تقييم بريطاني يكشف فضل الفنون على العلوم

في بريطانيا، أظهرت آخر التقييمات من قبل ما يعرف باسم «الاتجاهات في الدراسات العالمية للرياضيات والعلوم والبرنامج الدولي لتقييم الطلبة» نتائج سلبية فيما يتعلف بدارسي هذه العلوم، مشيرة إلى أنه ليس ثمة أدلة تُذكر على تحقيق مكاسب حقيقية في العلوم والرياضيات، في بريطانيا، على مدار السنوات الأربع الماضية.

وأوضح خبراء العملية التعليمية هناك أن سياسة الحكومة البريطانية المتعلقة بتأكيد ما يسمى الموضوعات الجذعية في التعليم (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات) تنتج ثمرات هزيلة، حتى إن كاستر بريوين، المستشار التعليمي في «بي بي سي» ومعلم الرياضيات، تساءل ما إذا كانت تلك النتيجة السيئة تستحق كل هذا الجهد.

وأوضح «بريويم» أن هناك تقريبًا صمتُا كبيرًا حول هذه القضية حتى الآن، ووزراء المملكة المتحدة من المحتمل أنهم يرغبون في الادعاء بأن هذه التقارير تظهر الأمة البريطانية أكثر تماسكًا في ذاتها، ولكن الصورة الحقيقية هي أكثر إثارة للقلق.

بالطبع الوضع في بلادنا العربية حيث التعليم أقل جودة بكثير من بلد مثل المملكة المتحدة، سيكون أكثر سوءًا بكثير، وحاول خلال هذا التقرير الذي سنركز فيه على نماذج عالمية مثل المملكة المتحدة أن تتخيل مدى كارثية الوضع في بلداننا.

العلوم والرياضيات في بريطانيا

أوضح التقييم السابق أن ترتيب بريطانيا في العلوم الخاصة بالفئة العمرية بين 13 و14 سنة، تقدم من المركز التاسع إلى المركز الثامن، مع ملاحظة أن الترتيب الخاص بهذه الفئة العمرية لم يشهد دخول فنلندا، وهي واحدة من أكثر دول العالم تقدمًا في جودة التعليم الأساسي.

كان هناك أيضًا تحسن طفيف في الأداء المتعلق بالرياضيات، ولكنه لم يكن على نفس مستوى التقدم والمكاسب الخاصة بدولة مثل كازاخستان، هذه الأخيرة دفعت بريطانيا للهبوط من المركز العاشر إلى المركز الـ11. وكانت دراسة متخصصة أخرى صدرت هذا الشهر تسمى «دراسة بيزا» أظهرت أن التلاميذ في بريطانيا نالوا درجات أقل عما كانوا يحرزونه في السابق، ولكن، وبسبب الاختلافات في الدول المشاركة، فإن الدراسة أوضحت أن بريطانيا تقدمت في المراكز، بالرغم من حصولها على درجات أقل؛ وهو ما يعني أن التقدم وهمي، وليس حقيقيًا.

من هنا نعرف كيف أن الوزراء في إنجلترا يصدرون هذه الدراسات باعتبارها أمرًا إيجابيًا نتيجة التقدم في الترتيب، إلا أن حقيقة الأمر ليست كذلك على الإطلاق؛ فهناك تراجع واضح في أداء التلاميذ فيما يتعلق بالعلوم والرياضيات.

لو نظرنا بشكل عام في نتائج التقييم الخاص باتجاهات الدراسات العالمية؛ فسيظهر لنا أمران مدهشان. الأول يتعلق بوجود فجوة واضحة في درجات التقييم بين الخمس دول المتصدرة (سنغافورة، وهونج كونج، وتايوان، وكوريا الجنوبية، واليابان) وبين الدولة صاحبة المركز السادس (أيرلندا الشمالية) تقدر قيمتها بحوالي 23 درجة، وذلك فيما يتعلق بنتائج الرياضيات.

الأمر الثاني كان وجود 8 دول عربية فقط في قائمة أفضل 50 دولة، لكن هذه الدول وجدت في مراكز متأخرة جدًا، وهي (الإمارات في المركز 39، والبحرين المركز 40، وقطر المركز 41، وعمان المركز 43، والأردن المركز 45، والسعودية المركز 46، والمغرب المركز 47، والكويت المركز 49).

أهمية التعليم المتقدم لتحقيق التنمية

الحل في الفنون

وبالعودة إلى المثال البريطاني، يتساءل «بريوين» عما إذا كان عليهم العودة لعدة سنوات أخرى حين كانت الحكومة والخبراء التعليميين يؤكدون على الموضوعات الجذعية؟ في رأيه أن هذا الأمر لن يؤدي لقدر كبير من التحسن بالفعل، «أعتقد أنه بدلًا من دفع المدارس نحو تضييق المناهج لإعطاء مزيد من الوقت لمادتي الرياضيات والعلوم، فإن ينبغي تشجيع الوزراء حتى تستعيد الفنون مكانها الصحيح».

