لماذا يسرق زملاء العمل أفكارنا.. وكيف نحمي أنفسنا من ذلك؟

من المرجح أن تجد زميلًا لك ينسب لنفسه مجدًا، هو في الحقيقة من صنع يديك، أو أنك من يستحقه، وإذا ما كنت في بيئةٍ مضطربةٍ وغير منظمة، سيكون من الصعب تسجيل أو تدوين وحفظ من يقول ماذا، وسرقة الأفكار باتت هاجس الكثيرين، لدرجة أنه يبقي فكرته حبيسة الأدراج خوفًا من سرقتها.

فلماذا إذن يسرق الزملاء أفكار أقرانهم في العمل؟
أولًا: ظاهرة كريبتو أمنيسيا

الـ«كريبتو أمنيسيا» ظاهرة علمية، تعني حرفيًا «الذاكرة الخفية»؛ تُفسِّر أن سرقة الأفكار تتم بغير وعي، وبدون قصد، والمعارضون لهذا التفسير يرون فيه تبريرًا لسرقة جهود الآخرين العلمية؛ غير أن لهذا التفسير العلمي وجاهته أيضًا، فعندما تبدأ بالتفكير في قضيةٍ ما، فإن تحديد أصل ما تعرفه، أمر صعب بطريقة مدهشة! والسبب في ذلك هو أنَّ هناك نوعين من الذاكرة طويلة الأمد والتي يمكن استحضارها بطريقة واعية.

لنقل أنك تحضر مؤتمرًا، وبينما أنت هناك، سيكون دماغك مشغولًا بتحديث السجل الخاص بأشياء من قبيل أين أنت، ومتى، وهل الجو ماطر أم لا…إلخ. وهناك كذلك المحتوى العملي للخطابات؛ ففي النهاية معظم المعرفة العامة، من حقائق ومفاهيم ومعان، سيتم استخلاصها وربطها بمعرفة مشابهة في ذاكرتك الدلالية، باختصار هنا «فلست مضطرًا ـ على سبيل المثال ـ لتتذكر في كل مرة من هو المعلم الذي أخبرك أن باريس هي عاصمة فرنسا» وهذا يعني أنه:

إذا حصلت على فكرة من مؤتمر حضرته، فمن المرجح أنك لن تتذكر من هو صاحب الفضل في تلك الفكرة
ثانيًا: التعاون غير الآمن

وإن كان السبب الأول يفسر ـ ببراءة ـ سرقة الأفكار، ثمة أسبابٌ أخرى تسلط الضوء على التفسير الحقيقي لذلك، ومنها ما اصطلح عليه بـ «التعاون غير الآمن»، حين يعرض عليك أحدهم المساعدة في بلورة فكرة أو تطويرها، وهذا مجالٌ رحب لسرقة الأفكار، طالما أن تطوير فكرة ما أو التدبر فيها يقود إلى انطباع زائف بأن تلك الفكرة هي في الأصل فكرة من يطلب منه المساعدة في تطويرها.
السبب الثالث: نوعية الفكرة

سبب رئيس آخر لسرقة الأفكار، يتمثل في نوعيتها؛ فينظر الأقران ـ فقط ـ إلى الأفكار المميزة، ربما يكون صاحبها مغمورًا، أو ليست لديه الرؤية الكافية لبلورة هذه الفكرة، وتطويرها، ومن ثم تصبح واقعًا على الارض، فيلتقط أحدهم تلك الخواطر، ويضعها في نسق أكثر وضوحًا، وينسبها لنفسه؛ لينال إعجاب الكثيرين، وما يترتب على مثل تلك الأفكار من امتيازات.

وعليك أن تحذر من تأثير وجود «التالي في الدور» الشخص الذي يتحدث تاليًا من المرجح أن ينسب لنفسه أفكار الشخص الذي سبقه، ربما لأنه يكون مشغولًا في تحضير نفسه للحديث عندما يأتي دوره.
السبب الرابع: صاحب الفكرة

كذلك، ليست نوعية الفكرة الأمر الهام فقط، ولكن ـ أيضًا ـ مصداقية من طرحها. وبالطبع، كلاهما له جاذبية في السرقات الفكرية المحسوبة بشكل دقيق؛ فالموظف x صاحب الأفكار الملهمة، يجيد بالفعل ذلك، لكنه لا يجيد تسويق ذاته، وهذا يكون فريسة سهلة للزملاء: «لصوص الأفكار».

