الانكماش والدولار القوي

في كتابه الكلاسيكي، الذي نُشِر عام 1944 بعنوان خبرة العملات الدولية، زعم راجنار نوركس أن سياسات مقاومة الانكماش في أعقاب انهيار معيار الذهب في عشرينيات القرن العشرين عملت عن طريق خفض قيمة الصرف الأجنبي للعملات، مع تسبب خفض قيمة الجنيه البريطاني عام 1931 في إطلاق العنان لموجة من التخفيضات التنافسية في مختلف أنحاء العالم.
وفي حين يُعتقد عادة أن خفض قيمة العملات كان المقصود منه «إفقار الجار»، فقد أشار نوركس إلى أنه كان مصحوباً بسياسة نقدية توسعية غالباً، وهو ما استفادت منه التجارة العالمية.
وكان المنطق وراء تفضيل العملات الضعيفة هو أن سعر الصرف التنافسي من شأنه أن يمنع المزيد من تقلص الناتج المحلي والأسعار المحلية «الانكماش». وكان الهدف استبدال الطلب الخارجي، في هيئة تحسن في صافي الصادرات، بالطلب المحلي الناقص،
ولكن الطبيعة المعدية لخفض أسعار الفائدة تطرح بالفعل التساؤل حول ما إذا كانت السياسات النقدية المحلية أصبحت مرة أخرى أكثر ترابطاً واعتماداً على بعضها بعضاً، ورغم أن الصِلات بين الأسس الاقتصادية وتحركات العملة غير واضحة، فيبدو من المعقول أن نتوقع أن يترتب على اتباع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مساراً أكثر تشدداً ضرورة التعايش مع دولار أميركي أكثر قوة.
لقد اقتطع تدهور صافي صادرات الولايات المتحدة بالفعل نحو 0.8 من النقطة المئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2016 «على حساب التصنيع»، وعاد عجز الحساب الجاري الأميركي إلى الارتفاع مرة أخرى تماماً كما من المتوقع أن يسجل فائض الحساب الجاري الألماني ارتفاعاً بنحو 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام «نحو ثلاثة أمثال نسبة الصين».
وفي ظل كل هذا القدر من خفض القيمة في مختلف أنحاء العالَم، فما الذي قد يجعل الولايات المتحدة راغبة في نيل الشرف الملتبس المريب المتمثل في الدولار القوي؟
* أستاذ النظام المالي الدولي في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد

البيان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.