الرياح عكسية.. 8 ملايين دولار تقف حائلا أمام انعقاد اللجنة العليا بين مصر والسودان.. لكن البشير والسيسي سيلتقيان في كيجالي وسط أمنيات بحسم ملف المعدنين

القاهرة: صباح موسى
تنتظر العلاقات السودانية المصرية هذه الأيام انعقاد اللجنة العليا المشتركة بين البلدين والمتوقع عقدها في القاهرة الأيام المقبلة – وفق ما صرح به المسؤولون في القاهرة والخرطوم-، لتلتئم بذلك اجتماعات هذه اللجنة المهمة التي يرأسها الرئيسان البشير والسيسي لأول مرة بعد انقطاع دام خمس سنوات بسبب الظروف التي كان البلدان يمران بها.
= بعض المشاكل
مع اقتراب موعد انعقاد هذه اللجنة تظهر بعض المشاكل التي ربما تجعلها رهينة التأجيل مرة أخرى، فرغم كل التحضيرات واللجان التي انعقدت على مستوى البلدين في كافة المجالات إلا أنه مازالت هناك لجنتان لم تنعقدا بعد في إطار التحضير وهما لجنة الحريات الأربع، واللجنة العسكرية والأمنية، وقد اجتمع أمس الأول (الثلاثاء) عبد المحمود عبد الحليم السفير السوداني في القاهرة بأسامة المجذوب مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون الجوار وبحث معه عقد اللجنتين المتبقتين في التحضير. وقال عبد المحمود لـ(اليوم التالي) عقب اللقاء: بحثت مع المجذوب بعض القضايا الثنائية منها موضوع عقد لجنة الحريات الأربع واللجنة العسكرية والأمنية، وذلك لاستكتمال كل الأعمال التحضيرية للجنة العليا المشتركة والمتوقع عقدها بالقاهرة قريبا، مشيرا لأن المشاورات في هذا الموضوع مستمرة للوصول إلى موعد محدد لانعقاد اللجنتين.
= ممتلكات المعدنين
لقاء عبد المحمود بالمجذوب لم يقتصر على اللجان التحضيرية للجنة العليا بل تطرق إلى موضوع ممتلكات المعدنين السودانيين بالقاهرة والتي لم يستردها المعدنون حتى الآن بعد قرابة عشرة أشهر، وهو ما أزعج الجانب السوداني، لأن المعدنين أطلق سراحهم بعفو من الرئيس السيسي، بعد عفو رئاسي مماثل من الرئيس البشير عن صيادين مصريين كانوا قد دخلوا المياة الإقليمية السودانية في نفس التوقيت، وتم العفو عن الصيادين وتسليمهم ممتلكاتهم بعد 48 ساعة فقط، بينما عفي عن المعدنين السودانيين لكن دون ممتلكاتهم، وكان المبرر المصري بأنها مجرد إجراءات روتينية من قبل مؤسسات الدولة المصرية، إلى أن أعلن مساعد وزير الخارجية المصري أسامه المجذوب لـ(اليوم التالي) قبل شهر بأن عفو الرئيس السيسي كان على المعدنين وقد تم الإفراج عنهم، أما الممتلكات فيحتاج إرجاعها لإجراء قضائي، موضحا أن الجانب السوداني تأخر في الطعن على الحكم في هذه القضية.
= قضاء عسكري
كما رشحت معلومات لـ(اليوم التالي) من القاهرة بأن الجانب المصري طالب نظيره السوداني بالتقدم بمحامي لدى المحاكم المصرية للانتهاء من هذه القضية، وتبع هذه المعلومات تصريح قبل أيام لأسامة شلتوت السفير المصري بالخرطوم لـ(اليوم التالي) كشف فيه عن ترتيبات وتطورات جديدة جارية من قبل مصر لبحث وحصر ممتلكات المعدنين السودانيين، وقال السفير: على ملاك المعدات أن يتقدموا من خلال محامين عبر السفارة السودانية في القاهرة إلى القضاء العسكري لاستردادها، وتابع : جارٍ اتخاذ الإجراءات في هذا الأمر، في وقت رهنت فيه مصادر رفيعة في الحكومة انعقاد اجتماع اللجنة العليا بين رئيسي الدولتين بإرجاع الممتلكات، وأكد إبراهيم غندور وزير الخارجية أن قضية المعدنين لا تزال لدى الخارجية المصرية وأن التواصل معها مستمر، وأضاف: لكن القضية كما ذكرنا لدى وزارة الدفاع والجيش المصري. في الأثناء قالت مصادر رفيعة لـ(اليوم التالي) إن انعقاد اجتماع اللجنة العليا لن يكون ممكنا قبل استرداد معدات المعدنين، وأوضحت أن هذا الملف يهتم به الرئيس البشير شخصيا.
