معتمد الحصاحيصا.. المغترب!!

تداول الأثير السوداني بشيءٍ من الطرافة الممزوجة بالسخرية والشماتة؛ قصة معتمد الحصاحيصا الذي توكل على الله وركل الوظيفة بقدمه اليسرى واتخذ سبيله في المهجر سربًا..

لكن المعتمد د. بابكر عبد الرازق بث في الأثير المضاد مرافعة يشرح فيها حيثياته.. فقال إنه ظل متنازعاً بين الوظيفة العامة في السودان.. والوظيفة الخاصة في السعودية.. وبعد أن استخار واستشار ونزولاً على رغبة الأسرة نفض يده وأبلغ الوالي د. محمد طاهر إيلا بقراره ثم سلم العهدة للمدير التنفيذي وغادر إلى المدينة المنورة حيث يعمل الآن محاضراً في جامعة طيبة.

ولم يكن المعتمد المغترب في حاجة لهذه المرافعة.. فهو أثبت – بفعلته- أمرين.. الأول أنه مارس وظيفة المعتمد بنزاهة.. وإلا لأغنته بأبوابها الخلفية عن السعودية.. فكثيرون وجدوا في المال العام ما لم يحصل عليه حتى أيسر المغتربين حالاً.. بل لم يعد يرفع حاجب الدهشة عند أحد أن يرى صغار الموظفين يتطاولون في البنيان وفي أفخم الأحياء.. بينما بالكاد يحصد كبار المغتربين من سنوات طويلة في المهجر ما يمكنهم من بيت متواضع في حي متواضع..

والأمر الثاني.. أثبت المعتمد المغترب..أنه ليس من قوائم (الفاقد السياسي).. فكثيرون يرتقي بهم الولاء السياسي درجات السلم عنوةً واقتداراً بلا أي مؤهلات.. فيتولى منصب وزير اتحادي في وزارة متخصصة.. أو والي في ولاية بها أفخم الألقاب وأرفع الشخصيات.. فتصبح معادلة (الولاء مقابل الغباء) طوقاً حول عنقه.. فيلتصق بالمنصب التصاق الحذاء بقدم صاحبه.. وهو يدرك أنه لو فقد الوظيفة السياسية فقد كل الاحترام الذي يحيطه به من حوله من المتزلفين..

من أكبر متعسات سوداننا المغلوب على أمره أن الوظيفة العامة أصبحت (خاصة جداً) ما أن تُعلن أسماء الوزراء والولاة والمعتمدين حتى ينحر الأهل الذبائح ابتهاجاً وتصطف طوابير المهنئين (بل والمتعشمين).. فرحين بأداء ابنهم للقسم الدستوري.. وعلى رأي المثل المصري (قالوا للحرامي أحلف.. قال جالك الفرج..)..

بل، والأنكى منهم من يحملون مؤهلات رفيعة.. وفي يدهم أن يجدوا عملاً أفضل داخل السودان وأفضل منه خارجه.. لكنهم من فرط (تمرمغهم في تراب الميري) صاروا كالأسماك لا تعيش إلا في ماء الوظيفة الحكومية.. إذا أخرجوا منها خرجوا من الحياة كمداً وحسرة..

أرتال من (الفاقد السياسي) ربما جاءت ببعضهم الصدفة، لكنهم تشرنقوا ليتحولوا إلى مخلوقات محورة جينياً خلقت خصيصاً للمنصب السياسي مهما علا أو انحط.. يعمل والياً اليوم.. ثم ينزل درجة.. وزيراً ولائياً.. ويستمر حتى يصبح (مدير مكتب).. المهم أن يتنفس تحت الماء..

ولهذا كتبت هنا كثيراً في (حديث المدينة) أطالب بسن قانون يحرم (التفرغ السياسي).. كفانا شقاء من ساسة لا يعملون بغير السياسة.. ليس لهم من مصدر رزق غير (التسوس) .. فأمثال هؤلاء إذا ما خرجوا من المنصب أشعلوا النيران في كل مكان حتى يعودوا إليه على أطلال الوطن وجثة المواطن..

المصدر : جريدة التيار – عثمان ميرغني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.