مواد الإغاثة بين البيع وانتهاء الصلاحية الأزمات والكوارث.. “التماسيح” يخطفون “اللقمة” من أفواه الجوعى

عائشة الغبشاوي: يجب قطع يد من يستولي على المساعدات

العون الإنساني تستعين بالهلال الأحمر.. ومعتمد يرفض لوفد أجنبي توزيع الإعانات

عرض: صديق رمضان

تفاجأنا عقب وصولنا الى قرية بحر دبلوك بمحلية أروما بولاية كسلا التي اجتاحها فيضان نهر القاش بداية هذا الشهر، بمتأثرين يحيطون بالعربة التي أقلتنا ويطالبون بأن نقدم لهم مساعدات، وحينما كشفنا لهم عن هويتنا الصحفية لم ينفض سامرهم من حولنا بل انتهزوا الفرصة وعبروا عن بالغ استيائهم من الطريقة التي تم انتهاجها في توزيع الإعانات عليهم، وكشف رجل خمسيني يدعى أحمد أن بعضاً من رجال الإدارة الأهلية الذين كانوا يحملون كشوفات بأسماء المتضررين استلموا دعم المنظمات وحكومة الولاية وأنهم بحسب الذين تحدثوا إلينا عمدوا إلى توزيع جزء يسير منها للمتضررين فيما احتفظوا بقسط وافر منها لأنفسهم وأسرهم وخاصتهم.

شرقاً وغرباً.. المشاهد تتشابه

الشكاوى من وجود تجاوزات في توزيع مواد الإغاثة للمتضررين من كوارث طبيعية أو حربية ليست حكرا على الشرق، فقد وصلت الى مسامعنا ونحن نتجول في ثلاثة معسكرات للنازحين بغرب البلاد، ففي معسكر النيم بالضعين وعقب حريق قضى على ما يربو على الخمسمائة منزل أكد متضررون تحدثوا لنا في زيارة سابقة للمعسكر أن التعويض لم يصلهم، فيما أشار بعض منهم الى استلامهم جزءاً يسيراً لا يتماشى مع الذي تم الإعلان عنه، وفي معسكر عطاش بجنوب دارفور تتردد ذات الشكاوى وتتلخص في أن المعينات التي تخصصها المنظمات والخيرون لهم تضل طريقها في أغلب الأوقات إلى الوجهة غير المقصودة أصلاً، وأكدوا وجود مستفيدين يتاجرون بقضيتهم ويجنون أموال طائلة من ورائها، وفي معسكر زمزم بشمال دارفور ايضاً كشف لنا نازحون عن فصول أخرى توضح تحويل البعض لجزء من المساعدات ناحيتهم.

تجار على مستوى رفيع

مسؤول ولائي رفيع أبدى استياءً واضحا من سلوك بعض من قيادات الحزب الحاكم وجزء من رجال الإدارة الأهلية، ولم يتحرج من وصفهم بتجار الأزمات والكوارث، وقال إن هؤلاء ترتفع أصواتهم ويزيد إيقاع تحركاتهم عندما تحل بمنطقة نازلة طبيعية، وكشف عن أنه ظل يرفض التجاوب مع طلباتهم الكثيرة التي تستهدف إطلاق يدهم لجمع التبرعات من الأفراد والمنظمات والجهات الحكومية ،وأنه ايضاً يتمترس وراء صخرة وجود أجسام حكومية هي المنوط بها استجلاب الدعم والإعانات وتوزيعه على المحتاجين وذلك لتخصصها حتى لا يتسرب الدعم بعيداً عن مستحقيه من المتضررين.

منظمات في شنطة

في عدد من الولايات التي زرناها خاصة تلك المتأثرة بالحروب والظروف الطبيعية فإن مصطلح “منظمة في شنطة” يعد الأكثر تداولاً وقد شرحه لنا مواطن بمدينة كادوقلي حينما أشار الى أن عدم وجود تشديدات صارمة على إنشاء المنظمات الطوعية خاصة من قبل حكومات الولايات أسهم في تفشيها، ولفت الى أن الكثير منها لا يمتلك دورًا ولا مكتباً تنفيذياً معروفاً، وأن المنظمة بحسب محدثي عبارة عن رجل واحد يحمل في يده شنطة بها الأختام والأوراق، مبيناً أن مثل هذه المنظمات هي التي تنشط في استقطاب الدعم عند الكوارث أو بدعوى تنفيذ برامج تستهدف المتأثرين، وأكد أن الكثير من هذه المنظمات تستفيد من الدعم المقدم لها ولا توجهه ناحية من يفترض أن يذهب إليهم.

