بابكر حنين: محمد حاتم طلب مني إلغاء بث هذه الحلقة فرفضت

يفهم المُراقب السياسي ظاهرة حنين في إطار الجدية، ولكنه بالقدر المُحيط به وبنا فهي جدية مؤسسة على جملة أخطاء ومحاذير، واشتهر ضيفنا بالمبدئية وعمق النظر والالتزام بالأدبيات الوطنية تجاوزاً للتنظيمات الصغيرة، ونجح كثيراً أيام ظهور قناة النيل الأزرق كمبادرة إعلامية كان له النصيب الوافر، ثم ظهر ببرنامج مُهم جداً (بصراحة بصراحة) ارتبط به وصار الجمهور المُشاهد يسأل عنه، سيما أنّه أول برنامج جرّب مُواجهة الفساد بالشفافية وعرض كل شيء أمام الشعب، كما أشار حنين في نفس السياق أنّه طوال بث حلقات برنامجه لم يتعرّض لأية مُساءلة أو لفت نظر من مسؤول، وأكثر من ذلك حكى نكتة وحكاية وأعلن عن مبادئ مختلفة في دربه ومشواره
فإلى الحوار المُتنوِّع:-

الخطوط
– لم تشبعني دهاليز السياسة وبقيت مُتصوِّفاً
هذه قصة خروجي من قناة النيل الأزرق كاملة
محمد حاتم طلب مني إلغاء بث هذه الحلقة فرفضت
الشيخ صالح كان لديه رأي بأنني (لا أسمع الكلام)
* لم نرك منذ مدة طويلة؟
• بعد عودتي سفيراً من جنوب أفريقيا، مكثت في البيت سنة وتسعة اشهر بدون عمل الى أن انتبه بعض الإخوة وبحثوا لي عن فرصة.
* جئت بالواسطة؟
• – ليس هكذا سياق تفكيري وهم مجرد إخوة في الحياة يهتمون بي من جانب عادي, ومثلي لا يأتي بالواسطة.

* الناس دائماً ما يربطون بين شخصيتك وبرنامجك الشهير… كيف ظهر برنامج “بصراحة بصراحة”؟
• كان المناخ يحتاج لبرنامج ينتج انفتاحاً، والإعلام مهمته التفاعل مع المجتمع وعكس ظروفه وقضاياه التي يتعايشها ويجب أن يتعرض دائماً للواقع المعاش وهو الركيزة الأساسية لتصحيح المسار السياسي مع متطلبات المجتمع.
* كيف كان يواجهك المسؤولون ضمن ردات فعل البرنامج؟
• البرنامج كان جريئاً جداً، وللتاريخ لم أتعرّض لأيّة مساءلة من أي مسؤزل بتخفيف جرعة الصراحة وكشف الفساد، وأذكر جيداً استدعاني المرحوم الزبير محمد صالح في القصر بعد مُشاهدته لحلقة مع وكيل وزير الصحة آنذاك، وقال لي بالحرف: (هذا البرنامج يجب أن يستمر)، كما لاحظ بضعف ضيفي في تلك الحلقة.
* هل كانت مُلاحظته في محلها؟
• جداً جداً, كان أداء الوكيل ضعيفاً جداً وأضعف الحلقة أيضاً، وكان موضوع الحلقة مستشفى الدرن بأبوعنجة، وأذكر أيضاً في زيارتنا وجدنا المشرحة من الصفيح بتربيزة الأتامونيا (حقة الجزارين).
* لم تتعرّض لأيّة مُساءلة؟
– لم أتعرّض لايّة مُساءلة في حياتي.
* ولكن التدخل واردٌ ودائماً موجود؟
• نادراً وذات مرة حضرت لحلقة حول كشف الإمتحانات بدارفور وكان ضيفي المرحوم معتصم عبد الرحيم, واتصل عليّ الأستاذ محمد حاتم بساعتين قبل البرنامج وقال لي بالحرف: (لا تبث هذه الحلقة ويجب أن تلغيها)، فقلت له من أنت حتى تأمرني وأنا لا أتبع لك مُباشرةً واتصلت على معتصم وأخبرته يجب أن تسرع أو ستُجهض الحلقة!
