهة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أسوة حسنة…

القاضي ينظر القضايا ويصدر بشأنها رأيه المسنود بحيثيات العدل والذي سيصبح حكماً، والصحافي أيضاً ينظر القضايا ويكتب مسنوداً بمعطيات العدل ومباديء المهنية…

المطلوب منّا مهنيّاً وأخلاقيّاً أن نوجّه سهام النقد للسياسات التي تجلب الضرر للعامة، ننتقد بقوة وجرأة دون خوف، تعزيزاً لقيم الحريّة والعدالة،وانحيازاً للحق والشعب بصدق وتجرّد بطريقتنا نحن لا بطريقة انحياز السياسيين الانتهازية الميكافيلية… اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله،وثق أنّه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين
الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.