إذا أردتي أن تنجحي، فعليّك التوقف عن ارتداء الكعب العالي

في أول ورشة تدريبية صحافية لي، نصحتني المدربة بأنني إذا أردت أن أبرز وأنجح، فعليّ التوقف عن ارتداء الكعب العالي. ولرغبتي الشديدة في أن أصبح تلك “الصحافية الناجحة”، تحتّم عليّ تطبيق تلك النصيحة الذهبية! وبالفعل توقفت عن ارتداء الكعب العالي سنوات عديدة، حتى اكتشفت عدم صحة أسطورة ارتباط علو أو انخفاض الكعب بالنجاح الصحافي، فتخليّتُ عن مقاطعته، واعتبرته قيمة مهمة تضاف إلى خزانتي اليوم.

والصراحة كنت أظنني الوحيدة التي صدقت بعض المقولات الخرافية عن الأنوثة والاجتهاد، حتى واجهت موقفين، الأول كان خلال حواري الذي أجريته مع الروائية التركية إليف شافاك، في عدد شهر مارس/آذار من هذا العام، حيث صرحت شافاك بأنها على مدى سنين طويلة ارتدت اللون الأسود في بداية مسيرتها المهنية، والذي أصبح ملازما لها حتى الآن، والسبب كان الرغبة في إضفاء طابع الجدية على عملها، بالإضافة إلى تسريح شعرها إلى الوراء حتى تبرز ذكاءها، فشافاك ترى أن “المجتمعات الذكورية تحترم المرأة الكاتبة التي تفتقر إلى الأنوثة أو المرأة العجوز فقط”.

أما الموقف الثاني، والذي شهده كثير منا أخيراً، فقد تمثل في الجدال الدائر حول مقالة عبده وازن عن الروائية السورية سمر يزبك والاتهامات التي انتقصت من إبداعها، ورجحت سبب نجاحها إلى أنوثتها الطاغية.
وربما يضعنا هذا، أمام وجهتي نظر في ما يخص علاقة الشكل والمرأة: الأول، يرى أن الشكل الجميل والذكاء لا يجتمعان. بينما الثاني يميل لاعتبار الجمال أحد أسباب النجاح. وهما موقفان محيران الحقيقة، فأيهما نصدق؟ ذكاء من غير جمال أم جمال وحده يكفي.

في الواقع، في عالم الإشهار والصور المنتشرة لنساء ورجال بقوام رشيق وجميل، وسعي الجميع من كلا الجنسين لبلوغ معايير الجمال، لا يسعنا إلا الاستغراب من هكذا سلوك مفروض على المرأة والذي يقول بعدم اتفاق الجمال والمجال الإبداعي، قد يبرره الجانب الذكوري بأنه حريص على أن تتميّز الكاتبات بخصال تجعلهن مختلفات عن النساء الأخريات. ولكن ما سمّته الكاتبة الأميركية ناعومي وولف “الهوس بالخضوع النسوي” عن طريق فرض معايير خاصة بالنساء وإيجاد تصنيفات لكل نوع منهن، أقرب منه للحقيقة، وإلا لماذا هذا الشرط الإلزامي بأن على المرأة إما أن تكون جميلة أو ذكية؟ ولماذا لا تستطيع أن تكون الاثنتين معا؟

بيد أن المحزن في الأمر، أن هذه الاتهامات تثير لدى الكاتبات حساسيات مزعجة، لتؤكد بأنهن لم يعتدن بعد (ولا أقصد يتأقلمن) على هذا النظام الأبوي المتمثل في بسط القواعد على كل شيء.
الحديث عن مظهر النساء الخارجي أمر قديم وشائع، إلا أنه وللأسف، يثبت قدرته على زعزعة توازن النساء، إذ كان وما زال يمنحهن إحساساً عميقاً بالحرج والاضطراب والخجل، وخاصة بأن ممارسته أصبحت وكأنها ممنهجة من آن لآخر بحيث أصبح الجمال والغباء أمران مترادفان، أو وسيلة ذكورية للانتقاص من ذكاء المرأة.

الراحلة فاطمة المرنيسي قالت في كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب”: “أن تتحول المرأة إلى شيء يرتبط وجوده بنظرة مالكه يجعل المرأة أمة في حريم”. أؤمن شخصيا بأن هذا ما يريده المجتمع الذكوري، امتلاك النساء. ومن هنا بات علينا تجاهل هذه الأحاديث التي نخوضها كثيرا بمناسبة وبغير مناسبة نحن معشر النساء، وإدراك أننا أمام خيارين في ما يخص هذا الحديث الممل، إما التجاهل والمضي قدماً والتحرر من ملكية الرجل والتوقف عن طلب إذنه أو دعمه لقضايا المرأة، فلم نحقق شيئا بهذا حتى الآن. أو إبقاء الجدل العقيم الدائر، حيث إنه قد يتخذ شكلا جديداً إذا استمر على ما هو عليه، فقد نشهد استصدار قائمة إلكترونية ذكورية تشرح الصفات والشروط التي يجب على النساء التحلي بها، والتي تؤهلهن للانضمام إلى فئة الذكيات أو الجميلات، الكاتبات أو عارضات الأزياء، ربات المنازل أو العاملات وغيرهن الكثيرات.

العربي الجديد

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.