مرابيع الشريف.. بالثابتة

في العام قبل الماضي اجتاحت سيول منطقة مرابيع الشريف بمحلية شرق النيل، وقد تسببت في أضرار مادية بالغة، وحظيت مأساة المواطنين بتفاعل كبير داخلياً وخارجياً، ومثلما تدفق عليهم السيل فإن الإعانات وصلتهم من جهات كثيرة، وفي ظل العشوائية التي أحاطت بتوزيع المساعدات وعملية استلامها وتسليمها ظهر تجار الأزمات الذين وجهوا جزءاً مقدراً منها الى مصلحتهم، وذلك بحسب حديث المواطنين المتأثرين لوفد المجلس الوطني، الذي تفاجأ بهذه الحقيقة الصادمة. والمواطنون يبعثون بها في غضب كالحمم ، فقد عبروا عن استيائهم من تسرب المساعدات الإنسانية للأسواق، واتهموا بعض الجهات بالاستيلاء على مواد الإغاثة وبيعها في الأسواق، ولم يجد وقتها وفد البرلمان الذي ألجمت الدهشة أعضاءه غير أن يطلق وعوداً بالكشف عن المتورطين، هذا ما قاله وقتها القيادي بالمؤتمر الوطني الفاتح عز الدين الذي قطع بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول مزاعم بيع مواد الإغاثة، وقال إن القضية ستكون محل تحرٍّ لكشف الحقائق ومعرفة أوجه القصور، مشيراً إلى أن هذه الاتهامات تضر بسمعة السودان وتشكك في مصداقيته، فيما طالبت أيضاً النائبة بالمجلس الوطني عائشة الغبشاوي بالتحقيق في مزاعم بيع مواد الإغاثة في سوق ليبيا ودعت الى تطبيق الشريعة الإسلامية في محاسبة ومساءلة وقطع يد كل من يثبت تورطه في بيعها.

اعتراف على أعلى مستوى

حادثة الاعتداء على إعانات مواطني مرابيع الشريف وعلى غير العادة لم تنكرها الحكومة ولم تتهم المعارضة باختلاقها للنيل منها فقد اعترفت بها بشفافية نادرة وغير معهودة على نظام الإسلاميين، وذلك حينما أكد المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، عن تسرب بعض المواد الإغاثية الواردة من الخارج للمتضررين من السيول والأمطار بولايات السودان المختلفة تسرب في الأسواق بدلاً من توصيلها لمستحقيها، وعزا ذلك إلى طريقة توزيع مواد الإغاثة، فيما توعد يومها نائب والي الخرطوم السابق، صديق محمد علي، بقطع رقبة كل من يثبت تورطه في تسريب مواد الإغاثة وبيعها في الأسواق تطبيقاً للشريعة الإسلامية.

خلافات تطفو على السطح

ومن أكثر الأحداث التي لفتت النظر الى وجود ثمة تقاطعات وإجراءات خاطئة فيما يتعلق بتوزيع الإعانات ما حدث بمحلية المتمة بولاية نهر النيل، وذلك حينما أشارت صحف الى أن خلافاً نشب بشأن توزيع مواد الغذاء والإيواء للمتضررين من السيول التي اجتاحت المنطقة العام الماضي ، وذلك حينما منع معتمد المحلية الوفد القطري من توزيع الإغاثة وتمسك بحسب ما جاء في الصحف بأحقية المحلية في استلامها وتوزيعها على المتأثرين، مما استدعى مغادرة الوفد القطري غاضباً من قرار المعتمد، ما حدث في المتمة وللمفارقة جاء متزامناً وقتها مع قرار أصدرته وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم تؤكد من خلالها أنها الجهة الوحيدة في الولاية المخول لها استلام وتوزيع الإغاثات.