وأوضح بريوين أن في مدرسة بلدته الواقعة جنوب شرق لندن، كان هناك ضغط بالفعل لإضافة المزيد من دروس الرياضيات. «قاوم قسمنا في المدرسة هذا التوجه؛ لأننا شعرنا أن الصحيح هو أن تستمر المدرسة في تقديم منهج واسع ومتوازن، مع إعطاء الموسيقى والفن والدراما مساحة لائقة في الجدول الزمني».هل يمكنك أن تقارن هذا الأمر بما يحدث لحصص الموسيقى والأنشطة الرياضية في بعض مدارس العالم العربي؟

للأسف، فإنه حتى في بريطانيا، لم يكن ما فعلته هذه المدرسة هو نفس ما حدث في كافة المدارس الأخرى في أنحاء البلاد. يقول بريوين إن ابنه في الصف الثامن الآن بإحدى المدارس، لديه مرحلة ثالثة مضغوطة جدًا من المنهج الدراسي الذي يعطي المزيد من الوقت للعلوم والرياضيات، بدلًا من الفن وجوانب مختلفة من التكنولوجيا والتصميم.

وكان الهدف من التركيز في بريطانيا على المواضيع الجذعية هو تضييق فجوة التحصيل بين الطلاب في المملكة المتحدة، وتلك الموجودة في الدول الآسيوية التي دائمًا ما تحتل صدارة الترتيب العالمي، مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، حتى إن مصطلح «الرياضيات السنغافورية» كان تعبيرًا طنانًا على مدى السنوات القليلة الماضية.

لكن بريوين أشار إلى شيء مهم للغاية، هو أن تقدم هذه الدول نحو الرياضيات والعلوم يلائم طموحها وما تريد أن تصل إليه هذه الدول، لكن هل هذا الأمر هام بنفس الكيفية لدولة مثل المملكة المتحدة؟

الاهتمام بالعلوم لا يعني إهمال الفنون

التوازن

يشمل اليوم النموذجي للتلميذ في سنغافورة ساعة من الدروس الخصوصية المكثفة في وقت متأخر من المساء. هذه هي الثقافة التعليمية التي تركز بشكل كبير على تحصيل العلوم الجذعية، والتي تتسبب في خلق توتر وقلق عال جدًا بين الطلاب. ويتساءل بريوين «في مطاردة هذه النخبة في صدارة التصنيف العالمي، هل نحن على استعداد لتضاعف معدل الانتحار في سن المراهقة؛ حتى يمكننا الوصول إلى نفس مستوياتهم؟

وبطبيعة الحال، هناك أشياء يمكننا أن نتعلمها من الطريقة التي يجري بها تدريس الرياضيات والعلوم في الدول ذات الأداء العالي. ومع ذلك، فإن جدول الدرجات، عدد قليل في وزارة التعليم على استعداد للحديث عنه، هو الذي يبين أن المدرسين في المملكة المتحدة ينفقون أربعة أيام في المتوسط على مدار السنة لتلقي التطوير المهني، في حين إن المعلمين في شنغهاي يتلقون 40 يومًا سنويًا. وبالتالي فقد أظهرت الإحصاءات العالمية أنه من حيث الوقت المستثمر لتطوير مهارات المعلمين، تحتل المملكة المتحدة المركز رقم 30 من بين 36 دولة متقدمة.

وبالتالي فإن الاستمرار في طلب المزيد من قبل المعلمين، في حين أنك تعطيهم القليل الذي يساعدهم على أداء عملهم بكفاءة، هو أمر يمكن وصفه بالكارثة؛ لأن قلة تطويرهم تعني قلة تطوير الطلاب وتقدمهم في التحصيل العلمي. إذا كنا نريد حقًا أن ينهل طلابنا ما هو أفضل، يجب علينا أن نستثمر بشكل صحيح في معلمينا.

يتخذ المسؤولون القرارات بشأن الأولويات التعليمية ونوعية المواضيع طبقًا لما يريدون أن تصبح الأمة البريطانية عليه. المملكة المتحدة تحتل المرتبة الثانية بالفعل في قائمة أكثر الحائزين على جائزة نوبل – مع أن غالبية هذه الجوائز قادمة من مجالي العلوم والطب. وبالتالي فإنه «بغرض إنشاء خط إنتاج أكثر كفاءة من أي وقت مضى من علماء الرياضيات والعلوم على مستوى المدارس الثانوية عاليةالأداء، فإننا نخاطر بخنق الفنون الإبداعية. اعتقادي هو أن القوة البريطانية في الفنون جزء لا يتجزأ من فهم لماذا لدينا الكثير من جوائز نوبل: فالاكتشافات المذهلة في مجال العلوم والتكنولوجيا دائمًا في حاجة إلى شرارة الإبداع أيضًا»، طبقًا لما ذكره بريوين.

خلاصة الكلام هنا لا تتعلق بتأثير الفنون على الفرد ذاته، لكن لها أثر بالغ من ناحية المجتمع أو الدولة ككل، لابد أن تتيح الدول التي ترغب في التقدم واحتلال الصدارة عملية تعليمية تتوازن بين الاهتمام بالعلوم التطبيقية والرياضيات والفيزياء وغيرها، وبين الفنون الإبداعية من موسيقى ودراما وغيرها

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.