إذا ما كنت في بيئة مضطربة وغير منظمة سيكون من الصعب تسجيل أو تدوين وحفظ من يقول: ماذا
السبب الخامس: الشخص الخبير

ويمكن أن نعكس الصورة، فنقول إن الفكرة تسرق عندما تخبر بها شخصًا ذا خبرة كبيرة، تمامًا مثل قصة سرقة موقع «فيس بوك» بواسطة مؤسسه، فالأفكار تغدو عرضة للسرقة بشكل كبير عندما تعرضها على من يمتلك كفاءة عالية في مجال عمله؛ إذ يكمن الخطر في كشف التفاصيل، فإن قمت بكشف التفاصيل الكاملة لمشروعك إلى شخص يمتلك خبرة كبيرة في هذا المجال، إضافة إلى مهارة عالية في تجسيد رؤية المشروع، فإن أفكارك قد تكون في خطر.
ما الذي يمكن أن أفعله؟

بدايةً؛ عليك أنْ تعي أنَّ الافكار كثيرة، فمثلًا، تطلب رائدة الأعمال «فينلوب ترانك» PenelopeTrunk تجاوز الأمر، ولو حاول أحدهم سرقة أفكارك فاسمح له بذلك، واعتبر ذلك شكلًا من أشكال المجاملة؛ أما صاحب رأس المال المغامر «باول جراهام» Paul Graham فيعتبر أنّ الناس يبالغون في تقدير قيمة أفكارهم ويضيف:

إن أفكار الشركات الناشئة في الواقع لا تساوي مليون دولار، وإليك هذه التجربة؛ لإثبات ذلك: حاول بيع واحدة… فحقيقة عدم وجود سوق لأفكار الشركات الناشئة يعني عدم وجود طلب على هذه الأفكار. وبكلمات أخرى، هذا يعني أنّ أفكار الشركات الناشئة لا قيمة لها

ولكن، أن ترى في أفكارك قيمة، فالمقياس الحقيقي للموظف هو كيف يكون رد فعله؛ عندما يكتشف أن فكرته قد سرقت؟ بحيث تغدو مسألةً من التباهي الخلاق، بحيث نترك السارق وشأنه؛ كنوع من الثقة بالنفس، وقد يكون ذلك صحيحًا، لكن عليك أن تعي هذا الأمر في المرات القادمة ومن ذلك:

المحافظة على النظام والانضباط في الاجتماعات، وتدوين الملاحظات والانتباه الدائم لمن يقول ماذا، عليك أن تقاتل بشراسة من أجل فكرتك، وأن تحارب بضراوة؛ لتثبت للجميع أنها ملكك أنت، ولكن انتبه عليك أن تتأكد من أن هذه الفكرة تستحق كل هذا العناء.
التنفيذ هو كل شيء؛ فأفضل الأفكار وأكثرها إبهارًا لا تساوي دون التنفيذ أكثر من 20 دولارًا، ولكن تنفيذ هذه الأفكار يرفع من قيمتها إلى 20 مليون دولار، وتنفيذ الأفكار إذن هو الفيصل بين الأشخاص الناجحين وسرّاق الأفكار، فالنجاح يأتي دائمًا من العمل، لا من الأفكار العظيمة فقط.
جزّئ الفكرة إلى عدة أجزاء وأرسل كل جزء إلى شخص مختلف، مثلًا يمكنك توظيف مستقل، ومبرمج تعرفه في منطقتك، وزميل في الجامعة؛ ليعمل كل واحد منهم على جزء مختلف من المشروع، وبعد الانتهاء اطلب ممن تثق به (يفترض أن يكون المؤسس التقني الشريك) أن يربط هذه الأجزاء مع بعضها البعض. بهذه الطريقة ستمنع أيًا من المنفّذين من سرقة فكرة المشروع أو الحصول على الشيفرة البرمجية كاملة.
في نهاية المطاف، فكرتك ستبقى ملكًا لك، وأنت الشخص الوحيد القادر على تنفيذها بالشكل الصحيح، أما الأفكار المسروقة فهي مجرّد خطط، وكما يقول «جاسون فريد»Jason Fried، مؤسس «بيز كامب» Basecamp «لنسمِّي الخطط باسمها الحقيقي: تخمينات».

الخلاصة:

ليس هناك طريقة حقيقية ثابتة ومضمونة، لحماية أفكارك من السرقة بشكل كامل، وكلّما اقتربت من مرحلة المنتج النهائي، ازدادت نسبة الخطر وكأن ما بذلت من جهد عرضة للسرقة بشكل أكبر، فهذه هي طبيعة اقتصاد السوق الحرّة، والمنافسة ستنفع المستخدم في نهاية المطاف.

إذن كيف ستحمي أفكارك من السرقة؟ تحرّك، اعمل، نافس بشدّة

المصدر: ساسة بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.