وسط مقاطعة المعارضة.. هل ستطوي توصيات الحوار الوطني أزمات السودان؟

عندما يصادق الرئيس السوداني عمر البشير الإثنين المقبل، على توصيات الحوار الوطني المنعقد منذ 12 شهراً بمبادرة منه، فإن السؤال الملح الذي يطرح نفسه هو مدى فاعليتها لحلحلة أزمات البلاد في ظل مقاطعتها من قبل فصائل المعارضة الرئيسية.
وتعود مبادرة البشير إلى مطلع العام 2014، ويُعتقد على نطاق واسع أن دافعه إليها هو الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في سبتمبر/ أيلول 2013 مستلهمة شعارات الربيع العربي وكانت الأقوى منذ وصوله السلطة في 1989.
واندلعت الاحتجاجات التي خلفت عشرات القتلى بسبب خطة تقشف حكومية شملت رفع الدعم عن الوقود وزيادة الضرائب وخفض قيمة العملة الوطنية.
وكانت هذه أقسى خطوات لجأت إليها الحكومة على دفعات لامتصاص الصدمة الاقتصادية التي تسبب فيها انفصال جنوب السودان في 2011 مستحوذا على 75 % من حقول النفط كانت تمثل نحو 50 % من الإيرادات العامة.
وانفصل جنوب السودان بموجب استفتاء شعبي أقرّه اتفاق سلام أُبرم في 2005 لينهي عقوداً من حرب أهلية خلفّت أكثر من مليوني قتيل، ما مَثل خسارة سياسية فادحة لحكومة البشير تَمثلت في أزمتين إحداهما معيشية بالنسبة للعامة وأخرى سيادة بالنسبة للنخبة.
ومع إطلاق المبادرة في يناير/كانون ثان 2014 حظيت بزخم عندما قبلها الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي أكبر أحزاب المعارضة في البلاد.
في المقابل رفضت قوى مؤثرة بينها 4 حركات مسلحة تحارب الحكومة في إقليم دارفور غربي البلاد وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المتاخمتين لجنوب السودان.
ورهنت هذه القوى مشاركتها بحزمة شروط على رأسها الإفراج عن المعتقلين والمحكومين السياسيين، وإلغاء القوانيين المقيدة للحريات وآلية مستقلة لإدارة الحوار.
لكن عملية الحوار فقدت هذا الزخم بانسحاب المهدي منها في مايو/ أيار من نفس العام احتجاجاً على اعتقاله لنحو شهر بسبب اتهامه لقوات حكومية بارتكاب تجاوزات بحق المدنيين في إقليم دارفور .
ووقتها أرجع مراقبون اعتقال المهدي الذي تزامن أيضاً مع اعتقال رئيس حزب “المؤتمر السوداني” المعارض وقتها إبراهيم الشيخ، إلى تيار داخل حزب “المؤتمر الوطني” (الحاكم) يعارض عملية الحوار.
وفي خطوة تصعيدية غادر المهدي البلاد ليعمل مع بقية فصائل المعارضة المدنية والمسلحة على تأسيس “نداء السودان” كأوسع تحالف لإطاحة حكومة البشير.
وخيّر التحالف الذي أُعلن عنه بأديس ابابا في ديسمبر/ كانون أول 2014 النظام ما بين القبول بحوار “جاد” أو مواجهة “الانتفاضة الشعبية”.
وسبق ذلك توسيع الاتحاد الإفريقي تفويض رئيس جنوب إفريقيا السابق “ثابو أمبيكي” ليشمل المساعدة في إنجاح الحوار، حيث كان يتوسط أصلاً بين الخرطوم وجوبا لتسوية القضايا المترتبة على التقسيم بجانب وساطته بين الخرطوم و”الحركة الشعبية” التي تحارب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
واستطاع الوسيط إقناع الطرفين بالمشاركة في اجتماع تحت إشرافه بأديس أبابا في مارس/ آذار 2015 يمهد لانخراط المعارضة في الحوار، لكن الحزب الحاكم أعلن قبل أيام من الموعد مقاطعته للاجتماع، مشترطاً أن تقتصر المشاركة على الحركات المسلحة بحجة أن الأحزاب موجودة أصلاً بالداخل و”تمارس نشاطها بحرية”.
وتعقدت الأمور عندما أصرّ الحزب الحاكم على تنظيم الانتخابات العامة رغم اعتراض المعارضة في أبريل/ نيسان 2015 حيث اكتسحها البشير واستحوذ نواب حزبه على ثلاث أرباع مقاعد البرلمان بينما ذهبت البقية لأحزاب حليفة.
وتلا ذلك افتتاح الرئيس البشير لمؤتمر الحوار رسمياً في أكتوبر/ تشرين أول 2015 حيث اقتصرت المشاركة فيه على أحزاب متحالفة أصلاً مع حزبه على رأسها “الاتحادي الديمقراطي” الأصل بزعامة محمد عثمان الميرغني.
وشارك في المؤتمر أيضاً عدد من الحركات التي انشقت في أوقات سابقة عن الحركات الرئيسية ووقعت اتفاقيات سلام مع الحكومة على رأسها “التحرير والعدالة” بزعامة التجاني سيسي.
