بعد تزوير توقيع وختم النائب الاول للرئيس …خطر التزوير يطرق أبواب القصر الجمهوري

العملات..الشهادات الأكاديمية.. مستندات الدولة.. تطالها يد المزورين

موظفون في قفص الاتهام.. وخبراء يشخصون الجريمة الخطيرة

خطاب مزور يمنح محتالين قطع أراضٍ استثمارية بمزايا تفضيلية

تشرّب أفراد الفريق الشرطي الذي تم اختياره بعناية من قسم أم بدة، بروح التحدي، وتوجهوا لأداء مهمة بالغة الخطورة. بيد أنهم لم يضعوا في أذهانهم أن الموقع الذي يقصدونه ورغم بساطته الظاهرية، يحوي داخله خطراً كبيراً على الاقتصاد الوطني. فعندما داهموا المنزل اكتشفوا وجود شبكة تزوير على درجة عالية من الخطورة، لتنجح القوة في توقيفها “بالثابتة” كما يقول الشرطيون.

وكانت المعروضات التي وضعت القوة يدها عليها عبارة عن كمية كبيرة من العملات الأجنبية والمحلية المزورة بالإضافة إلى أجهزة ومعدات حديثة تستعمل لذات الغرض، وذلك الإنجاز الشرطي الذي كان مثار حديث الشارع ما هو إلا نموذج يوضح استشراء جرائم التزوير ليس على صعيد العملات النقدية وحسب، فقد طالت العمليات غير القانونية أيضاً تزوير المستندات والشهادات، وفي تحقيقنا هذا اكتشفنا أن إحدى العصابات كانت تزور خطابات باسم قيادات بارزة في الدولة منهم النائب الأول لرئيس الجمهورية.

مجهودات الشرطة

حسناً، دعونا نستعرض جزءاً يسيراً من جرائم التزوير التي تمكنت الجهات الشرطية والقانونية من فك طلاسمها، ومنها إلقاء الإدارة العامة للمباحث الجنائية بالتنسيق مع الإدارة العامة للمرور، القبض على أخطر شبكة إجرامية تتكون من (11) شخصاً تقوم بتزوير وتزييف الأوراق الثبوتية والمستندات الرسمية في أم درمان، وكانت بحوزتها معمل كامل لإجراء عمليات التزوير وكمبيوتر ولابتوب وكميات كبيرة من رخص القيادة والجوازات وأورنيك (15) المالي وجنسيات وشهادات الطلاق والزواج والشهادات الجامعية وشهادات من وزارات سيادية وتوقيعات لمسؤولين منقولة عبر الإسكنر والبطاقات الشخصية وشهادات وارد وأختام لبيع الأراضي والمركبات وعُملات مزوّرة خاصة (الدولار…الخ).

وهذه العصابة تحديدًا وقعت في يد الشرطة بعدما وردت معلومة للإدارة العامة للمرور عن استخراج رخص قيادة بقيمة محددة تُسلم للشخص في موقعه، وبناءً على ذلك تم إخطار الإدارة العامة للمباحث بالمعلومة، والتي قامت بدورها بتكوين أتيام عمل لعمليات الجمع والتحري والتقصي، فكان توصلت إلى أن هذه العصابة التي تُعد من أخطر العصابات التي يتم ضبطها لأول مرة في تاريخ المباحث.

33 موظفاً مزوّراً

ومن الجرائم التي نظرتها محكمة المال العام بالخرطوم جريمة تزوير تتعلق بشهادات دراسية حيث كشف شاهد الاتهام في قضية محاكمة موظف يعمل بالصندوق القومي للتأمين الصحي بأن أكثر من 33 من العاملين والموظفين بالتأمين الصحي تم تعيينهم بشهادات مزورة بالإضافة إلى أربعة آخرين أيضاً التحقوا بالعمل وفقاً لشهادات جامعية مزورة من ضمنها شهادة المتهم، وأكد محمد عكاشة المدير السابق للشؤون الإدارية بالتأمين الصحي الذي مثُل كشاهد اتهام أمام محكمة المال العام بالخرطوم شمال برئاسة القاضي د. صلاح الدين عبد الحكيم أن المتهم تم تعيينه في الصندوق القومي وتدرج حتى وصل الدرجة الخامسة بشهادة جامعية مزورة وكرت عمل وشهادة خبرة غير صحيحين، وأضاف الشاهد بأن المتهم عمل معه كمتدرب بوكالة الإغاثة الإسلامية لمدة 6 شهور وإنه عندما قدم إلى العمل بالصندوق القومي للتأمين الصحي وجد المتهم موظفاً بالصندوق بناء على شهادة دبلوم محاسبة وبكالوريوس إدارة أعمال من جامعة النيلين وأضاف: عندما تمت مخاطبة الجامعة جاءت الإفادة بأن المتهم لم يلتحق بالجامعة، واتضح بأن كرت العمل أيضاً غير صحيح، وذكر الشاهد بأنه تم فحص شهادات الموظفين والعاملين بالصندوق القومي للتأمين الصحي وجاءت النتيجة بأن أكثر من 33 يعملون بشهادة سودانية مزورة بالإضافة إلى أربع شهادات جامعية مزورة.