* ربما لمحمد حاتم تقديراته كرجل دولة في مكانه المخصص للمُراقبة؟
• لم أكن فالتاً في موضوعاتي ولم أسيئ لحكم أو شخص أو نظام، بل كنت مُهتماً ومُحايداً لمناقشة الأخطاء وفهم الثغرات وتوضيح الحقيقة وهذا هو دور الإعلامي الحقيقي, يكون على الدوام مع مصلحة المُجتمع.
* (تحديداً) في تلك الحلقة ما الذي حصل في ملف الامتحانات آنذاك؟
• قلبنا زوايا الموضوع من كل طرف، وكان للحلقة أثر إيجابي كبير وأظنه كان واحداً من ملفات كشف الفساد مبكراً.
* وتقديرات محمّد حاتم؟
• ليس معنياً بشخص مُعيّن، ولكن هناك ملك أكثر من الملوك أنفسهم يتصدون لعرقلة العدالة بحجة الحفاظ على الأوضاع، وأنا على العموم أحترم نفسي وأعمل من أجل الناس.
* ولكن (على العُموم أيضاً) توقف البرنامج وهو في قمة نجاحه؟
• بعض الناس لم يعدوا راضين عنه وليس من بينهم الحكومة ولا جهة أمنية أو مخابرات, ولا وزراء، بل هم الذين وصفتهم لك الملوك أكثر من الملك وهؤلاء يُبالغون في الحماية لما يظنون شكلاً من أشكال التقرب من خلال إظهار الحرص على البلاد.
* يعبرون عن خوفهم عن مخاطر البلد؟
• خوف غير مبرر أو قُل خوف فيه غرض وأسباب تخصهم، ولو اطمأن نائب الرئيس فماذا نفعل بقلق البقية..
* هل خرجت من قناة النيل الأزرق أم أخرجوك؟
• النيل الأزرق هي في الواقع شراكة بين الشيخ صالح والهيئة.. والشيخ صالح كان لديه رأي بأنني(لا أسمع الكلام) وكان هذا مصدر خلاف كبير، وكان هناك متربصون لا يرغبون في وجودي أصلاً, وأنا لست من النوع الذي يقال له افعل هذا ولا تفعل ذلك فخرجت من قناة النيل الأزرق…
* هل أنت فعلاً عنيدٌ؟
• (دي قيمة سودانية) والاعتزاز متوفر عند كل السودانيين ونحن لسنا عبيداً عند أحد ونرفض الكلام دا (رجالة كدا بس).. وبالمُناسبة رجال ونسوان عندهم نوع تلك الرجالة المطلوبة دائماً.
* على أية حال جلست طويلاً على كنبة الاحتياطي؟
• – جلوسي على كنبة الاحتياطي أفهمه من ناحية (قدرية) مقرون بقراءة واقعية وفعلاً جسلت سنة وتسعة اشهر بلا عمل ولم أسأل أحداً كما أخبرتك و(في ناس عايزني أقعد كدا)، وكلما عرفت أن البشر يكيدون لي أترفّع عنهم وأنساهم و(أصلاً أنا ما شايف زول)..
* حضرتك تدعي أنك (صاحب رؤاك)، بينما أنت جُزءٌ من تنظيم يسلبك كثيراً من حريتك ويسقفك تماماً؟
• خُذها مني كدا (أنا لا يسعني شئ) ولو كانت الدعوة والتنظيم بحيرة فأنا محيط مستكبر على الحصر وإنني أقدِّر منهجي في التفكير ولا أتبع أحداً.
* يُمكن أن يُكلِّفك التنظيم بتنفيذ شيء لا يَتَوافَق مع (رُؤاك الخَاصّة)؟
• لو لم يُؤخذ رأيي في الاعتبار سيكون استعباداً وسأتمرّد ولا أبالي.