خيمة ناقصة

وفي عدد من مناطق السودان التي تأثرت بكوارث طبيعية فإن متأثرين يؤكدون أن مواد الإغاثة دائما ما تأتي غير مكتملة خاصة الخيام التي توزع دائماً بأعداد محددة لا تكفي حاجة المتأثرين، ويذكر البعض تندراً أن الإغاثات التي تأتي من الخارج وخاصة الخيام يتم توزيعها في معظم الحالات دون مرفقاتها مثل البطاطين وأجهزة التكييف والمولدات الكهربائية ومضخات سحب المياه وغيرها من ملحقات، ويقولون ساخرين إن هذه المرفقات يتم نزعها من قبل الجهات التي تتسلم الإعانات، وكان متطوع بمنطقة الفتح 2 بام درمان قد كشف العام الماضي أن الحي الشعبي كاد أن يشهد كارثة كبيرة عقب منع المحلية توزيع مواد غذائية تم احضارها للمتأثرين من سيول وأمطار أحدثت الكثير من الأضرار، وقال إن المواطنين قاموا بمحاصرة المكتب الإداري التابع للمحلية بالمنطقة طالبين الحصول على الأغذية، فما كان من الضابط الإداري إلا أن قام باستدعاء الشرطة بأعداد كبيرة لتفريق المتضررين المحتجين، وفي حدث مشابه بأم درمان التي تضررت من سيول وفيضانات اتهم المواطنين أعضاء باللجنة الشعبية بعدم العدالة في توزيع الإعانات الخارجية والداخلية، ولم يكتفوا بذلك بل وجهوا نحوهم اتهام تحويل الإعانات لمصلحتهم الشخصية والتصرف فيها.

تجاوزات بالمستندات

لا يمكن التأكيد على أن كل عمليات توزيع الإعانات للمتضررين بالكوارث الطبيعية والحروب تشوبها تجاوزات ومخالفات، فالكثير من الجهات الحكومية والتطوعية تحرص على إيصال المساعدات الى مستحقيها، ولكن الكثير من الحقائق تثبت وجود تجاوزات وهذا ما كشفه العام الماضي ديوان المراجعة الذي أكد في تقرير رسمي أن تجاوزات واختلاسات طالت مواد الإغاثة الخاصة بمتضرري السيول والأمطار، وقال مدير ديوان المراجعة، عبد المنعم عبد السيد، في تقرير قدّمه لمجلس تشريعي الخرطوم، إن مواد الإيواء الخاصة بمتضرري السيول والأمطار في الخريف الماضي لم يوجد ما يؤكد توزيعها أو تسليمها للمتضررين بمحلية الخرطوم، ووجه مدير الديوان باتخاذ إجراءات قانونية ضد محلية الخرطوم، أو إرجاع مواد الإيواء التي استملتها بواسطة بعض الأفراد ولم يوجد ما يؤكد توزيعها أو تسليمها للمتضررين ، وكشف التقرير عن متبقي مواد غذائية بمخازن محلية كرري لم يتم توزيعها للمستحقين، فضلاً عن متبقي مبلغ (500) ألف جنيه بطرف محلية كرري لجهة عدم تصرفها فى كامل المبلغ الذي استلمته من وزارة المالية.

الدم يتوزع

لماذا تحدث تجاوزات في استلام وتوزيع الإعانات الإنسانية للمتضررين، طرحنا هذا السؤال على عدد من المنظمات إلا أنها اعتذرت عن التعليق، ولم نجد غير استنطاق مسؤول بمفوضية العون الإنساني الذي نفى نفياً قاطعاً إشرافهم على توزيع المعونات الإنسانية، وأشار الى أن دورهم ينحصر في استقطاب الدعم داخلياً وخارجياً والتنسيق مع المنظمات الطوعية، وكشف عن الهلال الأحمر يعتبر هو الذراع الأيمن للمفوضية وينوب عنها في توزيع الإغاثة لمتضرري الكوارث الطبيعية والحرب، غير أنه يلفت لأمر يعتبره هاماً وذلك حينما أكد أن عدداً من الجهات الحكومية بالمركز والولايات تتحرك بمعزل عن المفوضية في استقطاب الدعم وتوزيعه، وقال إن هذا تحدث فيه بعض الاختلالات الإجرائية التي تقود الى حدوث تجاوزات، ويؤكد أن مفوضية العون الإنساني اشتهرت بعملها الاحترافي وبعدها الكامل عن توزيع الإعانات، مشددًا على ضرورة تولي المفوضية مهمة استلام الإعانات الداخلية والخارجية والإشراف عليها وتوزيعها عبر الهلال الأحمر، إلا أنه أكد أن تضارب الصلاحيات بين مستويات الحكم المختلفة مع عمل المفوضية يمثل عقبة حقيقية في التنسيق في عمليات الإغاثة.