تزوير كروت الحمى الصفراء

التزوير لم يكن حصراً على الشهادات الجامعية، فقد طال غالبية المعاملات، فقد أوقعت محكمة جنايات الخرطوم شمال برئاسة القاضي عبد الحافظ محمد الحسن حكماً بالسجن (6) أشهر مع وقف التنفيذ ومراقبة سلوك المتهم والغرامة مبلغ (2) ألف جنيه وفي حال عدم الدفع السجن (6) أشهر في مواجهة متهم قام بتزوير كروت الحمى الصفراء. وأدانت المحكمة المتهم تحت المواد (123,178) التزوير والاحتيال. وذلك بعدما قام المتهم بالاحتيال على إحدى السيدات وذلك بعد أن زوّر لها كرت الحمى الصفراء بدلاً من استخراجه رسمياً.

مدير منظمة يزوِّر توقيعاً

أما في قضية خيانة الأمانة وتزوير توقيعي رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لمنظمة مجذوب الخليفة، فقد جاء قرار المحكمة بالسجن (12) عامًا على المدير المالي السابق لمنظمة مجذوب الخليفة بتهمة التزوير وخيانة الأمانة من القانون الجنائي لاصطناعه وتزويره توقيعي رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي للمنظمة، وحصل بموجب ذلك التصرف على أموال طائلة.

وألزمت المحكمة المدان بدفع غرامة مالية قدرها (30) ألف جنيه، وفي حالة عدم الدفع السجن عاماً وإعادة مبلغ (5،1) مليار للمنظمة الشاكية، وحسب تفاصيل القضية، فإن المتهم قام بتسييل وديعة لصالح المنظمة بمبلغ (5،1) مليار أودعت في بنك الاستثمار المالي، وقالت حيثيات الحكم أن المتهم قام بتحرير شيكات من حساب المنظمة بعد تقليده توقيعي رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي للمنظمة وسحب المبلغ من بنك الاستثمار المالي وتحويله إلى حساب المنظمة ببنك التضامن الإسلامي ومن ثم استلام جزء من المبلغ للاستفادة منه في التجارة، وقالت الحيثيات إن المتهم تسبب في خسارة المنظمة، وأدانت المحكمة المتهم تحت المواد (123) تزوير و (177) الفقرة (2) خيانة الأمانة من القانون الجنائي. وقال القاضي إنه أوقع الحكم بناء على منشور رئيس القضاء في تشديد العقوبات في جرائم المال العام.

تزوير خطير

ومثال خامس لحالة تزوير تبدو غريبة وغير مألوفة على إثرها وجهت محكمة جنايات بحري وسط تهماً لـ(4) متهمين بالتزوير في شهادات شرعية وأختام محكمة شرعية بالخرطوم بموجب المواد (26/123/120) من القانون الجنائي التي تتعلق بالتزوير والمعاونة وحيازة الأختام، ومن جملة (8) متهمين برأت ساحة المحكمة (4) منهم لعدم كفاية الأدلة.

تزوير مستندات الأراضي

كانت تلك مجرد نماذج توضح تفشي جرائم التزوير، وهو ما دعاني لسؤال أهل الاختصاص حول الظاهرة. يقول المحامي محمد عثمان إن أكثر أنواع التزوير انتشاراً المتعلقة بتزوير مستندات الأراضي وتزوير المستندات الرسمية والثبوتية والمختصة بمستندات الميلاد والزواج والشهادات الجامعية، مبيناً في حديثه لـ(الصيحة) وجود أنواع مختلفة من جرائم التزوير أبرزها تزييف العملات وتزوير طوابع الإيرادات، مشيراً إلى أن صنع أدوات التزييف وحيازتها أمر يعاقب عليه القانون، فضلاً عن صنع وتزييف الأختام والعلامات الرسمية، وأردف: كما يوجد أيضاً ما يعرف بتزوير المستندات الرسمية والثبوتية الصادرة من الجهات المختصة، وأضاف أن الأجهزة الأمنية كانت قد ضبطت مؤخراً عدداً من العصابات التي تخصصت في هذا المجال، أبرزها شبكة زوّرت أختاماً وخطابات مروسة من رئاسة الجمهورية، فضلاً عن شبكات تزييف العملات التي ضبطت مؤخراً، موضحاً أن اكتشاف التوقيعات المزورة يتم بالمضاهاة بواسطة المعامل الجنائية التي تكشف ما إذا كان الخط يخص المسؤول المذكور أم لا يخصه، مستطرداً أن بيِّنة الخطوط من نواحٍ قضائية تعتبر بيِّنة ضعيفة، يجب تعضيدها ببيِّنات أخرى.