* قبل مجئ الإنقاذ كنت جُندياً مُخلصاً للتنظيم؟
• (دا زمان قبل مجئ الإنقاذ حينما كنا في عُمر الطلاب).
* واضحٌ أنك خرجت كلياً من الحركة والمؤتمر الوطني؟
• لم تشبعني دهاليز السياسة وبقيت مُتصوِّفاً
* خرجت من الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني؟
• (أنا ما قلتها.. فكيف تقولها أنت بالنيابة عني)
* وأنا في انتظار قولك؟
• السياسة تحجب وأنا حُر وليس متمرداً، بل في الحقيقة متعاون مع أيّة جهة تتماشى مع منطلقاتي الجديدة.
* خرجت؟
• لم تعد تجمعني خلية بأحد.
* خرجت من الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني؟
• ما عندي قالب مُعيّن للوطني والحركة الإسلامية، ووفقاً لمنهجي فمن يصدقني وهو كذوب أتبعه وأتعاون مع كل الناس.
* هل ما زلت إسلامي الصبغة؟
• أنا إسلامي.
* ولكنك قلت صرت مُتصوِّفاً مع الصوفية؟
• التصوف مش تقيل كدا, أنا عاوز أعمل الدعوة الى الله (بطريقتي) ولو في زول نسبني له فلن أقف أمام الملأ لأنفي وأرفض.
* (كيف نقفل الفقرة دي)؟
• قل لهم أنا لا أحب القيود وفي بقية العُمر دا لن أتقيّد بأحد لا الوطني ولا أي شيء ثانٍ.
* هل عشتَ مُضطهدا لأيِّ سَبَبٍ من الأسباب؟
• (سُؤال غريب على شخصيتي) فأنا من مواليد ود مدني.. بيئة مدن وراقية ولا يُمكن تشبِّهني بأي شخص قادم من مكان آخر أقل تمدناً، وأنا أتعامل مع أيٍّ كان كأنداد مع احترامي لأي إنسان قادم من أية منطقة (على العين والرأس).
* معتد جداً بنفسك؟
• شخصيتي مُرَكّبَة وما أفعله لا يَتَكَرّر (زي البصمات).
* كيف تقدر الحريات في الإعلام (بشكل عام)؟
• أنا صحفي قديم وأعتقد أن الاستسلام فقط للحقيقة هو الذي يُؤهِّل الصحفي أن يُسمى صحفياً ولو وضع الصحفي معيار أن كلامه وتحريره سوف يزعِّل فلاناً ويرضي علاناً سيكون قد سقط في نظري والكلمة ثمن وإن كان موتك.
* ولذلك جسلت في بيتك سنة وتسعة اشهر؟
• على الأقل كانت فرصة للجلوس مع الأسرة وربنا هو من يُقدِّر حركة العبد.
* كيف تعاملت الإنقاذ مع قطاع الإعلام في كل تاريخها؟
• الإعلام مُهمل ومنذ مجئ الإنقاذ لم يبذل فيه أيّ مجهود ولم تعرف القيادات السياسية قيمته بكونه مساراً لقوة الدولة وعنواناً لها وانحصر إعلام الإنقاذ كله حول فعل ولم يفعل.
* (دا الإعلام في زمن الإنقاذ)؟
• حصروه في التحدث عن الإنجاز باعتباره عباءة ساترة ونسوا مُناقشة قضايا المُجتمع المُهمّة.
* (تحديداً) كيف تُقدِّر رأي القيادة السياسية؟
• أفتكر عند البعض لم يكن الإعلام مهماً لنهضة البلد واهتموا بقضية تأمين البلد ومع فهم كل المخاطر المُحدقة بالبلد، ولكنهم لم يفهموا أن مُدفعية الإعلام حاسمة مثل الدبابات تماماً لو أًعطي حقه في الحرية والشفافية.
