فقه الحوافز.. علاوة رضاعة!

تتفتق عبقرية القائمين على إدارة الخدمة المدنية في السودان في كل موقع من مواقعها عن استنباط طرق وسبل لحلب خزينة الدولة عبر الحوافز والعلاوات ولكن يصبح الأمر كارثياً حد الاضحاك في الولايات المختلفة فقد كشفت المراجعات الأخيرة في كل الولايات بلا استثناء عن تجاوزات خطيرة في الخدمة المدنية مثل صرف موظفين لأكثر من مرتب وصرف متوفين لمرتباتهم واستمرار مخصصات الشهداء والتلاعب في كشوفات المرتبات وغيرها من الألاعيب والحيل الفتاكة بالاقتصاد.

وكل هذا لا يساوي شيئاً أمام ما قاله والي كسلا آدم جماع ونشرته (الصيحة) أمس أن علاوة الرضاعة يصرفها الرجال في ولايته ولا تقصر على النساء المرضعات فقط بل ويتمتع بها كل العاملين في الولاية سواء كانوا رجالاً أو نساء.. متزوجين أو عزاباً.. مرضعين كانو أو حوامل، وتستمر العلاوة مدى الدهر لا ترتبط في كسلا بفترة الرضاعة.

هذا ما جنته الخدمة المدنية من سرطان التمكين الذي دخل جسدها مع استلام الحركة الإسلامية لمقاليد الحكم عبر انقلاب الإنقاذ ودفعها بعاطلي المواهب وترفيعهم إلى المناصب العليا وهم بلا خبرات ولا مؤهلات ولا حتى رغبة في تقديم شئ للوطن وكان كل همهم السيطرة على مفاصل الخدمة المدنية وتحقيق الأحلام الوردية وركوب الفارهات وسكون القصور لذا فقد ابتكروا من أسماء الحوافز مثل علاوة الرضاعة التي يصرفها الرجال!.

في مؤتمر عام للمؤتمر الوطني في العام 2008م قال رئيس الجمهورية المشير البشير بالحرف الواحد: “دايرين عضوية منضبطة وما دايرين عضوية متفلتة تخرج من صياغ المجموعة وتاكل من جاي وجاي”. وقوله حينها فُسر على أنه يرسل رسائل للعضوية يطالبها فيها بأن تعود إلى جادة الطريق ولكن يبدو أن حديثه لم يفهم أو لم ينفذ لأن الانفلات و”الأكل من جاي وجاي” لم يتوقف إطلاقاً وظل موجوداً حتى الآن.

مصيبة المؤتمر الوطني بل والحركة الإسلامية كلها أنها لم تضع على الإطلاق منهجاً للمحاسبة لتقوِّم من خلاله منسوبيها الذين يغترفون ما يوجب الحساب، بل ظلت تداري على منسوبيها وتدفع عنهم وتتعامل معهم بفقه السترة وابتدعت فقه التحلل حتى في القضايا التي تظهر للرأي العام مع العلم أن ما يظهر يمثل فقط الجزء الظاهر من جبل الجليد الذي يكون ثلثاه تحت الماء ويظهر ثلثه الأعلى فقط، فإن كان للمؤتمر الوطني منهجاً يحاسب عضويته وفقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: “والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لأقام محمد عليها الحد”.- أو كما قال-.

نقر بأن هناك منهجاً إصلاحياً يمضي الآن وإن كان الإصلاح يواجه بمقاومة عاتية لكنه يمضي بل وحتى الأخبار التي ترشح عن مخالفات هنا وهناك ما هي إلا جزءاً من الإصلاح المنشود لأن الشفافية واحدة من آليات الإصلاح العالمية فقط على الحكومة ومنسوبيها من المؤتمر الوطني أن يعملوا على نشر كل المخالفات التي يتم اكتشافها لأن النشر من شأنه أن يعمل على لجم أمر الفساد والتغول والتجاوزات في الخدمة العامة.

المصدر : الصيحة – محجوب عثمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.