ورغم ذلك، استطاع الوسيط أمبيكي عقد سلسلة من المباحثات انتهت بطرحه خارطة طريق وقعت عليها الحكومة بشكل منفرد في مارس/ آذار الماضي، بينما رفضتها الحركات المسلحة بحجة أنها تقصي بقية حلفائها من الأحزاب من مباحثات الخارج التي تمهد للحوار بالداخل.
ورأت الحركات أن الخارطة تمثل “انحيازاً” من الوسيط لرؤية الحزب الحاكم الذي استثنى المهدي من رفضه بوصفه يتخذ من القاهرة منفى اختيارياً منذ أغسطس/ آب 2014.
لكن في أغسطس/ آب الماضي قبلت الحركات بجانب المهدي التوقيع على خارطة الطريق بحجة حصولهم على تعهد من أمبيكي بأن يشارك بقية حلفائهم من أحزاب المعارضة في الاجتماع التحضيري بالخارج.
ونصت الخارطة على أن تتفاوض الحكومة مع الحركات لوقف العدائيات وتمرير الإغاثة للمتضررين ومن ثم الاتفاق على أجندة لحوار أشمل يضم أحزاب المعارضة لمناقشة القضايا القومية وعلى رأسها أزمة الحكم وإصلاح الاقتصاد.
وبناء على الخارطة احتضنت أديس أبابا في أغسطس/ آب هذا العام، مفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة تحت مسارين الأول يضم الحكومة وحركة “العدل والمساواة” التي يتزعمها جبريل إبراهيم بجانب حركة “تحرير السودان” بزعامة أركو مناوي واللتين تحاربان الحكومة في دارفور منذ العام 2003 بينما خصص المسار الثاني لـ”الحركة الشعبية قطاع الشمال”.
لكن أمبيكي أعلن بعد أيام، تعليق المباحثات لأجل غير مسمى بعد فشل الطرفين في التوصل لاتفاق حيث تعثر مسار دارفور بسبب رفض حركتي إبراهيم ومناوي طلب الحكومة تحديد مواقع قواتهما كشرط للتوقيع على وقف العدائيات.
وكان الخلاف الأساسي في مسار جنوب كردفان والنيل الأزرق رهن الحركة الشعبية توقيعها على وقف العدائيات بإقرار مسارات من داخل وخارج البلاد لتمرير المساعدات وهو ما رفضته الحكومة التي اشترطت تمريرها عبر الداخل فقط بحجة “السيادة”.
وفيما لم يعلن الوسيط موعداً جديداً لاستئناف المباحثات، أعلن الحزب الحاكم عقد الجلسة الختامية للحوار الإثنين المقبل، لإجازة توصياته والتي على رأسها تشكيل حكومة “وفاق وطني” وصياغة دستور دائم للبلاد.
واستبقت فصائل المعارضة المؤتمر بإعلانها أنها غير معنية بتوصياته وهددت باللجوء إلى خيار “الانتفاضة الشعبية”.
وفي الأيام الماضية درج مسؤولون حكوميون على التأكيد بأنه لن يجرى حوار جديد وأن المتاح لفصائل المعارضة التوقيع فقط على التوصيات لتكون جزء من تنفيذها.
وفي مقال وزعه مكتبه على وسائل الإعلام ووصل الأناضول نسخة منه، اتهم المهدي، الحزب الحاكم بأنه “تنصل مما وقع عليه في خارطة الطريق وإعلانه أن الحوار الوطني الذي يقبله هو الحوار الداخلي الذي سوف يكتمل بالاجتماع العام المقرر عقده في العاشر من أكتوبر”.
وأكد المهدي أن فصائل نداء السودان “موحدة في موقفها وترفض الانخراط في حوار النظام وحلفائه وملتزمة بالحوار الشامل عبر خريطة الطريق وإشراف الآلية الأفريقية (فريق أمبيكي)” وذلك رداً على تجديد البشير الإثنين الماضي خلال مخاطبته البرلمان دعوته المعارضة للإنخراط في الحوار.
وفي حال “تمترس النظام في موقفه من خارطة الطريق”، يقول المهدي إن “واجبنا الوطني هو العمل على إسقاط النظام بالوسائل المدنية الخالية من العنف وحصر موقف فصائلها المسلحة في الدفاع عن النفس”.
وأمس الأول الخميس، حمّل مساعد الرئيس إبراهيم محمود، المعارضة مسؤولية “استمرار الحرب برفضها للحوار الذي يجري بالداخل رغم توقيعها على خارطة الطريق التي تنص على أنه هو العملية التي يجب الانخراط فيها وليس حوار آخر”.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم حاج حمد للأناضول إن “الحزب الحاكم لجأ للحوار لتخفيف الضغوط الاقتصادية التي تشتد بالصرف العسكري وبالتالي ليس هناك حل دون تسوية شاملة تنهي الحرب”.
وتساءل حمد “ما قيمة هذه التوصيات ما لم تكن محل توافق من كل الأطراف؟
الاناضول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.