وعُرفت مفوضية العون الإنساني بعرقلتها لعمل المنظمات العاملة في الحقل الإنساني، بما فيها المنظمات الدولية، وآخرها أزمة اللجنة الدولية للصليب الأحمر وحكومة السودان، ويرجع السبب لسعي المفوضية الحثيث في لعب دور (الوسيط) بين المتضررين وبين المانحين- بحسب قول أحد الناشطين في مجال العمل الإنساني.

ومنع معتمد محلية المتمة الوفد القطري من توزيعها في المحلية وقالت مصادر للجريدة فضلت حجب هويتها إن الوفد غادر غاضباً بعد أن تمسك المعتمد بتسليمه المواد كاملة ليشرف على توزيعها بنفسه وفي الأثناء أعلنت وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم أنها الجهة الوحيدة المخول لها توزيع الغذاء والإيواء للمتضررين وألزمت الوزارة في بيان تلقت الجريدة نسخة منه المنظمات بتسليم المعينات لتوزيعها وفقاً للاحتياجات التي ترتكز على الدراسات الاجتماعية لتحديد حجم ونوع احتياجات المتأثرين وأكد البيان حق المنظمات في المشاركة في توزيع الإغاثة تحقيقاً للعدالة والشفافية.

“””””””””””
“”””””””””””””””””””
ينبشون أكوام النفايات بحثاً عن الرزق

تجار الخردة والبلاستيك.. شباب في طاحونة الفقر

الخرطوم: تيسير الريح – تصوير: محمد نور محكر

ظاهرة جديدة أطلت بأم رأسها، وهي جمع الخردة وقطع البلاستيك والحديد والنحاس، حتى أصبحت مرئية بوضوح بالشارع العام، حيث يزاولها شباب في أعمار تكاد تكون متقاربة، فهي لهم بمثابة العمل الأساسي الذي يعتاشون منه، فهم تحت وطأة ظروف لا إنسانية صعبة من جميع الجوانب، وهم يصرّون على هذه المهنة خاصة في ظل ضنك العيش وانسداد الأفق.

ممشى القمامات العريض

شاب اكتسى وجهه بملامح تنبئ عن عزيمة، ممزوجة بحبات العرق الناتجة عن رحلة عمل في التنقيب والنبش في النفايات ليس بحثاً عن الذهب الأسود، بل عن قطع من البلاستيك التي أصبحت جزءاً من حياتهم ومصدراً لمعيشتهم، اسمه (محسن)، حدثنا وهو يشير بيديه اللتين علاهما السواد نتيجة البحث المضني طيلة النهار قائلاً: أعمل بهذه المهنة منذ سبع سنوات، وأساعد أسرتي وأسرة أخي المكونة من سبعة أفراد وأب مريض، حيث أصطحب معي اثنين من أبناء أخي اللذين يعملان في فترة الإجازة الصيفية، كي يوفرا ما يسد حاجة أسرتيهما ويحميهما من التسول والجوع.

ويضيف وهو يشير إلى طفلين لم يتجاوزا العاشرة من عمرهما، أصحبهما إلى الشوارع والبيوت فقط وأمنعهم من النبش في المكبات الكثيفة، خشيةً عليهم من خطر التعرض لأية آلات حادة قد تصادفهم أثناء النبش نتيجة خبرتي في هذا المجال.

بدون اهتمام

ويشتكي (محسن) من قلة اهتمام الجهات التي يبيعون لها محصولهم اليومي، وأشار إلى أنهم يبخسونهم مجهودهم لذلك لا يدفعون قيمة مالية توافي رهقهم الطويل، وأضاف أن حياتهم معرضة للخطر، جراء هذه المهنة التي باتت لهم مصدر رزق مضنٍ.

(محمد) لم تختلف قصته عن نظيره (محسن)، سوى في بعض التفاصيل، فهو في منتصف العشرينات من عمره متزوج ويعول أسرة مكونة من خمسة أفراد، يمتهن هذه المهنة منذ 5 سنوات، وأضاف أنه يحصل على ربح زهيد رغم أنه يعمل عشر ساعات يومية.

ويقول (محمد)، الحمد لله شيء أحسن من لا شيء في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، يكفي أنني أوفِّر مصروف البيت، ولا أمد يدي لأحد، ولكن أتمنى أن أجد عملاً بديلاً ولو بأقل أجرة من ذلك، لأن هذه المهنة متعبة وشاقة وخطرة جداً على صحتنا ولكن ما باليد حيلة.

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.