تزوير في القصر

أفراد شبكات التزوير بلغت بهم الجرأة درجة بعيدة وهم يزورون أختاماً تخص رئاسة الجمهورية وجهات سيادية أخرى، وقد تم اكتشاف هذه الجريمة الكبيرة والخطيرة، عندما أبلغ أحد أصحاب العقارات الشرطة بحضور شخصين إلى مقره يحملان شهادة بحث لقطعة أرض بغرض البيع، وعندما أراد التحقق من هويتهما اختفيا، ليتم تدوين بلاغ وأخذ أقوال المبلغ بواسطة النيابة وتم الاطلاع على سجل القطع، ومن ضمن المستندات تم العثور على صورة بطاقة قوات مسلحة وتم عمل بحث ميداني والعثور على المتهم الأول والذي بدوره أرشد إلى الثاني وبعدها تم القبض على الثالث والرابع وتم ضبط المستندات والأوراق والأختام المهمة بحوزة المتهم الثاني كما تم ضبط خطابات عليها ختم وصورة أمن الدولة وضبط «20» خطاباً من رئاسة الجمهورية، وبعد مخاطبة تلك الجهات، جاء الرد بأن هذه الخطابات لم تصدر منها، وتم عمل طابور شخصية للمتهم الأول والثاني وتعرّف عليهما الشهود، ومن ضمن مستندات الاتهام تم العثور على «12» بطاقات ضباط قوات مسلحة بأسماء مختلفة و«10» بطاقات عليها صورة المتهم الثاني بأسماء مختلفة.

ومن بين المضبوطات خطاب معنون لوزير التخطيط العمراني بتوقيع الفريق أول بكري حسن صالح بطلب منح موظفين دستوريين قطع أراضٍ في الدرجة الأولى، وبناءً على ذلك تم تحويل الخطاب بعد المصادقة عليه إلى مدير الأراضي ثم إلى الجهة المختصة تم التصديق بعدها بعدد «12» قطعة، وهناك قطعة بمنطقة الوادي الأخضر بخطاب أفضلية تخصيص رئاسة الجمهورية ببطاقة تحمل صورة المتهم الخامس برتبة مقدم ركن، ووقع العقد بواسطة المتهم الثاني وكذلك طلب استخراج شهادة بحث لقطعة بأبوسعد عليها صورة المتهم الأول الذي ضبط مع الثاني وتمت إدانة جميع المتهمين في البلاغ أمام محكمة مخالفات الأراضي التي ترأسها القاضي السموأل خلف الله، والتي أصدرت حكمها في مواجهة «5» متهمين بالسجن فترات تتراوح ما بين (3-9) سنوات.

عقوبة التزوير

وترى القانونية آسيا عبد الله أن تزوير المستندات الرسمية يعد من الجرائم الخطيرة التي تحتاج الى تفكير وتخطيط من قبل المتهمين وإلى احتراف عالٍ في ارتكاب الجريمة وأن هذه الجريمة تعد من الجرائم المهددة للأمن القومي خصوصاً إذا كان التزوير في المستندات وخطابات تخص الوزارات السيادية أو الشخصيات الوزارية مما يشكل خطراً على المواطنين، وأضافت في حديثها لـ(الصيحة) أن المادة (123) المتعلقة بالتزوير عقوبتها السجن من سنة إلى خمس سنوات مع دفع غرامة مالية، والمادة رقم (14) الملحقة بنظام مكافحة التزوير تنص على أن: “كل من زوّر الصور الضوئية أو المستندات المعالجة آلياً أو البيانات المخزنة في ذاكرة الحاسب الآلي، أو على شريط، أو أسطوانة ممغنطة، أو غيرها من وسائط، أو استعملها وهو عالم بتزويرها، أو قام بتدوين البيانات أو تغييرها، أو تحريف الأوراق الرسمية والمستندات بأي شكل كان، مثل “الحك، الشطب، أو زيادة كلمات أو حذفها وإهمالها قصداً، أو تغيير الأسماء المدوّنة في الوثائق الرسمية، ووضع أسماء غير صحيحة، أو غير حقيقية بدلاً عنها، أو تغيير الأرقام في الأوراق والسجلات الرسمية إضافة إلى الحذف أو التحريف”، فإنه يعاقب بالعقوبات الواردة في هذا النظام، وهي السجن لمدة سنة إلى خمس سنوات، ومن يستعمل هذه الأوراق المزوّرة فإنه يعاقب أيضاً بغرامة مالية من ألف إلى عشرة آلاف ولا يشترط أصل المحرّر المزوّر لإقامة الدعوى ضد الجاني لأن توافر صور المحررات المزوّرة يعد كافياً لقيام الجريمة ولا يشترط أصل الأوراق للإدانة في جريمة التزوير، وتعتبر الصور الضوئية أو المستندات المعالجة آلياً، أو البيانات المخزنة في ذاكرة الحاسب الآلي، أو على شريط ممغنط، أو غيرها من وسائط في حكم الأصول، ويعاقب على التزوير فيها وفقاً للمادة (14/ ب) الملحقة بنظام التزوير، حيث لا يشترط للإدانة في جريمة التزوير وجود أصل المحرر.

المصدر | الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.