= رياح عكسية
من الواضح أن مسار العلاقات ابتعد جزئيا عن التحضير للجنة العليا المشتركة بين البلدين وركز على هذه الرياح العكسية المتمثلة في ممتلكات المعدنين البالغة قيمتها كما يتردد 8 ملايين دولار، فهل يمكن أن يعرقل هذا المبلغ انعقاد اللجنة؟ المعطيات على الأرض حتى اللحظة تؤكد أنه سيعرقلها بالفعل، ففي لقاء عبد المحمود بالمجذوب كان الأساس فيه هذا الموضوع، فقد سلم عبد المحمود رسالة من غندور إلى المجذوب لتسلميها إلى سامح شكري وزير الخارجية المصري، وذلك للإسراع في الإفراج عن ممتلكات المعدنين السودانيين بمصر. وقال عبد المحمود لـ(اليوم التالي): أوضحت للمجدوب أن السودان ينتظر الإفراج السريع عن ممتلكات المعدنين بعيدا عن أي إجراءات أخرى، وضرورة إيجاد حل ناجع لها حفاظا على حقوق هذه الفئة، مضيفا: طلبت منه أن ينقل لشكري خيبة أمل كبيرة في السودان لتأخر الإفراج عن هذه الممتلكات، وأنها من المفروض ألا تخضع لإجراءات أخرى بعد عفو الرئيس السيسي. المجذوب من جانبه أثار الأزمة الأخيرة لمصدري السيراميك المصريين للسودان والذين فرضت عليهم السلطات السودانية رسوم جمارك إضافية، مما كبدهم خسائر جسيمة.
= قرار عاجل
هل ستنعقد اللجنة العليا في ظل هذه الظروف؟ أم أن العلاقات ستظل رهينة المشاكل والمشاكل المضادة؟ وهل هذه المشاكل مكان حلها طاولة اجتماعات اللجنة العليا أم ستظل عقبة تمنع انعقاد اللجنة من الأساس؟.
من المتوقع أن يلتقي البشير السيسي في القمة الأفريقية خلال أيام بالعاصمة الرواندية كيجالي، فهل سيبحث هذا الملف ويتخذ قرار عاجل وحاسم فيه لإزالة هذه العقبة أم أن الرئيسين ستكون لديهما ملفات أخرى يعطيانها الأولوية؟ يبدو أن مصير البشير والسيسي أن ينظرا في كل تفاصيل البلدين بعيدا عن البيروقراطية العقيمة، ويراهن المراقبون بأن السيسي شخصيا ربما لا يعلم شيئا عن ملف ممتلكات المعدنين، وأن البشير لو تحدث معه فسيحل هذا الموضوع نهائيا، فهل يحدث ذلك؟
= تحديات إقليمية ودولية
الخلاصة أن العلاقات السودانية المصرية وتحدي تطورها وتقدمها لا يقتصر على مكاسب ثنائية بين الدولتين، فهناك تحديات إقليمية ودولية تستلزم تطبيع هذه العلاقات تطبيعا كاملا، وعلى المستوى الإقليمي يظل ملف المياة أزمة كبيرة تحتاج للتنسيق الكامل بين القاهرة والخرطوم، كما تطل إسرائيل بصورة مباشرة وجريئة هذه المرة في القارة الأفريقية، ويبلغ بتل أبيب الجرأة أن تطالب بمنحها صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي بالتنسيق مع الجانب الإثيوبي، وفي ظل هذه التحديات الصعبة، على الطرفين تذليل العقبات البسيطة بينهما حتى لا ينجرفا أمام تيار أكبر يرى البعض أنه يتربص بهما، وعلى القاهرة أن تعي أن مبلغ 8 ملايين دولار أتفه بكثير من أن يقف حائلا أمام تقدم العلاقات، خاصة وأن الأمر جاء بعد عفو رئاسي من السيسي نفسه.

اليوم التالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.