ليلة إعفاء الشيخ جاويش الإخوان المسلمون.. انقلاب ضد انقلاب المرشد

الخرطوم: حسن عبد الحميد

فوجئ الإخوان المسلمون بالسودان ـ شيوخهم وشبابهم ـ يوم السبت الماضي السادس من رمضان 1437هـ ببيان صادر من المراقب العام ـ لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان الشيخ علي جاويش رأى كثير من الإخوان أنه لا تنقصه سوى الموسيقى العسكرية ليكون انقلابا عسكريا كامل الدسم؛ وذلك بعد ما قرر في بيانه تعطيل المؤتمر العام المزمع عقده بعد عيد الفطر، وتعطيل الأجهزة القائمة بما فيها المكتب التنفيذي ومجلس الشورى واللجان التابعة لهما.

ومضى بيان الشيخ جاويش إلى ابعد من ذلك وقام بتكوين مجموعة لإدارة العمل مع المراقب، لتكون بمثابة مكتب تنفيذي جديد. وتلا ذلك تكوين هيئة شورى جديدة. ما كان سببا في سخرية الكثيرين خاصة أن الشيخ جاويش لم ينس في ختام بيانه أن يسأل الله تعالى للإخوان المسلمين الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد!

تجاوز صلاحيات

لم يصدق كثير من (الإخوان) آذانهم وتوقع أكثرهم أن البيان مدسوس على المراقب العام للجماعة؛ إذ ما هكذا تسير الأمور في جماعة عريقة عرفت العمل التنظيمي وتواضعت على القوانين واللوائح منذ أربعينيات القرن الماضي، فكيف لفرد واحد مهما أوتي من قوة أن يتجاوز صلاحياته المنصوص عليها في الدستور؟ ومن المفارقات إقدام المراقب العام على تعطيل أجهزة هي أعلى منه في سلم أجهزة الجماعة حسب القانون الأساسي للجماعة مثل مجلس الشورى والمؤتمر العام، ولكن عندما تبين لـ(الإخوان) أن القرارات صادرة فعلا عن المراقب العام للجماعة لم يملكوا سوى الحوقلة والالتفاف حول أجهزة الجماعة الشرعية صيانة لها من القرارات الفردية الفوقية.

دفاع عن الشرعية

تداعى الإخوان إلى الدعوة لجلسة طارئة لمجلس الشورى؛ فهو الجهاز الأعلى من المراقب العام ويملك حق انتخابه وإعفائه حسب القانون الأساسي للجماعة، وقبلها هرعوا إلى قياداتهم التاريخية وعلى رأسهم الشيخ الجليل صادق عبد الله الذي زُجّ باسمه في بيان المراقب العام الشيخ علي جاويش بزعم أنه تم التشاور معه حول هذا الأمر؛ فنفى الشيخ صادق عبد الله علمه بهذا البيان، بل وأكد لزواره من الإخوان أن هذا أمر لا يستقيم، ثم هرع الإخوان إلى الشيخ الجليل الدكتور الحبر يوسف نور الدائم المراقب العام الأسبق، ووجدوه غاضبا أشد الغضب على هذه القرارات. هنا يقول أحد الملمين بأوضاع الجماعة، “إن نفوس (الإخوان) اطمأنت إلى أن هذا الأمر لا مستقبل له بإذن الله، ولذلك شرعوا في الدعوة لمجلس شوراهم ليدافع عن شرعيتهم في وجه هذا التغول الغريب”.

عزل الشيخ جاويش

التأمت جلسات مجلس الشورى مساء أمس الأول التاسع من رمضان بمنزل الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، بحضور أغلبية الأعضاء من العاصمة والولايات يتقدمهم الشيخان صادق عبد الله والدكتور الحبر يوسف نور الدائم، واستمرت الجلسة الطارئة من قبيل الإفطار إلى ساعة متأخرة من الليل، وبعد مداولات واسعة وحرة خلص اجتماع مجلس الشورى إلى إعفاء الشيخ علي جاويش من منصبه كمراقب عام لـ(الإخوان المسلمين)، وانتخاب الشيخ الدكتور الحبر يوسف نور الدائم، مراقبا عاما إلى حين قيام المؤتمر العام، واستكمال المكتب التنفيذي، وتحديد موعد قيام المؤتمر العام.. ثم تلقى الشيخ الدكتور الحبر يوسف البيعة من أعضاء مجلس الشورى يتقدمهم الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد.

الحبر رئيسا من جديد

بعد هذه القرارات التي شهدها منزل زعيمهم التاريخي الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، تنفس (الإخوان) الصعداء، وقبلها توالت البرقيات والتوقيعات تترى من العاصمة والولايات وخارج السودان تدافع عن أجهزتها الشرعية وتصون قانونها الأساسي وتستنكر ما اسمته بالتغول الذي لا يقف على ساق صحيحة، مهما سيقت له من المبررات، خاصة أن الذين بايعوا الدكتور الحبر مراقبا يرون أن مخرجات مجلس الشورى صححت الأوضاع وأعادت الشيخ الحبر يوسف نور الدائم مراقبا عاما للجماعة من جديد.

دواع الانقلاب

عندما يعكف المؤرخون والباحثون على كتابة تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في السودان؛ فإنهم سيقفون كثيرا عند هذه المحطة التي دعت المراقب العام للجماعة الشيخ علي جاويش إلى إصدار مثل هذه القرارات التي وصفها كثيرون بالغريبة، ويرى أحد الذين بايعوا الدكتور الحبر مراقبا عاما، أن الإخوان في العالم يعانون الأمرين من جور الحكام المستبدين والانقلابات العسكرية والقرارات الفردية الفوقية.. وتساءل كيف نرضى أن تنتقل هذه الممارسات إلى (حوشنا) الداخلي؟ وأضاف: لابد أن المؤرخين والباحثين الجادين سيجدون ما يشفي غليلهم حينما تكون هذه الأحداث في ذمة التاريخ، ونحن نحيط ببعضها الآن، لكننا نمسك عن ذكرها حتى تكتمل التحقيقات الباحثة عن الحقيقة في هذه الظاهرة الغريبة.. وربما تتاح الفرصة لسرد هذه الأسباب مستقبلا إن شاء الله.

الأزمة مرت

هذه الأزمة العارضة التي مرت على الإخوان المسلمين بالسودان أفرزت دروسا عديدة وأثبتت أن الحاكمية لمجلس الشورى؛ فهو الجهاز الأعلى من المراقب العام. ويرى بعض المراقبين أن قواعد الإخوان المسلمين في السودان من الوعي بحيث لا يمكن قيادتها بقرارات فوقية وأسباب واهية، وأن أجهزة الجماعة هي محل القرارات وموضع نقاش أمور الجماعة ولا يمكن اختزالها في شخص واحد مهما أوتي من قدرات فإنه في النهاية تجاوز صلاحياته وخرق القانون الأساسي مع سبق الإصرار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.