مواجهة “كسر الإرادة” بين السيسي والصحافيين: أجهزة و”مواطنون شرفاء”

لم يتردد نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في اختيار سيناريو المواجهة المباشرة والتصعيدية بكامل اﻷسلحة مع نقابة الصحافيين وجموع الإعلاميين، بإسناده ملف التعامل مع هذه الأزمة، التي يعتبرها البعض أخطر ما يواجه نظامه منذ صعوده للسلطة، إلى جهاز الأمن الوطني بوزارة الداخلية، والذي اختار بدوره الاستعانة بجميع أسلحته القديمة والحديثة، مثل النيابة العامة وبعض الإعلاميين التابعين له وبعض النواب المرتبطين بعلاقات سرّية معه، فضلاً عن الدفع بمن يسمّون بـ”المواطنين الشرفاء” (سلاح النظام في مواجهة الاحتجاجات المعارضة له)، حيث يستعين الأمن بنزلاء أقسام الشرطة ومن يحملون سوابق إجرامية في سجلاتهم الجنائية، وهي ظاهرة تستخدم منذ سنوات الرئيس المخلوع حسني مبارك، قبل الثورة، إلى جانب قوات الأمن في تظاهرات لحصار نقابة الصحافيين وتهديد مجلس النقابة والأعضاء. وكانت نقابة الصحافيين قد عقدت، أمس الأربعاء، جمعية عمومية طارئة.
ووفقاً لمصادر مطلعة على الاتصالات التي جرت بين مكتب السيسي وعدد من كبار الصحافيين ممن يوصفون بـ”شيوخ المهنة” وبعض أعضاء المجلس الأعلى للصحافة ومجلس نقابة الصحافيين وعدد من رؤساء التحرير، فإن محاولات التسوية الودية للأزمة التي بدأت مساء الاثنين الماضي اصطدمت بإصرار مجلس النقابة على إقالة وزير الداخلية مجدي عبدالغفار، ووصف ذلك بـ”أقل ما يمكن قبوله إزاء ما حدث من اقتحام قوات الأمن للنقابة بدعوى القبض على صحافيين اثنين مطلوبين في قضية تحريض على التظاهر”، في إشارة إلى عمرو بدر ومحمود السقا.
وتوضح المصادر أنّ “بعض شيوخ الصحافيين ورؤساء التحرير المقربين من مكتب السيسي اقترحوا أن يتقدم وزير الداخلية باعتذار رسمي، لكن جاء المؤتمر الصحافي الذي عقده أعضاء مجلس النقابة، ظهر يوم الثلاثاء، وكرروا فيه الهجوم على الشرطة وأعلنوا تقديم بلاغ للنائب العام ضد اقتحام النقابة، لتثور ثائرة ممثلي النظام في هذه المفاوضات”.
وتلفت المصادر إلى أن أشخاصاً بمكتب السيسي نافذين في دائرته المخابراتية – الرقابية التي يديرها مدير مكتبه عباس كامل، عبّروا عن سخطهم إزاء ما وصفوه بـ”الخطاب الثوري” للنقيب وأعضاء مجلس النقابة، وانتقادهم قرارات سابقة للنيابة بحظر النشر في قضايا عدة، وحديثهم عن محاولات اقتحام النقابة في يومي 15 و25 إبريل/ نيسان الماضي بالتزامن مع تظاهرات شعبية معارضة لنتائج اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي أفضت إلى التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
وتشير المصادر إلى أن “تعبير مكتب السيسي عن غضبه من خطاب النقابة، تلاه بعد ساعات معدودة صدور بيان النائب العام الذي قرر فيه حظر النشر في القضية، ووجّه فيه اتهاماً بالتستر على مجرمين للنقيب يحيى قلاش”. وتعتبر المصادر نفسها أنّ “قرار حظر النشر جاء كعقاب من النيابة للصحافيين لتكرار انتقادهم صدور قرارات حظر النشر في القضايا المهمة، مثل قضية اتهام رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المقال من منصبه، هشام جنينة، بتضليل الرأي العام، وقضية التمويل الأجنبي لمنظمات حقوق الإنسان، وقضية المخالفات المالية في المحطة النووية بالضبعة، وقضية اغتيال النائب العام الأسبق هشام بركات”.
وفي السياق، يقول مصدر قضائي بارز في محكمة استئناف القاهرة إنّ “هناك غضباً عارماً في أوساط ما تبقى من تيار استقلال القضاء من أداء النائب العام نبيل صادق وتبعيته المطلقة لجهاز الأمن الوطني في كل قراراته، وتغطيته على سياسات أمنية مناهضة للحقوق الشخصية والحريات العامة، وإصراره على إحالة العديد من الوقائع العادية للقضاء العسكري بأوامر من رأس السلطة”. ويوضح المصدر أن “عدداً من قضاة تيار الاستقلال بصدد تقديم شكاوى ضد أداء النائب العام في عدد من القضايا أخيراً إلى مجلس القضاء الأعلى”. ووفقاً للمصدر، فإن قضاة تيار الاستقلال، وعلى الرغم من توقعهم عدم التعامل مع الشكاوى بجدية، “إلا أنهم يريدون إثبات معارضتهم لتعليمات النيابة العامة ومختلف النيابات الرئيسية للتضييق على المحامين والخصوم، بما ينال من سمعة القضاء المصري”.
ولم يسبق للنظام الحالي أن حشد جميع أدواته الأمنية والقضائية في مواجهة غضب فئة مهنية. فقد سبق أزمة الصحافيين مع الداخلية أزمة أخرى بين الأطباء والشرطة، وأزمات محدودة للشرطة مع المحامين والمهندسين، انتهت جميعاً بالتهدئة دون تقديم النظام أي تنازلات، بما في ذلك إقالة وزير الصحة الذي كان المطلب الأول للأطباء.
ويرى مراقبون أن النظام يرى أن مواجهة الصحافيين هي الأهم والأخطر عليه وعلى شعبيته، لسببين. الأول يتمثل في أنّ النظام يرى أن الصحافيين انقلبوا عليه بعد فترة طويلة من المهادنة وأن الرضوخ لهم سيكرر خروجهم عليه مع حساسية هذا الأمر. أما السبب الثاني فمرده إلى أن تلبية مطالب الصحافيين وتحديداً بإقالة وزير الداخلية ستشجع فئات أخرى على المطالبة بإقالة وزراء أو مسؤولين.
ويؤكد مراقبون، وبعضهم مصادر قريبة من الدائرة المخابراتية – الرقابية، أن السيسي، على المستوى الشخصي، ليس من النوع الذي “ينزل على مطالب أي شخص يراه أدنى منه مرتبة أو يعتبر أنه تابع له”، وأنه غاضب بشدة لانقلاب بعض كبار الصحافيين على وجه التحديد ضد سياساته في الآونة الأخيرة، ويرى أنهم يعملون لمصالحهم الشخصية.

العربي

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.