* وما زالت المسافة بعيدة بين مُهمّة السياسي ومُهمّة الصحفي في لقيا وطنية وسطى؟
• الصحفي لم يكن منوّراً بمعلومات كافية بخل بها السياسي لتكون قاعدة اتفاق واحدة، فالسياسي يتعامل بأنّ هناك أسراراً هي سبب تقديراته، وفي الحقيقة وفي زمن الوسائط لم تعد هناك أسرار بالمرة وأصبح كل شيء مكشوفاً وواضحاً.
* وضع الأولويات هو المشكلة الأساسية؟
• لو قلنا الأمن هو الأول سيكون الإعلام الثاني مُباشرةً، لأنّه يُحرِّك الأشياء ومع توفر تلك القاعدة سوف نحكم مع الحكم.
* مَن الذي ظلم الإنقاذ؟
• (دا سؤال عام شديد).
* متى يتفق الساسة السودانيون على ثوابت الوطن؟
• المشكلة واقعة بسبب تداخل المَسافات بين مفهوم الوطن والحكومات والمُعارضة لا تفرِّق بين الوطن والحكومة, الوطن دائمٌ والحكومة مُتغيِّرةٌ، بل الحكومة فائتة وعندها عُمر ويبقى الوطن.
* النقاش حول الوطن والحكومات وكون الوطن ثابتٌ (دا كلام قَديمٌ ومَعروفٌ)؟
• (حكومة ومعارضة) هذه دورات لن يستريح منها السودان قريباً بسبب سُلوك الطرفين في ممارسة السياسة.
* المعارضة لا تملك حكماً وليست في يدها سُلطة؟
• أيِّ حكومة عندها أجل عند ربنا ونحن كمُسلمين ما مفروض نعارض أيِّ حاكم إلاّ إذا منعنا من الصلاة، بل يجب أن يمنحنا الحُرية الكافية لننتقده.
* أنت تُؤيِّد نظرية الإمام زي الشوكة؟
• لو نجحت تلك الدولة في تأميني لأكمل اعتقادي فأين المُشكلة.
* هذا مبدأ إسلامي يُقرأ من زوايا مُختلفة، ولكن هناك ثقافات أخرى وديانات لمُواطنين سُودانيين من الدرجة الأولى؟
• أنا أتكلّم عن نفسي ومجموعتي.
* هناك مسيحيون؟
• كم نسبة غير المسلمين بعد انفصال الجنوب 2% مثلاً أو قل 4%.. قل لي أنت (أنا اسألك).
* ما أعلمه هناك مسيحيون وهم مواطنون سُودانيون؟
• في بريطانيا وهي دولة مسيحية بالكامل هناك هضم لحقوق الأقليات لصالح استقرار البلد وحياة الناس، ونحن هنا نراعي حُقوق تلك الأقليات بشكل كبير ونُعاملهم أهل ذمة أو أصحاب ديار..
* فاجأتني بفهمك وتأييدك للإمام زي الشوكة؟
• فهمي للدين كالآتي الإمام زي الشوكة هو الإمام العادل، وتلك الغلبة يكتسبها من العدل وليس القهر، والشوكة ليست عتاداً، وتقديري لها تشكل كلا القوتين المَاديّة والمَعنويّة، فجاءت الغلبة بعد تطبيق العدالة وإنصافهم من الدولة وإتاحة الحرية.
* (دي مواصفات الإمام زي الشوكة)؟
• إذا لم يكن الحاكم مُتصالحاً وسَاكناً معهم ولا يتميّز عليهم بأيّة ميزة سوف لن تدوم له أيّة شوكة، سيما إذا لم يعش الحاكم في مُستوى الشعب.
* تكاليف الحرية باهظة لذلك الإمام (زي الشوكة)؟
• كثيراً (الناس) في موضع الحكم يعرف الخطأ ويمارسه ويعرف الحقيقة لكنه لا يحتملها.

التيار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.